في إطار سلسلة جلساته أقام صالون مفاكرات بمنزل الأمين السياسي للمؤتمر الوطني ولاية الخرطوم، د. نزار خالد محجوب جلسة مفاكرة تحدث فيها البروفيسور حسن مكي حول الربيع العربي والقرن الإفريقي ومآلات ذلك على السودان والمنطقة ككل، بمشاركة واسعة من إسلاميين ومثقفين وقيادات حزبية رفيعة.. أدار الجلسة الإعلامي غسان علي عثمان. استهل مكي حديثه بالقول إن العالم في حالة من الحراك حتى لو لم نكن نشعر بذلك، إنه حراك عميق، ويمكن إرجاعه إلى فترة انهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي، وانهيار الشيوعية، ثم جاءت المرحلة التي يُعبَّر عنها بالحرب على الإرهاب، والتي جندت فيها الولاياتالمتحدة قوتها العسكرية للقضاء على الجماعات الإسلامية وأصحاب التوجه الإسلامي عموماً في المنطقة، للحفاظ على مصالح إسرائيل، لكن الحال في الحرب على الإرهاب لم تسر كما هو مخطط لها من قبل الإستراتيجيين الأمريكيين، ووضعت أمريكا في موقف صعب بالذات بعد فشلها في العراق، وفي أفغانستان ثم جاءت موجة الربيع العربي وتم التحول بشكل سريع ومباغت في كل من مصر وتونس، وفي إفريقيا وفجأة بعد رحيل الرئيس الإثيوبي ملس زيناوي فقد «التقراي» مواقعهم في الدولة، وصار البروتستانت هم رأس الدولة، سواء على مستوى الرئاسة أو البرلمان، ولأول مرة قبيلة صغيرة جداً «الوليتا» يخرج منها رئيس الوزراء، والكنيسة القبطية الإثيوبية، تاريخياً تقول إن اللغة الأمهرية هي اللغة الرسمية للبلاد، والآن خارج الكنيسة الرسمية ظهر «الوليتا» فهذا يعني أن هناك تغييراً كبيراً جرى وسيجري في المنطقة، وفي مصر لم يكن الإسلاميون أنفسهم يتوقعون أنه وفجأة سيصلون إلى الرئاسة، فالسلطة قد هجمت عليهم ولم يهجموا عليها، والملاحظ أنهم كانوا يتخبطون طيلة الفترة السابقة لانتخاب الرئيس، فقد كانوا اختاروا خيرت الشاطر، وأقول أن هذه التغيرات لا توجد دولة بمنأى منها، ودائماً ما أقول إن الخلافة الراشدة استمرت «30» سنة، وسيدنا عثمان رغم أنه كان من أعدل الحكام وأكثرهم قرباً من النبي فقد تزوج من بناته أكثر من واحدة، لكن الناس كانوا قد ملوا طول فترة رئاسته، وهذا ما أُخذ عليه، فأبو بكر حكم لسنتين، وعمر أكثر من ثماني سنوات، والغريب أن الذين ظلوا في الحكم من الخلفاء فترات أطول، تعرضوا لنهايات مؤسفة، فعمر وعلي وعثمان ماتوا قتلاً. وكل ذلك جرى من أجل السلطة فقط، لذا فإن العقل الإسلامي، لا يزال يعاني من تبعات الفتنة الكبرى، وحتى التحول الذي جرى في العام 1989 فإن واحدة من نقاط ضعفه الأساسية إذا ما قارنتها بما جرى في منطقة الربيع العربي، أن كل هذه الثورات خرجت تطالب بالحرية، وسيادة القانون والشفافية وتنادي بالمؤسسية، وفي السودان ما زالت الرقابة قائمة على الصحافة، وكنا في مرحلة من وأثناء إجازة الدستور 1996 فإن البعض كان يعتقد أن من واجبه ملء الصندوق بأصوات مزيفة وكان يعد ذلك من العبادة، ومرد هذا الأمر قديم في أن ما كل ما تقوم به الجماعة الإسلامية دائماً صحيح، وحتى نحن في وقت حكم الرئيس الأسبق نميري كنا نزوِّر جوازات السفر، ولا يزال هذا الأمر يتخلل كثيراً من السلوكيات، ، والحديث الذي يجري عن قانون المدافعة «لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض» فهو تعبير عن خلل، لأنك متى ما لجأت لقانون المدافعة فهذا يدل على وجود مشكلة، ولكن اعتقد أنه إذا استطاع أخواننا في دول الربيع العربي أن يثبتوا ويستمروا على ما طرحوه من مبادئ وما ثاروا من أجله، «الحريات التداول السلمي للسلطة..