قرأت بمزيد من الدهشة والاستغراب الرد المطول الذي نُشر في عدد الإنتباهة يوم الأحد 8 شوال 1433ه الموافق 26 أغسطس 2012م رداً على كلمات كنتُ قد أشرت فيها إلى الظاهرة الغريبة التي تحدث في خط أم القرى شمال حيث تتمركز نقطتان للجباية تحصل من الحافلات بأسباب غير معروفة وغير مفهومة. ويبدو وحسب ما ورد في مقدمة الرد أنه جاء من جهة تسمي نفسها الهيئة الفرعية للحافلات ولاية الخرطوم محلية بحري. وأود أن أدعو أصحاب الرد إلى كلمة سواء بعيداً عن السخريات الصغيرة.. وبعيدًا عن العزة بالإثم.. وقولاً بالحق وصدعًا به.أما فكرة الظالم البدائي فهي تشير إلى شخص مسؤول قد يكون ملكًا أو رئيساً أو وزيراً أو موظفاً عاماً أو أي شخص عادي.. يرتكب ظلمًا في حق شخص آخر.. ويعلم أنه ظلم وأنه من تزيين الشيطان.. ويعترف بأنه ظلم.. بل ويخشى العقوبة عليه في الدنيا والآخرة.. وهو سريع الإنابة والاستغفار.. أما الباطش المدني فهو شخص طبيعي أو اعتباري ظلم ويتمادى في الظلم ويصر عليه ويزين للآخرين أن هذا ليس ظلمًا بل هو العدل المطلق.. وأن الاعتراض على هذا الفعل الذي يصدر عنه هو الظلم وكفر النعمة والجحود.. إن الباطش المدني يدّعي أنه مبعوث العناية الإلهية وأن كل ما يصدر عنه هو خير محض لا يجوز الاعتراض عليه، وقد ظل هذا دأب الأنظمة الشمولية في الماضي والحاضر من لدن قال فرعون «لا أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد» إلى يومنا هذا حيث بدأ الربيع العربي باقتلاع أنظمة الباطش المدني ابتداء من بوعزيزي في تونس ومرورًا ببقايا الباطش المدني في مصر واليمن وسوريا.. وهلم جراًَ.. هذه واحدة.. ثم نأتي إلى هذه الظاهرة... وهي ليست موجودة حسب علمي إلا في خط أم القرى شمال.. ولقد استقيت معلوماتي من داخل عدد من الحافلات التي تعمل في الخط ليس مرة واحدة ولا مرتين ولا ثلاث مرات.. وسمعت ورأيت الملاماة التي تقوم بين السائق والجابي أو المتحصل.. وسألت عن السبب وما هي الخدمة التي تقدمها (المجموعة).. لسائقي الحافلات وللمواطن. وعلمن من داخل الحافلات أن المبلغ ستة جنيهات.. وقد اعترف صاحب الرد بهذه الحقيقة ثم ناقضها في آخر المقال!! وعلمت من داخل الحافلة أن الخدمة هي منع الحافلات غير المرخصة بالعمل في الخط.. واعترف كاتب الرد بهذه الحقيقة وقال «والحمد لله أنك تعلم أن مهمتهم منع العربات التي لا تحمل التصاديق». وهذا اعتراف كافٍ وواضح وصارخ وبيِّن ويكفي لاإصدار الحكم أمام أي قاضٍ يُعرض عليه هذا الخلاف.. مهمة منع العربات غير المرخصة في خط أم القرى شمال أصبحت من مسؤوليات هيئة قطاع خاص ولا شأن للجهة الرسمية التي منحت التصديق بحماية هؤلاء الذين تقاضت منهم الرسوم كما تشاء وكما تريد وكما ترى على النمط الفرعوني المشهور. وانا أحب أن أؤكد للإخوة في الهيئة الفرعية أو الهيئة المركزية للحافلات أن أكثر من 90% من جبايات الإنقاذ إنما هي ذارئع للحصول على مال محمد أحمد الغلبان الذي تتحدثون أنتم عنه وتظنون أنكم تدافعون عنه وأن هذه ال «90%» من الجبايات لم ينزل بها كتاب ولا سنة ولا شرعها نبي ولا رسول ولا خليفة راشد ولا إمام عادل. إن محاولة الدفاع عن هذه الجبايات ما هي إلا تزيين للباطل وتحريض الباطش المدني الذي ظل منذ انقلاب الحنادي والشيتكلي في سوريا يتحدث بلسان قومي عنصري بغيض.. ثم جاء في عصر الإنقاذ ليتحدث بلسان إسلامي فصيح ومبين.. وبهذا تصبح جريمته أكبر من جريمة الحنادي والشيتكلي والأسد وعبد الناصر والسادات ومبارك وسواهم من صنوف الباطش المدني.. في أكثر عصور الأمة الإسلامية والعربية إظلاماً وسواداً. ولعل الهيئة الفرعية والمركزية للحافلات لا يعلمون أنني من أكثر المدافعين عن أصحاب الحافلات ومن أكثر أهل الصحافة إحساساً بالغبن والظلم الذي يقع عليهم من الدولة.. دولة الجباية والمكوس.. وأرجو أن ترجعوا إلى مقالي «عاجل إلى وزير الداخلية» وكتاباتي الكثيرة حول الجبايات والمكوس والرسوم التي لا تقدم خدمة لا للمواطن ولا لدافع الجباية.. وأنا في واقع الأمر أُصاب بالدهشة في كل خطوة أخطوها داخل رد الهيئة الفرعية للحافلات. يقول الرد. «ويعمل بالخدمة الخاصة أربعة سائقين وشرطيان خدمة خاصة». وأقول