قالت لي الخالة فاطمة وهي امرأة مسنة إنها تعتب على شباب هذا الزمن فقد انعدمت فيهم المروءة فقلت لها لماذا فأجابت «كنت في قريتي ومن عاداتي اليومية الذهاب للمزرعة وجلب الحشائش لأغنامي وفي احد الأيام عندما كنت احمل الحشائش وانا عائدة احسست بالتعب وكان في طريقي شابان احدهما يحمل نفس الحشائش والآخر يمشي معه فطلبت منه أن يساعدني في حمل هذه الحشائش ولكنه رفض بحجة انني امرأة مسنة وقال لي «لوكنتي شابة صغيرة وجميلة لأوصلتك الى منزلك ولكن لماذا اساعدك؟» فتعجبت وتحسرت على ذهاب جيلنا الذي كان يساعد الضعيف وخصوصاً النساء»، حالة الخالة فاطمة ليست الوحيدة التي تجسد انعدام المروءة في جيل هذا الزمن فقد شاهدت بأم عيني بعض الشباب في «بص الوالي» وهم يجلسون في المقاعد وأمامهم مباشرة نساء واقفات يتمطوحن جيئة وذهاباً مع حركة البص ولا يحرك هذا المنظر فيهم ساكناً وغير ذلك من المواقف التي تتطلب المروءة فهل انعدمت المروءة في شبابنا أم ماذا حدث لهم خاصة وان الرجل السوداني معروف عنه الشهامة والمروءة و«اخو البنات» و«حلال العوجات» كما تقول الأمثال السودانية، حول هذا الموضوع قمنا بإجراء استطلاع لمختلف الفئات من المجتمع فكانت افاداتهم على النحو التالي . اختبار المروءة في الرجل يوضح عبدالله الشيخ «صحفي»: الشاب عندما يركب فى البص فإن المقعد الذي يجلس عليه هو امانة، امانة عليه ان يسلمها لصاحبها، وصاحبها هو اول امرأة او رجل مسن يركب على البص، على الشاب ان يقف ويسلم الامانة لصاحبها فورًا، وعندما يفعل ذلك تزداد مروءته اكثر، واذا لم يفعل تضيع منه المروءة والقوة التى فى جسده، ويشعر فى تلك اللحظة انه اكثر وهنًا وضعفًا، مما يظن انه مستريح ومستمتع بالجلوس فى الكرسي، والشاب اذا اراد ان يعرف هل لديه مروءة ام لا فليجرب نفسه فى هذا الموقف، اذا جاءت امراة وظلت واقفة تتمطوح بين الكراسي وكان هو جالسًا و قد رضي بهذا الوضع فليعلم انه فاقد للمروءة، اما اذا كان ديدنه ان يقف لإجلاس المرأة والكبير والضعيف ومن هم اكبر سنًا منه فهذا يزيد من مروءته ومن قوته ايضاً وهو يحس بذلك بصورة لا لبس فيها .. ان قياس المروءة يبدأ بهذه الخطوة البسيطة ويتدرج بعد ذلك فى الأشياء الكبيرة على اعتبار ان من يتقاعس عن تقديم المروءة فى هذا الموقف البسيط، يصعب ان نتوقع منه مروءة فى مواقف اخرى اكبر منها، فقلت لأستاذ عبدالله: على هذا الأساس انعدمت المروءة لأني شاهدت كثيراً من الشباب في «بص الوالي» يجلسون في المقاعد الأمامية بينما توجد امامهم فتيات يتمطوحن جيئة وذهاباً حسب حركة البص ولم يحرك هذا المنظر هؤلاء الشباب فقال: لم تنعدم لكنها وهنت. لم تنعدم ويرى محمد أحمد «موظف» ان المروءة لم تنعدم في الرجل السوداني وانما انعدمت فيمن يتشبهون بالسودانيين، من الأجناس الأخرى والبنات صرن لا يحترمن الاولاد، ويستدرك محمد بقوله: بنات هذا الزمن ينادين بالمساواة مع الرجل فى الحقوق والواجبات فيبقى البنت أيضاً عندها مروءة اذا كانت تريد أن تتساوى فى الأشياء الأخرى فالمساواة يعني مساواة فالأشياء لا تنفصل عن بعضها البعض. مروءة عصرية يوضح د. ياسر موسى / اختصاصي نفسي: المروءة ارتبطت كقيمة اجتماعية متأصلة في عقل ووجدان المجتمع السوداني ارتبطت بالرجال وبالتحديد بجنس ذكر وهي بالنسبة للثقافة السودانية معيار قياس للرجولة السوية المشبعة بنجدة الضعيف ونصر المظلوم ويكفي ان يصرخ او تصرخ الصرخة المعروفة جدا لذوي المروءة ...يا... ابو مروءة لتجد منافسة حادة في درء الخطر هذه القيمة يتم تواترها عبر التربية اذ تهتم الأسرة السودانية بتربية ابنائها على قيمة الشهامة والمروءة حيث تبدأ التربية بعدم التعرض للبنات الاخوات بالأذى اذ أن ضرب البنت عيب وليس من شيم الرجولة ثم تستمر التربية لتقوم المدرسة بتكملة الدور بقصص مختارة عن صبي مثالي يقوم بمساعدة رجل مسن على عبور الشارع وآخر يترك مقعده لامرأة مسنة بالبص هذه القصص ليست غريبة عن الحياة الاجتماعية بل هي صور مألوفة في الشارع السوداني تجد التقدير والاحترام والتشجيع من الجميع.. اختفت هذه الصورة بل انقلبت على العكس لن ينجدك صراخ هل اختفت المروءة؟ نعم اختفت بمعناها المعروف حيث اجتاحتها ثورة الاتصالات والتكنولجيا ومفاهيم الحماية الاجتماعية لقد تغيرت تركيبة المجتمع اذ لم يعد مجتمع العشيرة والأسرة والقبيلة بل صار مجتمع الادوار الوظيفية هذا التغير تلقائيًا يحدث تغييرًا كبيرًا في القيم الاجتماعية فيصبح مثلاً الرد على «المس كول» نوعًا من المروءة والاشتراك في جمعية خيرية او مجموعة بالفيس بوك او جماعة شبابية لمناصرة مرضى السرطان او حماية الاطفال او كفالة الايتام كل هذه اشكال جديدة للمروءة لذلك انا لست من انصار الرأي الذي ينعى المروءة الى مثواها الأخير ويتهم الشباب اليوم بالأنانية.