السيد الصادق الرزيقي، رئيس تحرير صحيفة «الإنتباهة»، والكادر الإسلامي الذي ينتمي إلى «منبر السلام العادل»، هو ابن دارفور، ويعرف متى وكيف ولماذا تكوَّنت حركة «العدل والمساواة»، وفي ندوة عن «ثم ماذا بعد مصرع خليل؟»، عُقدت في مقر «منبر السلام العادل» وحضرتها «المجتمع»، أفصح الرزيقي عن حقائق تتعلق بنشأة هذه الحركة العنصرية المتمردة، فقال: هذه الحركة تم تكوينها في نهاية التسعينيات من القرن الماضي في الخرطوم، قبل المفاصلة التي شقت الحركة الإسلامية إلى شقين وطني وشعبي. تلاقت مجموعة من الإسلاميين من أبناء غربي السودان، كانوا يشعرون بالغبن السياسي والتهميش، وكان «عراب الإنقاذ» يومئذ د. حسن الترابي على علم دقيق ومتابعة وحوار مع هذه المجموعة، ولكن ضاعت فرص الاحتواء لهذه المجموعة بعد المفاصلة الشهيرة عام 1999م، بين الترابي والبشير، فانحازت هذه المجموعة إلى «المؤتمر الشعبي» الذي يتزعمه د. الترابي، وحدثت ملابسات عديدة، وخرج د. خليل إبراهيم من البلاد للالتحاق بإحدى الجامعات الأوروبية في قسم الدراسات العليا بمجال تخصصه، لكنه بدأ في تكوين خلايا سرية لحركته في الداخل والخارج، وعاد بعدها للخرطوم دون أن يكمل دراسته لينضم إلى جناح الترابي، وتسلل سراً إلى تشاد، ومنها إلى فرنسا وهولندا ليعلن ميلاد حركته في عام 2000م من ألمانيا، وبحضور قيادات فاعلة وكبيرة من منسوبي «المؤتمر الشعبي»، وفي نفس العام ظهر «الكتاب الأسود» الذي ألفه هؤلاء، وهو كتاب عنصري من المؤسف أنه من تأليف مَنْ كانوا ينتمون إلى حركة إسلامية؛ لأنه قاد إلى فتنة ماحقة. وعندما اندلعت الحرب في دارفور في عامي 2002 و2003م، وظهرت حركة «تحرير السودان» بقيادة عبدالواحد نور، ومني أركو مناوي، وعبدالله أبكر، الذي قتل بعد عام ونصف العام من النزاع، وعند توقيع اتفاق «أبشي» في سبتمبر 2003م بين الحكومة وحركة «تحرير السودان» توقَّف القتال، وعارضت حركة «العدل والمساواة» تلك الخطوة، وانضمت لها أعداد كبيرة من حركة «تحرير السودان»، وبدأ خليل قتال الحكومة منذ عام 2003م رافضاً كل فرص السلام والاتفاق. علاقة خفية د. أمين حسن عمر، المسؤول عن ملف دارفور، قال: إن العلاقة بين «المؤتمر الشعبي» بزعامة د. الترابي، وحركة «العدل والمساواة» واضحة يعرفها رجل الشارع العادي، والمحللون السياسيون في السودان يسوقون عدة شواهد تدلك على هذه العلاقة، منها أن د. الترابي هو أول مَنْ سارع إلى منزل خليل فور تأكده من مصرعه، وقام بواجب العزاء، ناعياً خليلاً بقوله: «خليل مات شهيداً ولم يكن جباناً»، ليزيح بهذا التصريح الحزين على مقتل متمرد على الحكومة شكل العلاقة الخفية بين الطرفين، تلك العلاقة التي تجعل خليل إبراهيم يخبر الترابي بخليفته دون الآخرين كما صرح الترابي بذلك، بل إن «المؤتمر الشعبي» كان يرتِّب لصلاة الغائب على زعيم «العدل