أجرته: نفيسة محمد الحسن تصوير: متوكل البجاوي العميد «م» محمد الأمين خليفة أحد الضباط الذين قادوا انقلاب الإنقاذ الوطني في يونيو «1989م» وكان مقرر مؤتمر السلام في بدايات حقبة الإنقاذ.. خليفة (صمت) كثيراً ورفض التحدُّث وإبداء آرائه للأجهزة الإعلامية.. وبعد ملاحقة استمرت فترة طويلة ومواعيد مؤجلة ومتكرِّرة كان هذا اللقاء بسؤال أول لماذا لا تعلق على الأحداث رغم تقلب الأوضاع السياسية صعوداً وهبوطاً؟ وأين القضية الوطنية في أطروحات المعارضة؟ وهل هناك فرص لجمع ووحدة الحركة الإسلامية السودانية؟؟.. في الحوار الذي أجرته معه (الإنتباهة) قال محمد الأمين خليفة إن اللبنات والأشواق موجودة لوحدة الإسلاميين لكنها تحتاج إلى تفعيل فقط بالرغم من اختلافنا أثناء الحكم كان منذ البداية لكننا صبرنا لعلنا نصل إلى تدبير ينقذنا من الشقاق.. ووصف خليفة الحكم قبل المفاصلة بغير المثالي.. وتضمن اللقاء العديد من المحاور فإلى تفاصيله: ما هو رأيك بعد مرور هذه الأعوام حول الحفاظ على مبادىء الثورة؟ جاءت الثورة عام «1989»، وكل الثورات عندما تأتي تأتي برغبة الشعوب وتطرح مبادئ اتفق عليها أغلب الناس من عدل ومساواة وشفافية وحرية وتداول سلمي، هذه مبادئ حية وستبقى كذلك لكل ثورة تريد أن تنهض بشعبها، لكن تتغيَّر أمزجة الناس، وهنالك مفارقة بين النظري والعملي، فالمبدأ نظري والحكم عملي، الحاذق الأمين من يستطيع أن ينزل المبدأ النظري إلى عملي.. باعتبارك أحد المسؤولين عن هذا الحكم مهما كان الموقع في الحكومة أو المعارضة.. لماذا تتحمَّل الإنقاذ الأخطاء التي تشيرون إليها؟ تتحمل لأنها من أتت بهذه الحكومة، وكما ذكرت سابقاً عندما تتصدى للأمر فهي المسؤولة عن كل ما حدث سلباً أو إيجاباً، هكذا هو الحكم، نحن لم نتجرد من السلبيات التي حدثت سواء كنا في الحكومة أو المعارضة لذلك لا بد للناس أن تحتذي بالمبادئ الأساسية وإن أخطأ الناس أثناء التنفيذ لا بد أن يجنحوا للحق ليس للباطل، هذه هي المفارقة أن تجنح للحق خير من الجنوح للباطل. إذاً ما الذي قدمته المعارضة للدولة بعيداً عن الحكم والسلطة وأين القضية الوطنية من أطروحات المعارضة؟ القضية الوطنية تكمن في عدم إذعان الناس إلى الحق، إن كنت في الحكومة والمعارضة طرحت (سوالب) وأخطأت فعلى الحكومة أن تأخذ هذا بجد وتستنكف من رأي المعارضة، وكذلك المعارضة إن الحكومة أحسن عليها أن لا تستنكف وتقول للحكومة أحسنتِ، هذه هي القضية الأساسية التي نريدها وهي الوطنية ومن ثم ينعكس هذا الرأي على المواطن البسيط الذي لا حول له ولا قوة، نحن لا نريد أن يشقى هذا المواطن بسبب الاستنكاف بين الحكومة والمعارضة، الدول التي تقدَّمت تحترم رأي الأقلية وتنفذ رأي الأغلبية، وأحياناً قد يكون رأي الأقلية هو الصائب أيضاً هذه الحكومة التي تنفذ عليها أن تنفذ ذلك الرأي، نلاحظ في الإسلام يختلف أحياناً سيدنا أبو بكر وعمر حتى ينزل الوحي ليفرق بين رأي هذا وذاك، لكن هذا الاختلاف لا يؤدي إلى مقاطعة ومشاققة وتنافر بل يؤدي إلى ما هو خير للبلاد والعباد، نحن نريد لمثل هذه المعارضة أن تكون موجودة في بلدنا وأن تنظر للمواطن الضعيف. لكن المسؤولية في كل العالم تقع على المعارضة والحكومة في إحدى القضايا الوطنية كيف يتفق ذلك مع ما ذكرت؟ حتى سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعد وفاة الرسول الكريم وهو خير الناس قال: (لقد وليت عليكم ولست بخيركم فإن رأيتموني أصبت فأعينوني وإن رأيتموني أخطأت فقوموني وأطيعوني ما أطعت الله فيكم) هذا هو منهج إسلامي حقيقي، على الناس أن يتدبَّروا ذلك؛ لأنه المنهج الذي يفيد الناس، إذاً ليس من يحكم السودان لأنه يقودنا إلى (الصنمية) بمعنى أننا ننظر إلى هذا الشخص كأنما حواء السودان لم تنجب سواه، وكأنما هو صاحب الرأي الصحيح دوماً، لكن حتى سيدنا سليمان نبي الله الذي أعطاه الله سبحانه وتعالى ملكاً للإنس والجن والطير وكل المخلوقات لكنه استشار (النملة) في حكمه، علينا أن نتعظ بذلك ولا يحتقر أحد أي رأي مهما كان. في السابق كان للأحزاب المعارضة طرحٌ أيدولوجي يتم حوله النقاش والمراجعات الفكرية، والآن لا يوجد طرح بعينه للأحزاب سوى الوصول إلى الحكم أو إسقاط النظام؟ هذا غير صحيح، للمعارضة طرح مثلاً نحن نطرح الحرية كاملة، كم من الصحفيين الآن يعتقلوا؟ وكم من الصحافة توقفت وكم من الأقلام شُرِّدت، هذا على مستوى الإعلام فقط، وعلى مستوى الرأي العام والحريات العامة وسائر الأمور، نطلب مثلاً للانتخابات أن تكون حرة ونزيهة لكن ما حدث في «2010م» لم تكن حرة ونزيهة، نحن نتحدَّث عن التداول السلمي لا أرى تداولاً سلميًا بل ما زالت الحكومة تتبع «ما أُخذ بقوة السلاح لا يسترد إلا بقوة السلاح» وهذا ما يشجع الحركات المعارضة الأخرى على حمل السلاح ويتنافى مع ما جاءت به الشريعة فيما يختص بالتداول السلمي والتعددية.. نتحدَّث عن العدل والمساواة لا أرى عدلاً حتى في التنظيم ناهيك عن غيره، نتحدَّث عن الشفافية لا أرى ذلك يتم الآن بل كل الأمور تحدث دون وضوح، مثلاً المجلس الوطني هو المنوط به الوقوف على كل التشريعات والقوانين ويوجد الكثير من القوانين والأعمال التنفيذية ليس البرلمان من يتخذ فيها قرارًا، مثلاً الزيادة التي تمت الآن للكهرباء كل البرلمان يقول لا توجد بينما القرار نفذ دون مناقشة وجدال داخل البرلمان، لدينا طرح محاربة الفساد ونحن نعلم كيف نحاربه لكن الحكومة لا تريد. كيف ذلك وقد أنشأت الحكومة مفوضية لمحاربة الفساد؟ صحيح أنه توجد الآن مفوضية لكن لم تقدِّم شيئاً حتى الآن بقيادة أبو قناية، كل هذه أطروحات المعارضة، إذاً نحن لسنا نعارض طلباً للسلطة إنما نريد تغيير كل هذه القضايا لينصلح الحال. ألا يمكن تغيير كل هذه القضايا بالحوار مع المؤتمر الوطني دون إسقاط الحكم؟ ما الذي يمنع ذلك؟ لكن الحكومة الحالية لا تريد ذلك؛ لأنها ليست جادة، نحن لا نريد أن نبحث عن حلول لمشكلاتنا ونطرحها للغير؛ لأننا أجدى وأجدر بحل قضايانا (ما حك جسمك مثل ظفرك) مهما تكن المعارضة فهي داخلية وهم مواطنون من الدرجة الأولى يحق لهم أن ينظروا في كل القضايا السياسية والأمنية والاجتماعية وإلا لم يكونوا معارضة، لكن الحكومة تعتبر أنها العدو اللدود بالرغم من أنها الرأي الآخر المطروح حتى يفتح الرأي بالرأي وينفصل ما هو أنفع للناس. الأشواق التي تظهر في أجهزة الإعلام حول جمع صف الحركة الإسلامية السودانية.. هل هناك بوادر قبول من جانبكم؟ سمعنا كما سمع الآخرون بأن هنالك دولاً تريد جمع صف الحركة الإسلامية، أقول جمع الصف من حيث الوحدة هي قضية دينية وضرورة وطنية وحيلة سياسية وفكرة اجتماعية اقتصادية واستتباب أمني.. هذه هي معاني الوحدة وليس هنالك مواطن وطني بمعنى الوطنية وليس الحزب يرفض أي تداعٍ لوحدة؛ لأنها مطلوبة ونحن كسودانيين لسنا بحاجة لطلب رخص استيراد رأي من الخارج مع احترامي الكامل لكل من يسعى لذلك، لكن تكون العقبة دائماً في الذين بيدهم السلطة والفئة التي لا تريد جمع الصف، هذه قضية في منتهى الحيوية بجمع الصف إلى الحق وليس على باطل، إذا بنفس المبادئ والهوادي التي تحدثت عنها في السابق من شفافية وشورى وحرية وعدل يمكن أن يصل الناس إلى بر الأمان، أما المبادرة التي أتت من الخارج فنحن في المؤتمر الشعبي لم تصلنا نسخة أو مكتوب منها إن وجد، ولعل ذلك من خيالات بعض المشفقين على الوضع في السودان، لكن نحن لا نريد وحدة بين فصيلين اثنين فقط الآن السودان به شرائح عامة وفصائل عدة نحن نريد وحدة شاملة للإسلاميين وغير الإسلاميين ولأبناء القبلة وغيرهم؛ لأن القضية قضية مواطنة وليست قضية دينية فحسب، صحيح أن الهوادي بجمع هادي بالوسائل الدينية الإسلامية كثيرة لجمع الصف الوطني سواء كان مسلمًا أو غير مسلم، إسلاميًا أو غير إسلامي المبادئ الدستورية التي وضعناها قادرة الآن لتجمعنا، فمن يريد أن يجمع الناس ليفعل هذه الهوادي والمبادئ؛ لأنها كفيلة بجمع الصف الوطني جميعه لنكون إخوانًا متحابين لبعضنا البعض لا نتشرذم ونقول نحن فقط الإسلاميين أو الشيوعيين أو البعثيين بل نقول نحن السودانيون وأن يفهم كيف يحكم السودان وليس من يحكم السودان لأنه أجدى وأنفع. قواعد الإسلاميين تشتت وتحفظ بعضها وابتعد آخرون.. هل يمكن عودة صف الإخوان الإسلاميين خاصة أن بعضهم لديهم تحالف مع اليسار؟ كما ذكرت أن اللبنات موجودة والأشواق موجودة فقط كيف نفعلها، وكيف نرد الأمر إلى الله ورسوله وإلى أولي الأمر منا جميعاً وهذا ما ذكر وهو ما يمكن أن يجمع صف الإسلاميين الذي تشتتوا، أما إذا كان هنالك فئة تحالفت مع فئة أخرى فهذه الفئة الأخرى هل هم سودانيون؟ إن كانوا سودانيين ما هي النقاط التي اتفقوا حولها، ولعل ما اتفقوا عليه ادعى للوحدة من بعض الإسلاميين الذين ينتهجون الإسلام ولا يتفقون على ذلك، مثلاً الحريات العامة نتفق فيها مع الشيوعي أو البعثي، أن اتفقنا على الحرية والشورى ومحاربة الفساد والشفافية هو خير؛ لأنه سوداني ومسلم ويقول لا إله إلا الله محمد رسول الله إضافة إلى أنه مع هذه المبادئ، لكن هنالك من يقول أنا مسلم وإسلامي لكنه لا يراعي لهذه المبادئ، لذلك هذا في الباب الوطني أقرب أما في إطار المعاقبة أو الحساب الديني فهذا أمره إلى الله..