تبقت أيام قلائل وينقضي شهر رمضان المعظم ذلكم الشهر المبارك الذي تجلت فيه الروحانيات وانعكس ذلك إيجابًا على سلوكيات الأفراد وتعاملهم مع الغير، وامتاز الناس بحالة من الإيجابية والمواظبة على الصلوات في أوقاتها وصلة الأرحام والصدقات وحتى المظهر العام في الشارع شهد انضباطًا عاليًا وكثير من السلوكيات الحميدة، ولكن هل بعد شهر رمضان تظل تلك السلوكيات على حالها أم تعود «ريما لعادتها القديمة».. «البيت الكبير» أجرى استطلاعًا وسط مجموعات من الناس في هذا الصدد كما استعنا برأي علم النفس للنظر للموضوع من زاويته العلمية والنفسية.. بداية جولتنا التقينا الطالب حسن الإمام من جامعة النيلين والذي أفادنا بقوله: لرمضان أجواء خاصة وأنا كشاب أحرص فيه على الصلوات في المسجد واتجنب في ذلك الشهر مجالسة الشلة حرصًا مني على صيامي وخشية تجريحه بلفظة أو نظرة فالله سبحانه وتعالى قال في حديثه القدسي «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به». ٭ «س، ع» موظفة بشركة قطاع خاص قالت: أحرص في رمضان على ارتداء العباءة وكذلك لاأقوم بوضع أي مستحضرات تجميل على وجهي حفاظًا على صيامي وحفاظًا على مشاعر الآخرين! وبالطبع هذه الحالة لا تلبث كثيرًا بعد رمضان فسرعان ما أعود لمظهري العادي فلرمضان حرمته وقدسيته. ٭ عبد القادر زين صاحب محل تحويل رصيد أفادنا بقوله: الحمد لله في رمضان يسود الاحترام الشارع العام وحقيقة كنا «نتأذى» من مظهر بعض الفتيات في الشارع ولكن بفضل الله ونحن في رمضان لاحظت التزام الفتيات وارتداهن للعباءة وتقليلهن من مستحضرات التجميل و«الأحمر والأخضر» ! وياريت لو كل الشهور رمضان. ٭ الحاجة التومة عبد الرحمن قالت في إفادتها: ما يعجبني في شهر رمضان هو الالتزام فقد لاحظت ذلك على أبنائي وأحفادي.. فهم يحرصون على صلواتهم وقراءة القرآن وانعدمت بينهم تمامًا المناقشات والشجار الذي كان يسجل حضورًا بصورة دائمة قبل رمضان، لكن يا خوفي من بعد رمضان وعودة ريما لعادتها القديمة. ٭ طرحنا الموضوع على طاولة الاختصاصي النفسي عادل محمد بشير أفادنا قائلاً: للصيام فوائد نفسية عديدة من أهمها إنماء الشخصية ونعني به النضج وتحمل المسؤولية، والصيام يعطي الفرد فرصة كي يفكر في ذاته، ويدرب الإنسان وينمي قدرته على التحكم في الذات، ويعمل الصوم على التوازن الذي بدوره يؤدي للصحة النفسية إضافة إلى أنه يخضع كل ميول الدنيا لتكون تحت سيطرة الإرادة وتتجلى في رمضان أسمى آيات كبح جماح النفس وتربيتها على ترك كثير من العادات السيئة كالتدخين مثلاً حيث يضطر المدخن لترك التدخين ولو مؤقتًا على أمل أن يتركه نهائيًا والصائم يشعر بالطمأنية والراحة النفسية والفكرية ويحاول الابتعاد عن كل يعكر صفو الصيام من محرمات ويحافظ على ضوابط السلوك الجيدة مما ينعكس إيجابًا على المجتمع، وقد أثبتت العديد من الدراسات انخفاض نسبة الجريمة بوضوح في البلاد الإسلامية خلال شهر رمضان، فالصيام يزيد من قوة الإنسان وقدرته على التغلب على الشهوات فهو ليس امتناعًا عن الأكل والشرب فحسب بل قبل ذلك امتناع عن العدوان والشهوات وميول الشر، وهو خير معين على استقرار الصحة النفسية للفرد يقول تبارك وتعالى «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون» ولا شك أن الالتزام بما أمر به سبحانه وتعالى يسبب حصول التقوى والهداية فالإنسان المهتدي هو المستقر نفسيًا والذي اتضحت أمامه الحقائق فلا يتردد في اتخاذ قراره الصحيح دون تردد أوخجل أو وسوسة، كما أن المهتدي متزن في علاقاته مع الآخرين، والصوم يساعد على تحسين الأخلاق والسلوك وذلك لما يحدثه من انكسار لحظة الشهوات في الإنسان وهنا يأتي التوجيه النبوي «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» أخرجه البخاري وهذا دليل واضح على أن للصوم تأثير إيجابي على نفسية الصائم.. كما يساعد الصيام على التركيز وصفاء الذهن وحسن الإدراك وكثيرًا ما نوصي مرضى الوسواس القهري بالصيام ولوحظ أنهم يتحسنون بصورة جيدة إذا واظبوا على الصيام ويعمل على تقوية الإرادة وهو سلاح فعال في مواجهة الاكتئاب والقلق والوساوس المرضية ويعمل على تهذيب النفوس والتدريب الإيجابي والمتوازن، كما يساعد على تنظيم الوقت بين العبادة والعمل وتخصيص أوقات يجتمع فيها الناس للإفطار وهذه المشاركة في حد ذاتها لها أثر إيجابي من الناحية النفسية، حيث تعم مظاهر التراحم بين الناس مما يبعث الهدوء النفسي، وهذه فوائد جمة لا تتوفر في غيره من الشهور الأخرى.