لو كنت وزيراً للزراعة في هذه الأيام كنت سوف أقوم بإعادة صياغة الإعلان «الظريف» بتاع «ناس زين» والذي يظهر فيه الأطفال وهم يلبسون «جزم» أمهاتهم وبدلات آبائهم ويغرقون في أجواء من «الوساع» الشديد.. كل ذلك لأن أمطار هذه الأيام والحمد لله جاءت مبشرة وكثيرة جداً فرح بها أهلنا في الأرياف وفي مناطق الزراعة المطرية.. صحيح أن «ناس الخرطوم» لا يحبون الأمطار لأنها تكشف عوراتهم ويغرقون في شبر ماء، ونأمل أن تزيد هذه الأمطار كمان وكمان لصالح منتجي الزراعة المطرية، وإن شاء الله الخرطوم «تغطس» في شبر موية.. وكنت سوف أنشر إعلاناً تلفزيونياً في تلفزيونات «الحنة والترتر» يظهر فيه الممثلون وهم يلبسون خيمة حبوبتهم ويتلفحون بالملاريات والقفاطين، لأن الأمطار في بعض المناطق قد وصلت إلى اربعمائة مليمتر ومازال الخريف في أوله، بينما المطلوب للزراعة المطرية ثلاثمائة وخمسون مليمتر فقط.. وبهذه المناسبة نذكر أن المرحوم محمد إبرهيم نقد زعيم الحزب الشيوعي كان عضواً بالجمعية التأسيسة بعد أمطار عام 1988م، وعندما عرض وزير الزراعة المرحوم عمر نور الدائم ممثل حزب الأمة خطة وزارة الزراعة، كان قد أسهب كثيراً في محاسن الأمطار الغزيزة ذلك العام وتأثيرها على القطاع الزراعي، هاجمه الزعيم نقد وطلب منه ألاّ يعتبر الأمطار الغزيرة من إنجازات حكومة الصادق المهدي أو من انجازات وزارة الزراعة. وعلى كل حال نعلم أن الأمطار أيضاً هذا العام 2012م ليست من إنجازات الإنقاذ أو المتعافي، ولكن نزولها بهذه الغزارة يشير إلى أن الإنقاذ محظوظة جداً بينما المعارضة منحوسة جداً، لأنها كانت تعتمد على المجاعة والجفاف والتصحر لكي تساعدها في قلب نظام الحكم، وبمساعدة الجنوبيين والجبهة الثورية وحركات دارفور وباقان وعرمان.. ولكن نظراً لهذاالنحس المركب في ظهر المعارضة فقد أفشلت أمطار هذا العام نصف المخطط على الأقل، حيث لن تكون هناك مجاعة، بل إن التأسيس الجيد الذي بذلته برامج النهضة الزراعية والتمويل الأصغر وجهود الجهاز المصرفي، سوف تساعد على أن تتوقع إنتاجاً في الذرة يفوق الخمسة عشر مليون طن، ومن السمسم أكثر من مليون طن، وقس على ذلك المحاصيل الأخرى خاصة الثروة الحيوانية وبقية الصادرات الزراعية وتوفر الأعلاف ومياه الشرب التي تساعد على تقليص حركة الحيوان نحو الجنوب.. هذا مع ضمان امتلاء خزانات السدود في سنار والروصيرص ومروي وجبل أولياء والخيران. وسيكون من الضروري التنبيه منذ الآن إلى أنه سوف «يتفاجأ» بعضهم بأن المحاصيل الكثيرة لن تجد جوالات الخيش، ولن تجد الحاصدات المناسبة، ولن تجد العمالة المطلوبة، لأن الناس ذهبوا إلى التعدين عن الذهب، ونخشى ألا تتمكن الحكومة من جمع المحصول وحصاده في الفترة الممتدة من أكتوبر القادم وحتى مارس. ولهذا فإن من الضروري أن يتم إعداد خطة إعلامية قوية جداً وفاعلة تقوم بتحفيز الناس.. كل الناس.. نحو استكمال الزراعة وتجهيز المواقع والمخازن وتوفير والتمويل الجزئي للحصاد.. ولكن لسوء الحظ فإن أجهزة إعلامنا ليس لديها أي اهتمام بالتنمية ولا بالزراعة ولا تفهم فيها ولا ترغب في الاقتراب منها.. وأجهزة إعلامنا تهتم فقط ب «النسوان» و «السيدات» اللابستات الثياب المطرزة بالترتر.. وأجهزة إعلامنا تهتم بالنسوان والبنات الغنايات و «المتحننات» في الأيدي والأرجل، وهاك يا غناء وهاك يا مزيكة الليل والنهار «كلو غناء» حتى أن ناس هيئة العلماء ومجموعة من المجلس الوطني احتجوا على المساحات الضخمة المخصصة للعبث والطرب و«الحنة والترتر» في أجهزة الإعلام.. وربما يرى الإخوة في مجال الاستراتيجيات أن يأخذوا بعضاً من المسؤولين والمسؤولات في أجهزة إعلام «الحنة والترتر» في بص واحد ويطوفوا بهم على المشروعات والأرياف في «كورس» تثقيفي عن الزراعة في السودان، فربما ينصلح الحال ويتوقف الناس ديل عن الطرب و «الهشك بشك» من «ستة إلى ستة» وينتبهوا إلى أنهم في حالة حرب وأن هناك شيئاً اسمه الزراعة. { كسرة: دولة الجنوب لم تهتم بهذا العام بزراعة أي حاجة لأنها تنتظر الأمريكان والسودان لامدادها بالغذاء.. وفي نفس الوقت لديها ملايين البشر تركتهم معنا.. ولا يريدون أن يخرجوا.. وهؤلاء يمثلون حوالى عشرين في المائة من السكان، ويستهلكون عشرين في المائة من إنتاجه، ويشكلون كل بؤر الفساد والقنابل الموقوتة وعدم الاستقرار الأمني.. والمطلوب ترحيل الجنوبيين إلى بلادهم، ولا يوجد أي مبرر لكي نقوم برعايتهم وهم يمثلون عمقاً أمنياً ضاراً بأمننا واقتصادنا.