تكشف أي تعيينات جديدة في الحكومة الاتحادية أو حكومات الولايات، عن أزمة عميقة في الحزب الحاكم وحلفائه، فالوجوه تكرر وجدب القيادات والمسؤولين يضرب بأطنابه، وتدوير الشخوص والمواقع يظل هو السمة الغالبة، دونما أدنى بارقة أمل في التغيير وتجديد الدماء وتقديم وجوه وتجربة جديدة. وخير دليل ما حدث في ولاية الخرطوم من تعيينات قبل يومين، وبالتحديد تعيين الدكتور معتصم عبد الرحيم، وهو رجل كفء ومقتدر ولا غبار عليه، لكنه أعطي فرصاً كثيرة من قبل، وقدّم كل ما عنده، فقد تولى منصب وكيل وزارة التربية والتعليم مرتين، وكان والياً للولاية الشمالية ووزير دولة في التربية والتعليم، وظل في واجهة العمل التنفيذي منذ مجيء الإنقاذ تقريباً، فليس من الحكمة الإتيان به لوزارة ولائية أقلّ بكثير من قدراته وتجاربه، ولن يستطيع أن ينجز شيئاً أكثر مما فعله طيلة وجوده في المواقع المختلفة. وكذلك اللواء«م» الدكتور عبد الكريم عبد الله، مدير جهاز الأمن الأسبق، ورئيس وحدة تنفيذ مطار الخرطوم الجديد السابق، فرجل بتجربته التنفيذية والأمنية والسياسية، ليس مكانه معتمد رئاسة في ولاية الخرطوم، حتى ولو كان عمله الرئيس سيكون داخل المؤتمر الوطني، فهو ليس في حاجة لهذه الوظيفة الدستورية إن كانت لتسهيل عطائه في عمل الحزب بالولاية وتنسيق الصلة بين الجهاز السياسي والحكومي فيها. وتوجد مثل هذه التعيينات على هذه الشاكلة في الحكومة الاتحادية التي صارت حكراً على أسماء بعينها موجودة في مواقع السلطة لسنوات طويلة أعطت كل ما لديها ولم يتبقَ في أدمغتها وأفكارها جديد ولا مبادرات تستطيع القيام بها، وكان الأجدى البحث عن وجوه جديدة وحواء السودانية والدة، ولا يستطيع أحد أن يقول ويجادل بأنهم لا بد أن يبقوا خالدين في المواقع حتى يوم يبعثون، لكن منطق الأشياء وطبيعتها يقول غير ذلك، ولو كانت تدوم لما آلت إليهم. هذه الأزمة هي أس العلل وسبب كثير من الإخفاقات والاحتقانات فقل العطاء السياسي والتنفيذي في الدولة، ومنطق التجديد ضرورة لازمة لا بد منها، ولولا جريان الماء في الغدير والنهر لصار الماء آسناً لا يصلح لشيء، فالسلطة لا بد من أن تتغير باستمرار، فمداخل الاختلال تنشأ من غياب التبديل والتغيير المستمر. وقد يقول قائل إن هؤلاء الذين يتم تعيينهم في مواقع تجاوزوها بالتجربة، وليس من الضروري أن يكونوا في مقام كان رفيعاً ثم تولوا ما هو دون ذلك، مستشهدين بقصة تولي حِبِّ رسول الله، أسامة بن زيد، لقيادة جيش المسلمين وهو شاب صغير وفي الجيش كبار الصحابة.. أو قصة تنحي خالد بن الوليد من القيادة ليصبح جندياً عادياً ، قد تصلح للقياس على قاعدتها لكنها غير ملزمة في ظل ظروف مختلفة ودواعٍ متجددة وواقع يتطلب فقهاً جديدًا. والواضح أن الطريقة والكيفية التي يتم بعد ترشيح من يراد تعيينه وتقديم المقترحات تتم في إطار ضيِّق جداً ويتم إطلاع المكتب القيادي الولائي أو الاتحادي دون إفساح المجال للتشاور الواسع وتقديم عدد كبير من المرشحين يخضعون للجرح والتعديل، وفي الغالب ما تقبل الترشيحات المقدمة في النهاية ولا يؤخذ بالملاحظات والتحفظات والنقاش الذي يقال، دون إدراك أين تكمن مصلحة الحزب والحكومة في التجديد أو تدوير القيادات؟ من الضروري أن تكون للمؤتمر الوطني وحكوماته الاتحادية والولائية، آليات وأدوات لاكتشاف القيادات الجديدة وجلبها لتولي المواقع الدستورية ما دامت مؤهلة لها، وقرون استشعار لمعرفة اتجاهات الرأي العام حول تكرار وتدوير الوجوه التي ما أن تخرج من موقع حتى تجد موقعاً جديداً في انتظارها كأن العقم أصاب الرحم وانقطع النسل.