كأول رد فعل على ما نُشر في عدد من الصحف خلال الأيام الفائتة منقولاً عن التقرير السنوي للعام «2011م»، الصادر عن الصندوق الوطني لنشر الديمقراطية (National Endowment for Democracy NED) وهو مؤسسة أمريكية تموِّلها وزارة الخارجية الأمريكية وتتلقّى كذلك دعماً من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (C.I.A)، تقوم من جانبها بتمويل منظمات مجتمع مدني في مناطق عديدة من العالم تحت دعوى نشر الديمقراطية وترقيتها واعتماد الشفافية والترويج لما يسمَّى باقتصاد السوق وتنميط المجتمعات وفق المفاهيم الغربية... كرد فعل على ما نُشر في الصحف المحلية هنا استناداً إلى تقرير الصندوق الأمريكي، كتب الدكتور حيد إبراهيم مدير مركز الدراسات السودانية، مقالاً طويلاً وُضع في بعض المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت، يحاول فيه توضيح ما يريده وتبرير تلقِّيه كمدير لمركز الدراسات السودانية وجهات أخرى تعمل تحت مظلة ما يسمى بمنظمات المجتمع المدني، لأموال من المؤسسة الأمريكية السالفة الذكر.. وحاول الدكتور حيدر إبراهيم الذي تلقى مركزُه «مركز الدراسات السودانية» خلال هذا العام وكل سنة مبلغ «60,400» دولار أمريكي، عبر تحذلق أكاديمي وتلبيس وتدليس مكشوف، الحديث عن ظاهرة المجتمع المدني العالمية ونشوئها ودواعيها ودوافعها التاريخية في أوروبا والعالم الغربي، وأسهب في الفذلكة التاريخية الانتقائية المعضِّدة لما يريد التركيز عليه، دون الإحاطة الكاملة والمفيدة بالسياقات التاريخية الدقيقة لبروز دور ما يسمَّى بالمجتمع المدني وجذوره الاجتماعية والسياسية التي أوجدت مفهوم المجتمع المدني في الغرب وأسبابها... ولسنا في حاجة لتتبُّع التوطئة التاريخية التي ابتدر بها مقاله ومحاولة الحديث عن شرعنة المال المبذول من الدوائر الغربية لمنظمات غير حكومية تعمل على نشر الديمقراطية في بلداننا، ولا نريد الخوض معه في ما أشار إليه حول المال الإسلامي والعربي من هبات ومنح ودعم كان ينداح في السودان لجماعة أنصار السنة أو علاقة العمل الدعوي بجهات إسلامية في العالم الإسلامي ومنظماته التي كانت تتكفل بتمويل كثير من المشروعات الدعوية، ولن نخوض في ما أشار إليه في مقايسة غير موضوعية على الإطلاق في تجربة البنوك الإسلامية وكيفية قيامها في السودان والإشارة بخبث للدور الكبير الذي قام به علي عبد الله يعقوب في إنشاء بنك فيصل الإسلامي... لكن ما نريده هنا تبيان خطل التبريرات التي ساقها الدكتور وأباطيله، في قبول وتلقي المال الأمريكي لترسيخ الديمقراطية وتقويض النظام في السودان بأي ثمن، ولا بد هنا من الإشارة إلى أن تهمة تلقي الأموال من الصندوق الوطني لنشر الديمقراطية (NED) وتفاصيل المبالغ التي لقفها المسؤولون عن هذه المنظمات غير الحكومية السودانية وهو بينهم، لم تخرج التهمة بتلقي الأموال لإطاحة النظام الحاكم، ولا ثار الغبار الإعلامي من الصحف السودانية التي كتبت و«الإنتباهة» واحدة منها، إنما جاءت بشهادة شاهد من أهلها، وهو الصحفي الأمريكي «أريك دريستر ARIC DRAISTER» الذي كتب تقارير ومقالات في شهر يوليو المنصرم حول التظاهرات الضئيلة القليلة العدد التي خرجت في مواقع محدودة في الخرطوم وبعض المدن السودانية تندِّد بالإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة مؤخراً وتم فيها رفع الدعم عن الوقود... الذي فضح هذه المنظمات «منظمات المجتمع المدني» وكشف عمالتها بالتفصيل هو الصحفي الأمريكي، وأبان صلتها بالمصالح الجيوسياسة الأمريكية وخدمتها للقوى الغربية التي تريد إطاحة السلطة الحاكمة وتغيير تركيبة السودان السياسية ومسخ هُويته، ومن يتابع النشاط الذي تقوم به هذه المنظمات ومركز الدراسات السودانية وحيدر إبراهيم وكتاباته غير الموضوعية لا يجد فصاماً بينها وبين مرادات ومبتغى الدوائر الأمريكية التي تدعمه، وليس في هذا العمل أي وجه إنساني كريم منزّه ومبرّأ من الغرض على الإطلاق، وتلك أكذوبة يطلقها متلقي الدعم والمال الأمريكي لتضليل البسطاء وتسفيه عقولهم.. لكن النقطة الأكثر غموضاً في هذا الجانب ويتجنبها الدكتور حيدر إبراهيم وزمرته من أصحاب اليد السفلى في التعامل مع الدوائر الأمريكية، أن مراكز ومنها مركز الدراسات السودانية ومركز الخاتم عدلان الذي يديره الباقر العفيف ومركز محمود محمد طه ومنظمة حقوق الإنسان السودانية بالقاهرة ومركز أمل لضحايا التعذيب ومركز الجندرة للبحوث والتدريب والمركز القومي للسلام والتنمية والجمعية السودانية لتنمية الشباب والمنظمة السودانية لمناهضة العنف والتنمية ومركز البادية لخدمات التنمية المتكاملة ومنظمة متعاونات وغيرها، أن هذه المنظمات التي تتسمى باسم المجتمع المدني، لا يعرف أحد غير أصحابها حقائق تعاملاتها المالية ولا تخضع حساباتها للمراجعة عبر مراجع قانوني ولا يستطيع أحد إلقاء نظرة على ملفاتها ودفاترها المالية، وهو ما أثار الشكوك، وهو ما يخشاه الدكتور حيدر من افتضاح المحجوب وانكشافه.. ومن قال إن التخابر والتعامل مع الدوائر السرية في الغرب بات على طريقة الجاسوس القديم الذي يجمع المعلومات ليسلمها لمندوب الجهة التي تستخدمه ويقبض الثمن... لقد صار التخابر أذكى من كل ذلك وفي قضايا لا علاقة لها مباشرة بمجرد المعلومات ومصادرها.. وما تقوم به بعض منظمات المجتمع المدني وخاصة التي تموَّل من الصندوق الأمريكي لنشر الديمقراطية أخطر وأدهى وأمرّ...