أحيانا تنظر المرأة إلى تربية الطفل وكأنه عمل لا قيمة له .. أحيانا يقلل الرجل من شأن المرأة نتيجة أنها لا تتقن عملاً غير تربية الأبناء . ويندفع الرجل والمرأة إلى التنافس من أجل كسب المال مع إهمال المستقبل .. المستقبل الذي ينمو بينهما اسمه (الطفل) .. ليس الصدر وحده هو الذي يغذى الطفل .. إن الطفل يشرب بكل حواسه الحنان من أمه .. أقول ذلك لأن صيحة مساواة الرجل بالمرأة خف ضجيجها بعد أن ثبتت الحقيقة القائلة .. إنه لا دور فى العالم يضارع دور الأم فى تنشئة الطفل . صحيح أن المرأة صارت مؤلفة .. وطبيبة .. وعالمة ومدرسة.. وقاضية .. ومزارعة ..وسياسية .. وصحيح أيضاً أن أحداً لا يجرؤ على التقليل من أهمية عمل المرأة في مجال تتفوق فيه، شرط أن تلتفت إلى السنوات الثلاث الأولى من عمر طفلها وتعتني به. فقد ذكرت إحدى السيدات العاملات أنها تصبر على مرارة العمل، وازدحام الأسواق، وتعب القلب طول النهار، بسبب ضيق الرزق ولقمة العيش .. ونقول لمثل هذه السيدة أنت قادرة في بعض اللحظات أن تعطى ابنك من الحنان، ومع أنه سيكتشف هو في الكبر أن هناك شيئاً أساسياً كان ينقصه في طفولته .. لا يدرى ما هو، وسيترك غالباً بصمة من القلق الخفي على حياته .. ونفس الشئ بصمة القلق الخفي تنمو في نفس طفل الأسرة الثرية التي تترك الأم فيها مسألة العناية بالطفل إلى المربيات. وأخرى تقول .. إن تفوقي في عمل مهم جداً بالنسبة لي .. أما تربية الأطفال فهي مسألة تجيدها المربيات أو العاملات في دور الحضانة .. أما أنا فلا بد لي من أن أثبت أنني لست أقل من الرجل. لقد خدع الرجل المرأة، واستقل بألوان من الأعمال التي تثبت تفوقه .. استطاع أن يكون الطبيب والواعظ والمحارب والروائي والتاجر والسياسي .. لقد حاول الرجل أن يطمس من ذاكرة البشرية أن المرأة كانت تقوم بكل الأعمال التي يختصها لنفسه الآن ولعل أهمها القتال .. كانت تصارع الثيران ولا أحد يمكن أن يقنع مثل هذه السيدة بأن تغير قدرتها من الأمومة سوى الأمر الواقع. فابنها أو بنتها عندما تمر بمراهقة صعبة فهي التي تتحمل مسئولية ما فعلت عندما فضلت العمل في السنوات الثلاث الأولى من حياة طفلها، وأهملت بشكل أو بآخر العناية النفسية بطفلها. إن الواقع الذي اقترحته الحضارة الغربية على البشرية منذ الحرب العالمية الأولى يقول إن المرأة خرجت إلى العمل في المصانع والمزارع والمكاتب، لأن الرجال وقفوا على جبهات القتال .. ومنذ ذلك التاريخ انكسر في خيال الرجل بريق الكسب الكثير مادياً الذي كان يحققه بمفرده وصارت المرأة تشاركه هذا الكسب. فيا أحبائي .. إن رعاية الطفل في ما قبل الثالثة، مسألة مكلفة لها، لا للمال فقط ولكن ثمنها صعب نفسياً .. وهو يفوق ما تكسبه الأم من مال .. والأم المجبرة على العملية أن توفر مساحة كافية من الوقت بعد الظهر لتداعب الطفل وتلعب معه . وبعض من ألازواج والزوجات من الشباب يحاولون أن يجعلوا أوقات عمل كل منهم يأخذ نصف النهار ليضمنوا بقاء الأب أو الأم مع الطفل صباحاً وبقاء الأم أو الأب مساء، وفى ذلك تبادل لرعاية الطفل رعاية كاملة .. ومثل هذا الأسلوب قد يوفر للطفل حاجاته العاطفية وإن كان ذلك يمثل صعوبة لكل من الأم والأب .. إن مثل هذا الاتفاق أمر ناجح من الناحية النظرية، لكنه أمر عسير من الناحية العملية، وتنتج عنه خلافات كبيرة بين الزوج والزوجة . إنني أتمنى أن تلتفت كل المجتمعات البشرية إلى أن تدرس في المدارس الثانوية والجامعات مادة رعاية الأبناء نفسيا وصحيا .. ذلك من أهم ما يجب أن يتعلمه الشاب أو الفتاة أثناء المراهقة، وما بعد المراهقة، هو القدرة على تنشئة الطفل تنشئة صحيحة سليمة .. وأن أي عمل مهما بلغ النجاح فيه، لن يساوى نجاح الإنسان في الإحساس بقيمته الفعلية وعمق الرضا النفسي، عندما ينشأ طفله بصحة نفسية جيدة .. كما أتمنى أن يوجد في المواد الدراسية، فصل عن كيفية الحياة في العائلة حتى نجد في المستقبل أبناء يفخرون بأنهم تلقوا الرعاية الجديدة من آباء ممتلئين بالود، ومن أمهات قادرات على عطاء الحب .. اللهم أنى قد بلغت فاشهد ..