السلطة تعلم ضعفنا وقلة حيلتنا.. مثلت هذه الكلمات العنوان الرئيسي لليلة السياسية الكبرى لتحالف قوى الإجماع بعد غياب الكبار من زعماء المعارضة «الترابي ونقد والميرغني والصادق» في خطوة حملت بين ثناياها عنصر المفاجأة لكل الحاضرين بما فيهم مقدم برنامج الندوة التي هيأت لنفسها دار حزب الامة القومي لتكون مسرح الخطاب الجماهيري لقادة المعارضة من الصف الثاني، على غير ما اشتهته قواعد الأحزاب التي احتشدت على جنبات الدار في تلك الليلة، فغياب الزعماء إلا واحداً لم يكن متوقعاً لجهة تقديمهم قبل الشروع في الحديث عن الموضوع المخصص للندوة أو الليلة السياسية كما يحلو للبعض أن يسميها، والتي تهدف في المقام الأول إلى التعبئة الجماهيرية لرفض مبدأ الحرب في النيل الأزرق وجنوب كردفان التي أفرزتها اتفاقية السلام الشامل ثمناً للأخطاء الفادحة التي حمل وزرها الوطني قبل الحركة التي وقف الى جانبها صف المعارضة، وحملت قائمة الغياب إلى جانب أولئك الزعماء رئيس حزب العدالة مكي بلايل الذي وضعته الأنباء التي رشحت في خانة المعارضين لسياسة المعارضة في التعامل مع قضايا الحرب في ولايته «جنوب كردفان» وموقفه الواضح منها الذي يبدو أنه لم يرق لبعض أولئك الزعماء من بني تحالفه، بينما آثر الحزب الشيوعي الاعتذار لزعيمه نقد لمرضه الذي حال دون وصوله لمخاطبة الجماهير، فيما لم يعرف رئيس حزب المؤتمر السوداني إبراهيم الشيخ الممثل الوحيد لرؤساء التحالف، لم يعرف الأسباب الحقيقية وراء تخلف رؤوساء المعارضة عن مخاطبة الندوة، أو أنه أراد عدم التبرع بالاعتذار لهم نيابةً عن احزابهم المنوط بها مهمة التوضيح، فغياب الرؤساء بالرغم من اتفاقهم على صيغة البيان المسمى «نداء السودان» الذي أقرَّ التعبئة الجماهيرية ضد الحرب ورفع فوقها راية السلام، شكل دعماً لفكرة «الضعف» التي انتابت رئيس المؤتمر السوداني من على المنصة خلال مخاطبته اللقاء في تلك الأمسية التي بدأت صاخبة قبل أن ينتابها النعاس، فالضعف الذي قال به الشيخ ومثل اعترافاً صريحاً وواضحاً للمعارضة «النظام يعلم ضعفنا»، وأخذ حظه من النشر في وسائل الإعلام على وجه السرعة، حمل في باطنه اليأس من مقاومة النظام بالشدة او باللين، حيث أوضح أن النظام الذي لا يستبين النصح يجب تركه ليلقى مصير من سبقه، واصفاً قادة الحزب الحاكم ب «قوم نوح الجدد» في إشارة الى قوم نبي الله نوح الذين أخذهم الطوفان ولم تبك عليهم السماء أو الأرض، بينما حمل في ظاهره أن النظام يستعلي عليهم بممارسته سياسة القوي على الضعيف، في إشارة لم يخفها عندما حاول التذكير بما فعله النظام يوم الجمعة الماضية حينما منعهم من التظاهر والخروج إلى الشارع للتنديد بالحرب، مشيرا إلى المبررات التي ساقها النظام بعدم ملاءمة الظروف الراهنة للقيام بخطوة كهذه، منبهاً إلى ضرورة توفير مناخ الحريات للتعبير عن الآراء المشروعة. وتبدو المناسبة سانحة للتذكير بما فعله زعيم الشيوعيين خلال المظاهرة التي عزمت عليها المعارضة ليكون مسرحها ميدان أبو جنزير، وما حملته طرفة الكرتونة التي التقطها نقد وكتب عليها عبارته الشهيرة «حضرنا ولم نجدكم»، بعد أن حضر هو وغاب الآخرون بعد اتفاق على ما يبدو. وبالفعل تبارى قادة الصف الثاني في رمي الجمرات على شيطانهم «الحكومة» في لهجة سياسية حادة ولاذعة لم تبشر بالخير الذي تنثره الحكومة، حيث ناب عن الترابي أمينه السياسي كمال عمر، بينما ناب عن الشيوعي عضو اللجنة المركزية يوسف حسين، وعبد الرحمن الغالي عن الأمة في خطاب وصفه البعض بغير المواكب للمرحلة، حيث كان مكروراً ولا يحمل فكرة جديدة تستلهم آراء الشارع الذي تراهن المعارضة عليه في اسقاط الحكم، فالقراءات البسيطة للشارع مثل آثار الحرب على الاقتصاد والبنية التحتية وظروف الأسر المشردة في الولايتين المنكوبتين منذ أيام التمرد الأولى قبل الاتفاقية والاعتراف بالآخر وبسط الحريات والديمقراطية وتوسيع المشاركة، ظلت هي المحاور الوحيدة التي يدور فيها حديث المعارضة دون التفكير في طرق أكثر فاعلية في إقناع النظام بالخروج بالبلاد إلى بر آمن ، مما يعزز فكرة الضعف السياسي لتلك الأحزاب التي بدأت تشكو منها، وترجع الأسباب إلى الحكومة التي ربما تبدو راضية عن أدائها في أغلب الأحيان .