الخبر الذي نشرته صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، الأربعاء الماضي وقالت فيه إن الولاياتالمتحدة تريد من الصين ودول عربية المساعدة في تأمين ثلاثة مليارات دولار للسودان ضمن صفقة لاستئناف إنتاج النفط في دولة الجنوب.. تلفت الانتباه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة للعلاقات السودانية الصينية بل وربما تكون سانحة لسبر غور تلك العلاقة من جهة كيفية تعامل الخرطوم مع بكين وبشيء من الدقة تستدعى التعرف على الآلية التي تتعامل بها الحكومة مع نظيرتها الصينية بل وكيفية تحريك عجلة تلك العلاقة. الاهتمام الصيني بإفريقيا بلغ مداه في الآونة الأخيرة، فيما يتعلق بالتجارة، بين الطرفين فكان حجمه زهاء مليار دولار لأول مرة في عام «1980»، ثم ارتقى إلى ما فوق «10» مليارات دولار في عام «2000»، وفي نوفمبر عام «2010»، وصل إلى ما يقارب «115» مليار دولار.. ونجد أن كثيرًا من الدول اتجهت للتقرب أكثر فأكثر للصين إن لم يكن التودد إليها وافساح حيز في تحركاتها الخارجية لتلك العلاقة التي لو تم استثمارها ستبيض ذهباً بكل تأكيد لكن المتتبع لنظرة الخرطوملبكين يلحظ عدم وجود إستراتيجية واضحة المعالم للتعامل مع جمهورية الصين، فليست هناك ملفات بعينها لتلك العلاقة بأيدي أناس بعينهم داخل الحكومة أو الحزب الحاكم ولعل مرد ذلك وجود ما يمكن وصفه بالصراع الخفي حول رؤية عدة جهات أو شخصيات أحقيتها أن تتأبط ملف التنين الصيني وتبرز هنا شخصية مصطفى عثمان باعتباره قد تولى الشؤون الخارجية في دولاب العمل التنفيذي، وفي إطار العمل التنظيمي أيضًا بحزبه المؤتمر الوطني ودخل أمين القطاع العلاقات الخارجية بالوطني إبراهيم غندور كلاعب جديد بعد توليه الملف، ومثله وزير الكهرباء أسامة عبد الله وبحسب مصدر موثوق فإن الثلاثة أطراف لم تحرك الملف بالشكل المطلوب إن لم تعرقله، فعلى الصعيد السياسي لم ترفع الصين يدها معترضة وبشكل صريح على محاولات دول غربية فرض عقوبات على السودان، ومن الممكن تجاوز ذلك باعتبار أن كفة علاقات الصين مع تلك الدول مرجحة علاقة الأخيرة مع السودان غير متناسين أن الصين ظلت تستخدم نفوذها كدولة محورية وذات ثقل اقتصادي ودبلوماسي في معادلة التوازنات الدولية والإقليمية لحماية مصالحها في السودان بالشكل غير المرجو.. لكن المساحة الأهم والأكثر براحًا والتي من الممكن أن تتحرك فيها الحكومة أو المؤتمر الوطني بكثير من الحيوية هي الملف التجاري من حيث جذب الاستثمار الصيني الذي تتهافت عليه كثير من الدول وفي هذا الجانب يبرز لاعب أساسي وسع من ذلك الماعون وهو وزير النفط د. عوض الجاز الذي يعتبر دينمو العلاقات السودانية الصينية خاصة في مجال البترول بعد أن أحدث اختراقًا كبيرًا في هذا الملف رغم أن مصادر موثوقة تؤكد أن هذه العلاقة تصطدم كثيرًا الآن بمواقف وزير المالية علي محمود حيال الصين ويظهر ذلك من خلال تحرك عوض الجاز لتغطية الأماكن الشاغرة التي تركها المؤتمر الوطني أو وزير المالية أوالجهات التي ذكرناها سابقًا على الرغم من الزيارة المهمة التي قام بها الرئيس البشير إلى بكين العام الماضي والتي صاحبها جدل كثيف في أعقاب تواطؤ دولة تركمانستان بعدم السماح لطائرة الرئيس بالمرور بأجوائها. على صعيد وزارة الخارجية تبدو الصورة قاتمة بعض الشيء حال مضت لرؤية الوجه الصيني ومرد ذلك أن الحكومة ورغم متغيرات الأوضاع ومتقلبات السياسة لا تزال تحتفظ بسفيرها هناك ميرغني محمد صالح منذ نحو عشر سنوات، وكأن العلاقة في عهده تطورت.. سفير بالخارجية فضّل حجب هويته لم يجد إجابة لسؤالي عن سر إبقاء الخارجية للسفير طيلة هذه الفترة مع أنه أشار لتجارب سابقة مثل السفير عثمان السيد سفيرًا بأديس أبابا لأكثر من أثني عشر عاماً، وأشار إلى أحاديث هامسة داخل الوزارة تتناول بقاء السفير هناك وقال تطور العلاقات مع الصين لا يزال دون الطموح. وسبق للخارجية أن كادت تتسبب في أزمة دبلوماسية عندما أوفدت وزير الدولة بالخارجية صلاح ونسي لمؤتمر عقد في الصين كان يفترض أن يحضره وزير الخارجية علي كرتي والذي كان وقتها في أديس أبابا في حين أن الترتيبات في بكين اكتملت على أساس حضوره شخصيًا ولم يتسن لونسي غير المتقن للإنجليزية مقابلة وزير الخارجية الصيني. ومهما يكن من أمر فعلى الصعيد الشخصي لمسؤولي الحكومة وقيادات الوطني يبدو هناك اهتمام بالصين من خلال دفع بعضهم بأبنائهم لتعلم اللغة الصينية ولكن العبرة بالإنجاز على المستوى العام.