إنه وبغض النظر عن حجم المال الذي يجبى كل يوم وعن طريقة التصرف فيه. فإن عدد ستة أشخاص عدد قليل وفي مكنة الدولة توفيره مادامت الخدمة ضرورية إلى هذا الحد وهي أصلاً مسؤولية دولة ومسؤولية سلطة.. لأن هؤلاء الستة أفراد لا يفعلون أكثر من مراقبة الخط وتنبيه من يعمل بغير ترخيص فإذا لم يلتزم فعليهم الإبلاغ عنه إلى السلطات لمحاسبته ومعاقبته. وأظن أن المنهجية الذرائعية الإنقاذية واضحة في هذا السلوك. وبهذا المنهج أعتقد أننا نساعد الباطش المدني على البطش بنا ونحسن له أقواله وذرائعه ونفسد على أنفسنا.. ولتعلم الهيئة الفرعية والمركزية أن إدخال شرطي رسمي في هذا العمل يعد فساداً وذلك بإعطائه أجراً على عمل هو من صميم واجبه سواء قصرت الدولة أم لم تقصر.. أما حكاية أن هذا الشخص سائق أو شرطي يقف نظير 33 ج. «منذ الصباح الباكر في هجير الشمس وزمهرير البرد وتحت زخات المطر لكي يوفر المواصلات لأمثالك!!» وبالرغم من أن مفردة لأمثالك هذه تذكرني بحكاية «الله يرحم ابووووك يا شيخ» وهي أبعد من الرحمة والدعاء إلا أن كاتب الرد ينكص ويظن وبعض الظن إثم أنني لست ممن يستخدمون هذا الخط..!! لا بل هو يظن أنني ممن لا يستخدمون المواصلات العامة.. وهو غمز ولمز في غير موضعه.. فاستخدام المواصلات العامة ليس سبة.. واستخدام السيارة الخاصة ليس جريمة!! الإشكال الحقيقي في من كتب الرد!! دعك من كل هذا الغمز واللمز غير الموفق وغير المثمر وتعالوا نتكلم فيما هو مفيد ومثمر وذلك ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى: إذا كان الغرض من الخدمة توفير المواصلات لأمثالي.. فلماذا تمنعون الحافلات غيرالمصدقة من العمل في الخط.. بينما نحن نقف الساعة والساعتين في محطة كنكيج لنحصل على مقعد إلى الشارع الرئيس أو إلى لفة جنوب أو إلى بحري..!! ثم نضطر إلى ركوب ركشة خدمة خاصة بمبلغ ستة جنيهات إلى لفة جنوب!! ألا تعلمون أن معظم الحافلات تمر بمحطة كنكج والركاب «مشمعون»!! وبعضهم نصفه في الداخل ونصفه في الخارج وباب الحافلة مفتوح!! ألا تعلمون أن عدداً كبيراً من الحافلات التي تسعون لحمايتها تمر بالخط وبمحطة كنكج وهي فارغة تماماً من الركاب والمحطة مليئة بهم ثم تمر ولا تلوي على أحد وهي تحمل لوحة مركبة عامة بلونها الأخضر!! أين أنتم من كل هذا!! ومن تحمون «بمجموعتكم» هذه ودعنا نسميها مجموعة.. هل هذا العمل حماية للمواطن من أمثالي وتوفير المواصلات أم أن الشنشنة الإنقاذية الذرائعية هي التي تسود وهي التي تقود؟! لم يظهر لي بسبب قلة المجموعة ستة أفراد منهم شرطيان أن هناك ذريعة تكافل اجتماعي في الأمر.. وحتى لو كان هناك تكافل فإن الغرض نبيل.. ولكن الأسلوب خاطئ.. يا إخوتنا في الفرعية والمركزية تعالوا إلى كلمة سواء.. هذا الواجب واجب سلطاني والمبالغ التي تؤخذ من الحافلات تؤخذ بغير وجه حق.. والفكرة كلها تكريس لمنهج الباطش المدني ولا أريكم إلا ما أرى.. وتكريس للذرائعية الإنقاذية ولا أظن أن هناك أي داع للمباهلة.. فالواقع ماثل ومرئي وأنا هأنذا أختم المقال وأنا بعد دقائق في طريق إلى كنكيج وفي يميني نصف جنيه قيمة المقعد من كنكيج إلى لفة جنوب. وفي جيبي احتياطي «مركزي» لا فرعي مبلغ ستة جنيهات قد اضطر في الغالب أن أدفعها إلى صاحب ركشة ليقلني إلى لفة جنوب.. ويقارب المبلغ مائتي جنيه شهريًا.. هي في ذمة الهيئة الفرعية. هذا هو ردي أيها الإخوة.. وليس هو بالأغاليط ولا بالترهات ولا بالأباطيل.. ولا بالأكاذيب.. ولا بالسباب.. وليس فيه ذرائعية وليس فيه تجنٍ على أحد.. هذا العمل الذي تقومون به مهما كان صغيرًا فهو فنجان في برميل منهج الباطش المدني.. وفنجانكم هذا هو فنجان جحا المشهور الذي ظن أنه لن ينتبه إليه أحد.. فإذا البرميل ملئ وليس فيه إلا فنجان جحا. ولسوف تمر أيام قليلة جداً قبل أن يستشري منهج الذرائعية الإنقاذية التي جعلت التجنيب منة فرعونية وعناية إلهية بالمواطن الغلبان.. وقريبًا جدًا ينتقل المنهج الذرائعي وعبقرية الباطش المدني إلى كل أفراد الشعب بعد القضاء على الفرعيات والمركزيات.. وعند ذلك لن نجد من بيننا من يصدع بكل الحق أو يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر.