إن ما يشهده العالم من تقلبات في أسعار الغذاء وتزايد أعداد السكان يجعل العقلاء يتنبهون ويعيدون التفكير فيما نأكل.. والبحث عن إجابة للسؤال: ما هو الطعام الذي يمكن أن نوفره خلال الأعوام المقبلة لتأمين غذائنا؟ لم تتضح لى الرؤية بجلاء كغيرى من الكثيرين ونحن الذين نقيم فى بلاد سميت سلة غذاء العالم وتتميز بقطاع واسع من الثروة الحيوانية والمسطحات المائية لكن أسعار اللحوم عندنا مرتفعة جداً بكل أنواعها بما فيها السمك بعد تفكير قليل أدركت أن الأسباب فى ذلك متداخلة ولكن أبرزها في تشكيل طبيعة هذا الواقع هو عدم المواكبة التقنية والعلمية فى تطوير منتجاتنا والتخندق فى كهف التقليدية والتقليد وليس هناك من يسمع لرأي الخبراء والعلماء. ما ذكرته من مخاوف هو أساس القضايا التي أثارت قلق المنظمات التي من بينها الأممالمتحدة والحكومات في المنطقة ومن المتوقع أن يكون لذلك الأمر تأثير كبير على حياة الشعوب ما لم تعمل الدول على تداركه ومراجعة إستراتيجياتها، نحن فى السودان تربينا على لحوم رخيصة ووفيرة وأحسب أن الوفرة هى سبب الرخصة وإلا ما كانت مصر من أكثر البلدان استهلاكاً للسمك وبالمقابل متوفر وبكثرة أما نحن فى السودان فاستهلاكنا للأسماك يعد أضعف دول العالم والسمك عندنا أسعاره مرتفعة جداً.. من واقع الحال نجد أن مصر طورت صيد الأسماك وعمل مزارع فى معظم المساقط المائية والجذر وأصبحت تصدر لبقية دول العالم. لقد أتاحت لى رفقة وزيري الثروة الحيوانية والسمكية والمراعى الدكتور فيصل حسن إبراهيم والإعلام والثقافة أحمد بلال عثمان فى زيارتهما لمشروع تحسين نسل الثروة الحيوانية والإنتاج اللاحم عن طريق تلقيح الأبقار البلدية لإنتاج سلالات جديدة لها القدرة العالية على التسمين والمنافسة العالمية فى الأسواق، لقد أتاحت لى تلك الرحلة التقرب أكثر ومشاهدة أكثرعمقاً لمشروعات تعتبر مثيرة فى الواقع وهي مشروعان مدهشان «الأول لتحسين نسل الماشية بالكدرو» و«الثانى لتحسين نسل الماعز فى السليت» كما أن الجلوس مع رجل الأعمال هاشم هجو رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات هاشم هجو المعروفة وهو الرجل الخبير والممارس للنشاط الزراعي منذ عقود من الزمان ووكيل لعدد من الشركات الزراعية الأمريكية هذا الرجل حكى لي قصصًا ومفارقات عجيبة حول النشاط الزراعى فى البلاد وكيف كان بالإمكان «ميكنة» كل المشروعات الزراعية منذ العالم 1983م لكن شيئاً لم يحدث لغياب الأولويات عند الحكومات وبعض التنفيذيين الذين كثير منهم معيق للتجربة بدلاً من الإضافة لها ونتيجة ذلك انهيار عدد من المشروعات التى تجتهد الحكومة الآن لإعادة ترميمها من جديد فانظروا كيف يكون الحال لو أننا قد فعلنا ذلك منذ ذلك التاريخ؟ هنالك من يروج أن إدخال تقانة الأجنة وتحسين النسل يعني تدمير للأصول ولا أحسب أن ذلك له علاقة بالمنطق العلمى بقدر ما هو تمسك بالتقليد الذي لا يفيد فى عالم تقدم كثيراً ولا سبيل إلا المواكبة والعمل فى مسار تنمية القدرات وبكل صراحة إنني ذهلت حين وجدت أن أصل المشروع فى مرحلته الأولى قد جعل البقرة «الأم» حاضنة فقط «يتم استخدام الرحم» بمعنى أن يتم الإتيان بالسائل مجمداً من الخارج ليتم التلقيح الصناعى بمجرد بلوغ الأم دورة الحيال ويكتمل الحمل تحت رعاية بيطرية لتعيش فى ذات البيئة السودانية دون أن تحتاج إلى تغيير والمدهش أن معدل الزيادة فى العجل لليوم الواحد يساوي كيلو إلا ربعاً .. المشروع الآخر هو خاص بتحسين نسل الماعز تم فيه استجلاب «تيوس وإناث» من جنوب أفريقيا تسمى «الكلهارى والكوير» وهى منسوبة لصحراء كلهارى موطن عيشها فى المنطقة التى تغطي معظم أجزاء بتسوانا والنصف الشرقى من ناميبيا والأطراف الشمالية من جنوب إفريقيا و أن بيئتها لاتختلف عن بيئة السودان حيث المناخ مداري وشبه مداري جاف حار صيفاً، معتدل الحرارة مائل إلى الدفء شتاء وأن معدل نموها عالٍ جداً وما يميزها أيضاً نسبة التوأم فيها كثيرة جداً تصل أربعة توأائم فى الولدة الواحدة، وهذه الخطوة ربما تخلق للأغنام السودانية منافسة دولية وسوقًا جديدًا لاسيما أن مساهمتها ضعيفة فى الصادرات الاقتصادية.. الكرة الآن فى ملعب القطاع الخاص ليأخذ الفكرة ويعمل بها تحت الإشراف الفنى للدولة وبعد زمن وجيز سنجد أن السودان قد طور ثروته الحيوانية من حيث الحجم والإنتاج واللحوم المحسنة على الطريقة المستخدمة الآن فى الفنادق والطيران وغيرها من الفنادق العالمية، ونأمل أن ينداح المشروع ليبلغ الفيافى التى هي أحوج ما تكون لتطوير القطاع التقليدى والأسلوب التقليدى أيضاً فى التعامل مع القطيع الحيوانى ومنتجاته لأن العالم اليوم قد ذهب مراحل فى عملية الخدمات الغذائية والبيطرية للحيوان وكذلك فى عملية الحلب بواسطة الحلابات المتحركة والآلية ذات السعات المختلفة كل ما له علاقة بعمل ونشاط لوازم ومعدات مزارع الماشية وتربيتها سواء كانت للألبان أو اللحوم. كما أن الولايات ينتظرها دور أكبر فى نقل المشروع وتنفيذه ضمن مشروعاتها فى تأمين الغذاء ومضاعفة الإنتاج بإدخال التقانة الزراعية والحيوانية للنهوض بهذين القطاعين والخروج به إلى بر الأمان .