مازال الجدال قائمًا فيما يتعلق بمفاوضات السلام بين الحكومة وما يسمى بالحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال، بين مؤيد ومعارض. حتى الحكومة في ما بين أعضائها ومؤيديها لا يتفقون على رأي واحد. ولكن الشيء المؤسف استغل البعض الجدل والإختلاف ليكيلوا السباب والشتيمة للآخرين دون إحترام لعالم أو شيخ أو زعيم، ودون تقدير لجيل أو لكبير أو لمرشد أو لمعلم. ووصل الأمر بالبعض من الكتّاب أن يتهكموا ويسيئوا للعلماء الأجلاء وبعض أئمة المساجد بوقاحة وسوء أدب وألفاظ لا تصدر حتى من عامة الناس، ناهيك عن مثقف وكاتب. أحد الكتاب وقد عُرف عنه الجهل والكذب وضيق الأفق وقلة المعرفة وعدم الإطلاع وعداوة الخطاب والتطاول على الآخرين، هذا الكاتب كال من السباب والشتيمة للعلماء حتى أنه لم يستبق شيئاً، ثم جاء بعد ذلك لينصحهم قائلاً: «أليس من العقل والعدل والحكمة أن ينتظر هؤلاء الشيوخ النتائج، ثم يدلوا بدولهم» (يقصد نتائج المفاوضات)، يعني ينتظر العلماء إلى أن يركب الخازوق ثم بعد ذلك يدلون بدولهم؟ وهل يصح العقد على المرأة بعد حملها سفاحًا من المعقود له؟ أم أن هذا حلال في شرع ودين هذا الكاتب؟! آخر الزمن أخونا أصبح ينصح العلماء ومشايخ المساجد!! الذي لم أستطع فهمه ما كتبه الأستاذ النور في عموده يوم الخميس الماضي- والأستاذ النور رجل يحترمه الناس ونحترم قلمه- فقد جاء في عموده، بعد كثير من التهكم بالعلماء وتذكيرهم بغيابهم في بعض المواقف وبحدودهم التي يجب أن لا يتعدوها، قال: (خلال عهد الحكم الحالي اكتسبت هيئة علماء السودان موقعاً مؤثراً في الحياة السياسية، ولكنها أسقطت عن نفسها الإحترام والتبجيل والتقديس الذي يمكن أن يقترن بمؤسسة تحمل مثل هذا الإسم الموحي بدلالات دينية). فهل هذا الإسقاط توصل إليه الأخ النور بنفسه، أم أن الشعب السوداني أفتى فيه، أم أن العلماء أعلنوه عن أنفسهم؟ ونقول للأخ النور إن مكانة العلماء في حدقات العيون إحتراماً وتبجيلاً وتقديسًا، هذا ما نشعر به ونلمسه لدى عامة الناس. والمفاوضات مع أية فئة خارجة عن القانون، ليس محرماً على الأئمة أو أي مواطن أن يدلوا بدلوهم فيها. الشيء المؤسف أن كثيرًا من الكتاب والصحافيين لم يفهموا حتى الآن أن مشروع السودان الجديد، مشروع أمريكي كامل الدسم، وأن الحركة الشعبية تسعى لإحيائه شمالاً بعد موته جنوباً، ولا يريدون أن يفهموا أن هذه المفاوضات مع دولة الجنوب أو مع قطاع الشمال، مفاوضات بين شمال السودان الدولة وأمريكا وكيل عنها دولة الجنوب وقطاع الشمال. وما يؤكد عدم الفهم هذا ما كتبه أستاذنا الصحفي الكبير عادل الباز وهو يقول: «لا أعرف لماذا تسعى أمريكا لدفع المفاوضات بالحوار مع طرف واحد وهو دولة الجنوب؟؟» هذا الطرف يا أخي الباز هو طرفها وهي تديره، فكيف تقف معك ضد مصالحها؟؟ ذهب البعض من الكتاب في مقالاتهم إلى السعي لإقناع الناس بالأمر الواقع، وأن ما هو متاح أمامهم هو نهاية المطاف، والتفاوض مع ما يسمى بالحركة الشعبية جناح الشمال هو الخلاص، وهو الطريق لوقف الحرب واسترداد الأرض، وهو الإتجاه إلى الوصول إلى الأمن والاستقرار والسلام الذي به تتحقق التنمية والرفاهية والحياة الكريمة. ويدافع هؤلاء باستماتة عن عرمان الذي يتهكم على الوفد المفاوض له وعلى الحكومة، قبل أن يجلس للمفاوضات. ويدافعون عن وليد حامد الذي لا يدري الناس متى نُفخت فيه الروح من جديد، وفي أي مستنقع كان غاطسًا، ويدافعون عن عقار الذي فعل فعلته القبيحة وهو حاكم ووالٍ لولاية وآمر وناهٍ وبيده كل مفاتيح الأمر في ولاية النيل الأزرق، فإن كان يريد السلام والاستقرار والأمن والتنمية لأهله، لما خرج بعد السلام ليأتي اليوم يبحث عن السلام. يقول الأخ الاستاذ ضياء الدين بلال في مقاله يوم الإثنين الماضي الآتي: «مع ضعف المعارضة وإرهاق المؤتمر الوطني الحاكم آلت السيطرة على الرأي العام تماماً لبعض أئمة المساجد وعدد من الكتاب الصحافيين». هكذا يصبح الشعب السوداني، في نظر صاحب (السوداني)، لا رأي له ولا تقدير للأمور عنده ولا فهم لديه فقط بعض «لاحظ بعض» أئمة المساجد وعدد «برضو خلي بالك أيها القارئ الكريم من «عدد» من الكتاب والصحافيين» استطاعوا التأثير على الشعب السوداني بتاريخه وثقافته ومعرفته أن يكون أسيراً لبعض أئمة المساجد وبعض الكتاب!! ونقول للأخ ضياء- أضاء الله له الحجة ووسع له فيها - إذا كانت المعارضة بكل أحزابها وأطيافها، والحكومة بكل هيبتها وسلطاتها، وأنت و معظم الكتاب وأكثر الصحافيين ومعظم الأئمة بعد خصم البعض الذي تحدثت عنه، إذا كان هذا الكم الكبير في الساحة، ويسيطر على الرأي العام شوية علماء وأئمة وقليل من الكتاب، إذاً، أنتم والمعارضة والحكومة وهلم جرا لا فائدة فيكم ولا حجة لكم، فالرأي العام لا يوافقكم، الرأي العام مع الحق والرأي العام مع الأصل، وليس مع عقار وعرمان ووليد حامد والمتردية والنطيحة وخائب الرجاء. الرأي العام مع الأصل يا ضياء، هل تعرف من هم الأصل؟ سنجيبك فقط صبراً. يقول الأخ ضياء «لا يكفي رفض الحوار مع قطاع الشمال إلا بعد إكمال الجملة المفيدة وهي طرح البديل». ولكن لم يقل لنا من هم أصحاب قطاع الشمال؟ هل هم عرمان وعقار والحلو ووليد حامد؟؟ أم هم قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان الجنوبية؟؟ وهل هم أياً كان فهمك لهم: هم الأصل حتى نبحث عن البديل؟ ما هي علاقة ياسر عرمان ووليد حامد وازدهار جمعة بالنيل الأزرق؟ وما هي علاقة المتردية والنطيحة وخائب الرجاء بجنوب كردفان؟ وإذا كان هؤلاء هم الأصل في المفاوضات حتى يفرض على الشعب السوداني السكوت على المفاوضات معهم والقبول بنتائجها، ماذا تقولون لأصحاب الأصل في المسألة؟؟ أليس الذين صمدوا في جنوب كردفان يوم تمرد الحلو ودافعوا عن مدينتهم وطاردوا قوات الخيانة والغدر ومازالوا يدافعون عن ولايتهم، أليسوا هم الأصل؟؟ أليسوا من وقفوا ضد مالك عقار الذي كان بيده كل شيء وخان العهد والقسم وغدر برجال ولايته، أليسوا هم الأصل؟ أليس من العار أن يأتي مالك عقار يبحث عن السلام ومنصب النائب الأول، وتجلس الحكومة لتفاوضه وأصل الرجال هناك في النيل الأزرق يرابطون؟؟ أجلسوا أيّها الغافلون مع الأصل، ووقتها سنجلس معكم. ونحن لسنا دعاة حرب عندما كانت أرضنا محررة!!