قبل نهايات العام 1999 كان راتباً زيارة جل قيادات الإنقاذ لمنزل د. حسن الترابي عند صلاة المغرب وفي أحد الأيام وصل اثنان من أعضاء البرلمان إلى منزل الشيخ قبل المغيب بقليل وكانا فاكهة المجالس وقد أخرجا الترابي إلى جو مرح وأضحكاه، الأمر الذي أدهش عددًا من المسؤولون من الحالة التي وجدوا عليها شيخهم المهم أن أحد الرجلين كان له غرض عند وزير كان حضورًا لحظتها واستأذن البرلماني الترابي للتحادث إلى الوزير الذي ناداه الترابي باسمه لحظة تحرك البرلماني نحوه ما أوحى للمسؤول أن الترابي يوصيه خيرًا بالرجل الذي ولربما استغل الموقف حيث رفع سقف مطالبه التي استجاب إليها الوزير دون نقاش. كانت تلك علامة غير مباشرة تؤكد سطوة الترابي وعدم وجود مجال لمراجعته في أي أمر حتى ولو كانت مطالب شخصية على شاكلة التي نالها البرلماني من المسؤول الذي فارق الترابي بدليل وجوده في السلطة حتى اليوم!! ومع أننا ما زلنا نعيش في هذه الأيام ذكرى المفاصلة التي باعدت بين الإخوان ثمة تساؤلات لم تتوافر لها إجابات شافية حول المسببات الحقيقية لما حدث ولكن مع كل ذلك ثمة شواهد تشي بتقارب بين الوطني والشعبي وإن تبدو غير مرئية في كثير من تفاصيلها رغم أن المفاصلة في ظاهرها أوقعت خصومة فاجرة بين الطرفين ساعدت على انهمار أمطار الانتقادات التي تبودلت بين المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي بصورة تبعث على الحيرة والحزن الذي سيطر على فئة من الإسلاميين أبحروا بمراكبهم بعيداً عن شواطئ إخوانهم سواء في المؤتمر الوطني أو المؤتمر الشعبي ولعلها هي الفئة التي ستكون لها كلمتها يوماً ما، ويرى كثيرون أن جلهم من المجاهدين الذين خرجت من بين مجموعات كبيرة منهم ما عُرف بمذكرة الألف أخ. الشواهد على تقارب الإسلاميين حتى وان كانت أشواقاً تبرز من خلال الفوائد التي جناها المؤتمر الوطني بإبعاد الترابي أعظم تجلياتها بقاؤه في الحكم حتى اليوم لجهة كسبه رضا دولي بإبعاد العقل المفكر حسن الترابي فضلاً عن كسب الوطني تعاطف فئات من غمار الناس كانت رافضة صدور القرار من خلف الكواليس وبمعنى صريح بعيدًا من القصر وتتطابق رؤية هذه الفئة مع المؤسسة العسكرية غير متناسين أن الترابي في يوم ما رمى بكلمات ومعلوم الذكاء الذي يتمتع به، وقد قال وبكثير من السخرية التي عُهدت فيه: «كثيرون يزورونا ليلاً» في إشارة إلى قيادات ومسؤولين رفيعين في الحكومة. وكان الترابي نفسه قد قوي من عماد أركان النظام عندما أكسب الانتخابات الأخيرة مشروعية وأضفى عليها نكهة التنافس والنزاهة عندما خاص حزبه الماراثون الانتخابي على كل مستوياته بل إن الترابي شغل الناس بدفعه بمواطن جنوبي لانتخابات الرئاسة عبد الله دينق نيال بل إن الترابي نفسه وبعض أهل بيته ترشحوا في القوائم النسبية وأذكر أن الشيخ أدلي بصوته بمركز ناءٍ بالجريف غرب أكثر من نصف ساعة من إدلاء الرئيس البشير وأهل بيته بأصواتهم بمدرسة على مقربة من القيادة العامة قد يقول قائل إن الشعبي ظل متآمرًا على النظام في كثير من مسارات الأحداث لكن الملاحظ أن الشعبي على سبيل المثال لم يطالب بمثول الرئيس البشير أمام الجنائية كما طالب البعض وهم اليوم في الحكومة مثل حركات دارفور، وعلى ذكر الأخيرة ظل الحديث الكثيف عن علاقة الشعبي بحركة العدل والمساواة يغطي على المشهد السياسي وبذلك السبب اعتقل الترابي بُعيد دخول قوات العدل والمساواة أم درمان وتم إطلاق سراحة رغم أن دخول العدل من الممكن أن يكون سيناريو من جهات داخل الحكومة اتفقت صراحة مع رئيس الحركة الراحل د. خليل إبراهيم أو أوهمته بضعف الخرطوم سيان إذ في نهاية المغامرة كسبت الحكومة مساندة داخلية قوية وتعاطفًا خارجيًا حتى من خصومها وهو أمر يحتاج إليه أي نظام حتى ولو كان الوصول لذلك المبتغى باحتساب شهداء!! وطال الاعتقال أيضًا بسبب العدل والمساواة نائب الأمين العام للشعبي إبراهيم السنوسي وأطلق سراحه بذات مسببات إطلاق سراح الترابي، بل إن المهم جدًا في تحالف المعارضة أن التكتيك الذي يتبعه الشعبي كثيرًا ما كان يبطل القنابل الموقوتة التي كانت تزرعها الحركة الشعبية الجنوبية بل الأكثر أهمية في مواقف الشعبي والداعمة للوطني هو رفضه الانقلابات العسكرية ففي يونيو المنصرم أعلن الحزب ذلك على لسان السنوسي في منبر دوري لحزبه بل وأكد السنوسي رفض حزبه للعلمانية والتي يقود خطها تحالف الجبهة الثورية الذي بينه وبين حزب الأمة شيء من الصلة ومثله الاتحادي الأصل الممثل بالقيادي التوم هجو الذي لم يجرؤ الحزب علي فصله .. وأشار السنوسي في ذات المنبر إلى مسألة غاية في الأهمية وهي أن أن أجندة حزبه في رفض الانقلاب تتوافق مع ما يريده المؤتمر الوطني. ومهما يكن من أمر فإن المكانة الرفيعة التي حظي بها القادمون من الشعبي إلى الوطني هي الأخرى تؤكد قصر المسافة بين الطرفين أو بين الشعبي ومجموعات متنفذة في الوطني فها هو د. الحاج آدم نائب للرئيس ومحمد الحسن الأمين رئيس لجنة بالبرلمان بدرجة وزير وحاج ماجد سوار وزير ثم سفير وعمر سليمان بمجلس الولايات ومصطفى كبر بموقع رفيع بالوطني وغيرهم.