صراعات عنيفة ضربت حزب الأمة القومي منذ فترة على ضوئها اتخذت قيادات بارزة في الحزب موقفًا من مؤسساته بسبب إفرازات المؤتمر العام للحزب، وبالرغم من الجهود التي بُذلت من أجل التوحد وفي إطار لمّ الشمل إلا أن مواقف التيارات داخل الحزب كانت بعيدة، وفي مقابل ذلك نجد الشغل الشاغل والهم الأكبر لزعيم حزب الأمة الصادق المهدي هو إعداد مبكر لخليفته من بعده وتهيئة الأوضاع لذلك، هذا ما يؤكد وجود صراع مبكر للزعامة داخل حزب الأمة والسيطرة عليه عبر توريث أحد أفراد أسرته للحزب وهيئة شؤون الأنصار خلال المرحلة القادمة وذلك بإبعاد كل المراكز التي تشكل خطرًا على نفوذ ابنه أمثال مادبو ومبارك الفاضل وفصل عشرة من قيادات التيار العام وإبعادهم عن المكتب السياسي، فقد ظل الصادق المهدي يتصرف تصرفات لم ترضَ عنها التيارات الموجودة بالحزب، لم يدن مشاركة ابنه في حكومة القاعدة العريضة التي دعا لها رئيس الجمهورية، فضلاً عن تجميده الأمانة العامة التي شكلها الأمين العام الحالي والتي تتكون من المعتقلين وعدم إرادته لإسقاط الحكومة ولا يؤيد تحركات الشباب من أجل الخروج إلى الشارع.. الناظر في الأمر برمته يرى أن الصادق المهدي يريد ضرب عصفورين بحجر واحد لأن ابنه لم ينضج بعد في القصر، إلى جانب التحركات المناوئة لخطة تلجيمها، وبالرغم من الصراعات العنيفة التي شابت أروقة الحزب نجد الإمام إزاء كل ذلك يرتكز في تحركه داخل الحزب على الأنصار الذين يتعاملون وفقًا لإشارته أمثال فضل الله ناصر برمة وعلي حسن تاج الدين والفريق صديق. خطر التكتل وهذا ما جعل زعيم الأنصار يتخوف من التكتل الثلاثي الجديد أوله الذي يتزعمه تيار الإصلاح والتجديد برئاسة مبارك الفاضل والذي يضم كتلة من الوسط ويمينه وهؤلاء لديهم المقدرة التامة على فعل الشيء زد على ذلك الدراية السياسية العالية والتميُّز في العلاقات الخارجية والداخلية، فضلاً عن تحالفها مع الكتل الأخرى أبرزها كتلة التيار العام التي تضم في أغلبها أبناء الغرب داخل الحزب وبعض الناقمين على الصادق المهدي من الجيل الجديد في الداخل والخارج، أما الكتلة الثانية «طلاب كوادر شباب حزب الأمة» وهي لا يعجبها الخط السياسي وهي تشكل الخط المصادم للحزب وباستطاعتها وإمكانها أن تقود الحزب إذا سارت الأمور بشكلها الطبيعي وهذا الأمر مرهون بإقامة المؤتمر العام للحزب، الكتلة الأخيرة والتي تقودها قوة متحدثة ومتدربة ناضلت وقاتلت وجزء كبير منها يقبع داخل السجون وهؤلاء «لا في النفير ولا في العير» لا هم في الصفوف الأمامية ولا الوسطى، منهم من انضم للحركات المسلحة وآخرون هاجروا للخارج وانقطعت علاقتهم بالحزب نهائيًا. أسباب الصراع وجود تياران يتحركان داخل حزب الأمة سبب رئيس للصراعات إذ يسعى كلٌّ منهما لتحقيق أجندته، الأول هو تيار تقليدي، يسعى إلى وضع الحزب تحت سيطرة أسرة الصادق المهدي، بوضع مقاليد الأمور في الحزب تحت أيديهم فقط، بحسب حديث دكتور آدم مادبو ل«الشرق الأوسط سابقًا» وفي سبيل تحقيق ذلك يمارسون أساليب مخالفة لقوانين ولوائح الحزب، وهي أساليب فاسدة، وفيها نوع من التزوير. أما «تيار الإصلاح والتغيير» داخل الحزب، فيسعى إلى بسط الديمقراطية في الحزب، والحفاظ على قومية الحزب، وفتح الأبواب للجميع للمشاركة في إدارته، كما يسعى إلى تحجيم دور أبناء الصادق المهدي في الحزب ليكون دورهم بقدر حجمهم الطبيعي، هذا هو جوهر الخلاف داخل حزب الأمة، والمفروض حسمه ديمقراطيًا، لكن لعجز التيار التقليدي عن ممارسة الديمقراطية السلمية كوسيلة لتحقيق أهدافه، نراه يلجأ إلى ممارسة القوة والإرهاب مع الآخرين، وهناك اتجاه من الصادق المهدي وأسرته لإلغاء كل من يعترض على توجهاتهم داخل الحزب. تحديات تواجه الحزب التحدي الرئيس أمام الصادق المهدي هو قيام المؤتمر العام للحزب ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل سيُقام المؤتمر العام وهل سيكون صوريًا؟ يأتي بابنه عبد الرحمن أم سيكون حقيقيًا يتغير بموجبه الدستور ويمكن أن يكون الصادق رئيسًا بصلاحيات محدودة لا ترقى لمستوى الصلاحيات الحالية، ثاني هذه التحديات وجود القوى المستنيرة داخل الحزب والتي تشكل خطرًا حقيقيًا حاليًا بمعارضتها القاطعة للصادق المهدي أغلبهم لا يؤمنون بأفكاره وطرحه السياسي من بينهم الموجودون بدول المهجر والمجموعة الأخطر التي تخرجت في الجامعات والتي تمثل كوادر وطلاب حزب الأمة، هؤلاء لا يؤمنون بأفكار الصادق ويعملون على مناهضته بالضغط عليه من داخل الحزب عبر تسجيلها في المكتب السياسي وهي ذات المجموعة التي صوتت للأمين العام. ردة فعل غير أن القيادي بالتيار العام دكتور آدم موسى مادبو رد على قرار فصله من حزب الأمة بالاتجاه لتكوين حزب جديد باسم التيار العام، فضلاً عن هجومه الشرس على رئيس حزب الأمة مشيرًا إلى أنه أعطى نفسه صلاحية فصل أي عضو علي الرغم من افتقاره لدستورية الفصل مؤكدًا عدم اعترافه بمؤسسات الحزب وعدم تسلمه قرارًا مكتوبًا بفصله.. إلى ذلك اعتبر مادبو آدم مادبو الإجراءات التي اتخذها زعيم الحزب أخيرًا تدل على عدم فهمه للمؤسسية والديمقراطية والعمل السياسي وتساءل عن كيفية فصله لشخص تم تجميد نشاطه لأكثر من ثلاثة أعوام، وزاد أن الصادق يتعامل مع الحزب باعتباره شركة خاصة ليس أكثر، مشيرًا إلى أنه لا يمتلك قراره ومن لا يملك قوته لا يملك قراره، وقال ما دبو عن اتهام الصادق لمبارك الفاضل بأن له أجندة إنه تحدى مبارك وحاول تهميشه وعندما أحس بخطورته سعى لتهميشه ووصفه بذلك، ويمضي مادبو لأبعد من ذلك أن الصادق لديه فضيحة كبيرة مشيرًا لتوقيع الاتفاق مع حركة أركو مناوي وحاول خرق القضايا الأساسية بقضايا هامشية، ويرى مادبو أن الخطوة الوحيدة لإنقاذ الحزب إبعاد الصادق المهدي نهائيًا من الحزب مشيرًا إلى عدم وجود مواقف ثابتة بلوغ الشيخوخة غير أن مدير مركز الدراسات الإستراتيجية دكتور علي عيسى فيرى في حديثه ل (الإنتباهة) أن قرارات زعيم حزب الأمة الأخيرة علامة من علامات الشيخوخة الطبيعية للحزب لبلوغه المرحلة المتأخرة، الخلافات وما تم من فصل لمادبو والتصعيد مع مبارك الفاضل وتكوين أحزاب منشقة تشير إلى أن الحزب يستنفد أغراضه على مستوى الحزب وعلى مستوى السودان، ويؤكد عيسى أن المهدي يسعى لمثل هذه التصرفات ليمهِّد لخليفته في الحزب فكل تفكيره ينصب حول خليفته، ويمضي لأبعد من ذلك في أن الهدف من التصعيد مظهر طبيعي للمرحلة التي بلغها الحزب، وزاد أن المهدي رجل محترف للسياسة بترك الباب مواربًا «رجل جوه ورجل بره» الهدف الإستراتيجي المشاركة وتأهيل للخلافة، فهو في النهاية بصورة أو بأخرى مشارك في النظام ومستفيد من المشاركة، وفي نفس الوقت استبعد تكوين حزب على مستوى الأحزاب التي كونها مبارك الفاضل وعبد الله مسار، مشيرًا إلى أن البعد الكاريزمي لمادبو اقل من مبارك الفاضل ومسار ، وتوقع فشل الحزب الجديد باسم التيار العام الذي ينوي مادبو تكوينه نسبة لأن العناصر التي تتبع له تم توزيعها ما بين مسار ومبارك، مبينًا أن الخطوة مصيرها ربما يكون الفشل الذريع.