والمساواة»، ولكن لأسباب لم تُذكر تم إلغاؤها. وقبل مقتل خليل بأيام، قامت السلطات الأمنية باعتقال السيد إبراهيم السنوسي، القيادي ب«المؤتمر الشعبي»، فور هبوطه في مطار الخرطوم، إثر عودته من جوبا وأوغندا، وتحدثت مصادر أمنية عن وثائق ضبطت بحوزة السنوسي والمهندس علي شمار، ساعدت في كشف تفاصيل مخطط عودة الحرب، ومتابعة تحركات حركة «العدل والمساواة»، وتقول نفس المصادر: إن المستندات التي عثر عليها كشفت الخطط التي كان خليل ينوي القيام بها، بجانب الحصول على معلومات عن اتصالات ومحادثات مكثفة كان يجريها «المؤتمر الشعبي» مع «الجبهة الثورية»، وإن زيارة السنوسي لجوبا وأوغندا كانت للقاء قادة «الجبهة الثورية» و«حركة العدل والمساواة» لترتيب أمر ما؛ لزعزعة الاستقرار والأمن، والعمل على إسقاط النظام، لإبداله بنظام علماني لا ديني، وفق مخطط مشبوه ترعاه «إسرائيل» والدول المعادية للسودان بقيادة أمريكا. خط سياسي واحد المتتبع لعلاقة «المؤتمر الشعبي» بحركة «العدل والمساواة»، يلاحظ أن الصف الأول في حركة «العدل والمساواة» هو من القيادات الإسلامية التي انحازت للترابي، ثم كونت الحركة المسلحة، كما أن من الملاحظ أن تسعاً من الأمانات العشر ل«المؤتمر الشعبي» من الغرب؛ مما يؤكد عمق العلاقة وتشابه الخط السياسي بين الطرفين. هذا التشابه جعل بعض القيادات في «الشعبي» تتذمر، بل إن مسؤول أمانة الانتخابات والتعبئة زهير حامد قدَّم استقالته، متعللاً بوجود ازدواجية في الولاء داخل «المؤتمر الشعبي»، تستغل منابر الحزب ومؤسساته وإمكاناته لنصرة حركة «العدل»، وكان زهير قد أعلن عند استقالته أن حسن الترابي يستطيع حل أزمة دارفور إن أراد لقوة علاقته بحركة «العدل والمساواة». وفي الوقت الذي خرج فيه زهير محتجاً من حزب «المؤتمر الشعبي»، تقدَّم أمين أمانة الطلاب في الحزب إبراهيم ألماظ باستقالته للالتحاق بحركة «العدل والمساواة». وزير الدفاع السوداني الفريق أول عبدالرحيم محمد حسين، أكد عُمق العلاقة في اتهام لحركة «العدل والمساواة» بأنها الذراع العسكري ل«المؤتمر الشعبي»، وأن الترابي هو المحرك الرئيس لتمرد دارفور، وأضاف قائلاً: «لا فرق بين «المؤتمر الشعبي» وحركة «العدل والمساواة» إطلاقاً، ولا يساورنا شك في أنهما يشكلان جسماً واحداً». مع كل هذه الشواهد وغيرها، فإن «المؤتمر الشعبي» ينفي أي علاقة بحركة «العدل»، والأيام القليلة القادمة ستحمل الخبر اليقين. الأعداء لن يكفوا أيديهم عن السودان أبداً، وموت خليل ليس نهاية للتمرد، فالمخطط العالمي سيمضي قُدماً لتحقيق أهدافه التي ليست لصالح أحد من السودانيين، سواء المسالمين أو المتمردين، ولذلك على الحكومة أن تكون يقظة وتلتصق بالشعب أكثر وأكثر؛ ليتعاون معها في دحر المتربصين بالسودان الدوائر، حيث ثبت أن نهاية خليل كانت بتعاون أهل المنطقة مع القوات المسلحة.