الخ»، فأنا اعتقد أن تأثيرهم سيكون علينا كبيراً، والمصريون أنفسهم أخذوا من تجربتنا فكرة وجود مساعدين ومستشارين للرئيس. إن السودان كيان حديث جديد، يموج بهذه التناقضات، واليوم لو ذهبت إلى جنوب النيل الأزرق ستجد قبائل لا يعرفها بقية سكان السودان، ومن ألطف الأشياء أن الحركات السلفية في النيل الأزرق وجبال النوبة تقف إلى جانب الحركة الشعبية، ويوجد «17» من أئمة المساجد في الدمازين أعضاء في الحركة الشعبية، وحينما جاء مالك عقار حاكماً على النيل الأزرق عيّن واحداً منهم مسؤولاً للأوقاف، وإذا سألتهم يردون أنهم مسلمون وسلفيون لكن قضية الثروة والسلطة لا تجمعهم بك بل لهم رؤيتهم الخاصة حول ذلك، وحتى في جامعة الخرطوم تحالف جناح أبو زيد مع آخرين ضد الإسلاميين. القيادي بالوطني البروفيسور إبراهيم أحمد عمر: ركز في حديثه على ثلاث نقاط وقال إن حديث مكي عن المستقبل وأن«3» قوى ستتصارع في العالم وتتحكم في مصير العالم، وبالأخص إشارته «إسرائيل والنصرانية بقيادة الكنيسة والثالثة الإسلام» فهو قد حدد من يقود القوتين «المسيحية واليهودية» لكنه لم يحدد لنا من سيقود القوى الثالثة «الإسلام»، والسؤال الأساسي يطرح وهو عن طبيعة الصراع الدائر في العالم: فهل هو صراع حضارات؟!، وإذا كان حسن مكي قد شَخَّصَ الصراع باعتباره صراعاً دينياً، فهل تحول الصراع اليوم إلى صراع ديني، النقطة الثانية في المقارنة بين العمل الإسلامي في السودان ودول الربيع العربي فحسن يقول إن الطريقة التي وصلت بها الحركات الإسلامية في المنطقة وفي السودان مختلفة، وهذا أمر طبيعي،، ودعا إبراهيم للقيام بمحاولات الإصلاح، واقترح جمع الشمالية وكردفان ودارفور معاً في إقليم واحد لجعل الحالة الاجتماعية أكثر تجانساً، خاصة بعد بروز القبلية والجهوية، والدرس المستفاد الآن: هل علينا أن نحافظ على السودان موحداً أم نسعى لأن يكون كل شخص في جهته، كما كان الوضع سابقاً؟. البروفيسور عوض الكرسني: جزم أن الصراع ليس صراع أديان، هو صراع إنساني ويتمثل منذ منتصف السبعينيات عندما تحولت بعض الجماعات اليسارية في أوربا إلى جماعات إنسانية، «الخضر والأحزاب الشيوعية في إيطاليا التي ألغت دكتاتورية البوليتاريا»، لذلك فما نراه في كل المؤتمرات الدولية ما هو إلا محاولة لبناء تحالف عريض يقوم على خدمة الإنسان وليس الدين، وأكد أن ما ذكره بروف إبراهيم عن ولايات مشتركة فإن ذلك حدث في تركيا وجربتها في بناء المديريات. أما القيادي الإسلامي البروفيسور عبد الرحيم علي: فقال إن ما سمعه من بروف حسن، وما أثاره الكرسني وإبراهيم أحمد عمر، يثير نقاطاً مهمة، وأيد حديث الكرسني أن الصراع العالمي ليس الدين فيه الأساس، وإن كان اليهود يسعون لدولة قومية باسم اليهود، وصاروا يتحدثون عالمياً بجرأة أكبر عن ذلك، وأشار إلى أن الصراع الاقتصادي حاصل منذ خمسين عاماً ولا يحتاج إلى بيان، وجدد طرح سؤال بروف إبراهيم عن من يقود القوى الإسلامية، لأنه ورغم كثرة المسلمين، وأنهم ثلث العالم لكن أهميتهم لا تعادل شيئاً، لأنهم لا يملكون قيادة واحدة، ومن هنا جاء الربيع العربي، وتوقع أن تحدث القيادة الإسلامية تغيراً كبيراً في المستقبل، فما فعله بن لادن جعل العالم الإسلامي يلتف حوله، بل حتى خارجه فيوجد شخص في الفلبين أو البرازيل أطلق اسم بن لادن على مولده، يعني هذا أن هناك شعوراً غاضباً تجاه الهيمنة الأمريكية ، فإذن بروز الربيع العربي سيكون له دور في تشكيل وضع المسلمين في المستقبل. وعن مسألة الربيع العربي والسودان، قال علي أعتقد أنه ليس هناك ربيع عربي واحد، والسودان أيضاً ربيعه لن يكون نسيماً بارداً كما هو الحال في مصر مثلاً، فالسودان بلد قبلي ونسبته إلى جيبوتي والصومال أقرب إلى نسبته إلى مصر وتونس، وليس فيه مؤسسات تستطيع أن تقوم مقام المؤسسات العسكرية القوية، واحتمال تمزقه كبير.