نحمد الله كثيراً أن أمين الإعلام بالمؤتمر الوطني د. بدر الدين أحمد إبراهيم غيَّر رأيَه ونفى تصريحَه السابق حول المبادرة الإريترية وقال في آخر تصريح له إن الحكومة لم تتسلم مبادرة من أسمرا للتوسط مؤكداً تمسُّك الحكومة بوساطة أديس أبابا حول السلام مع دولة جنوب السودان بل إن د. بدر الدين أكد كذلك أنه (ليس هناك شيء يستدعي تحويل الملف إلى أسمرا) مضيفاً: (لا يمكن للسودان الدخول في تفاوض مع أسمرا حول ملفات موجودة بطرف أديس أبابا وأن أيَّ حديث عن مبادرات إريترية لا مجال له الآن) ووصف الأمر بأنه (لا يعدو كونه بالونة اختبار الغرض منها الإضرار بعلاقات الدول وحديث للاستهلاك السياسي فقط)!! على العكس والنقيض من تصريحه الأخير فإن بدر الدين قال قبل نحو أسبوع إن الحكومة (ترحِّب بالمبادرة الإريترية التي أُعلنت لتقريب وجهات النظر السياسية بين الفرقاء السودانيين)!! بل إن بدر الدين زاد الطين بِلة حين قال في ذات الاتجاه (إن المبادرة الإريترية تسعى لإيجاد حوار بنّاء بين الحكومة السودانية وأطراف من الحركة الشعبية الموجودين بالسودان)!! إذن فإنه وفقاً للتصريح الأول الصادر عن بدر الدين قبل أيام فإنه لا خلاف في أن هناك مبادرة إريترية بل لا خلاف في أن تلك المبادرة مرحَّب بها من الحكومة بل إن الأمر يتجاوز ذلك إلى التعريف بالمبادرة التي قال الرجل إنّها تسعى إلى دور بنّاء بين الحكومة والحركة الشعبية وزاد أن الحكومة ترحِّب بأي مبادرات من أية جهة تسعى للعب دور في حل المشكلة!! إن جليطة الرجل كانت كبيرة لكن التراجُع عنها يُعتبر مَحْمَدَة ذلك أن الرجوع إلى الحق فضيلة وخيرٌ من التمادي في الخطأ أو الباطل لكن ذلك لا يمنعنا من لفت النظر إلى المشكلة القديمة المتجدِّدة حول أهمية ضبط التصريحات والخطاب السياسي والإعلامي الذي يمكن أن يؤدي انفلاتُه إلى مَهْلَكَة كبيرة وخطر جسيم وتوتُّر عظيم فعلى سبيل المثال فإن تصريح بدر الدين حول مبادرة إريترية في هذا المنعطف التاريخي الخطير الذي تمر به إثيوبيا بعد غياب رئيس وزرائها الصديق للسودان يُعتبر أمراً مدمِّراً للغاية ويمكن أن يفتح للسودان جبهة ربما تكون الأخطر بعد جبهة الجوار الجنوبي خاصةً أن هناك من يسعَون إلى استغلال التغيير الذي حدث في إثيوبيا بما يزيد من اللهيب المشتعل في السودان. ثمة سؤال بريء: لماذا يصرِّح المؤتمر الوطني في الشأن الحكومي أو بالنيابة عن الحكومة؟! أليس للحكومة ناطق رسمي أو متحدثون رسميون؟! قبل أيام قليلة شهدتُ الجلسة الافتتاحية لمؤتمر البجا الذي تحدَّث فيه مبعوث من الحزب الحاكم في إريتريا وعندما تحدَّث كبير الحزب الأخ موسى محمد أحمد قدَّم شكره لدولة إريتريا التي رعت اتفاق الشرق!! عندها شعرتُ والله بحزن عميق أن ترعى إريتريا التي لا أشك لحظة في أن اقتصادها أضعف من اقتصاد ولاية البحر الأحمر.. أن ترعى مؤتمراتنا وتتدخل في شؤوننا ولا تكتفي بوجودها القوي في مؤتمر البجا بل تتمدَّد وتُبدي استعدادها للتوسط بين السودان والحركة الشعبية. سؤال أوجِّهه للقطاع السياسي للمؤتمر الوطني كيف ولماذا قال بدر الدين إنه يرحِّب بالمبادرة الإريترية بالرغم من أن الحركة الشعبية ليست مسجَّلة حتى الآن؟! ألم يقرأ بدر الدين ردّ وفد التفاوض على ورقة (قطاع الشمال) الذي قُدِّم لثابو أمبيكي والذي قال فيه إنه لا يعترف بقطاع الشمال؟! ألم يقرأ تصريح كمال عبيد حول التفاوض مع (قطاع الشمال)؟! أعجب ما في أمر إريتريا أن خبراً نُشر قبل أيام قليلة قال إن صدامات جرت بين مجموعات تابعة لحركة العدل والمساواة داخل الأراضي الإريترية بما يعني أن إريتريا تستضيف بعض الحركات الدارفورية المتمردة وكأن إريتريا لا تزال تلعب ذات الدور القديم حينما كانت تحتضن التجمع الوطني الديمقراطي والجيش الشعبي الذي كان يشنُّ الحرب علينا من داخل الأراضي الإريترية بل ويحتل همشكوريب القرآن!! إريتريا فعلت بنا ذلك بالرغم من أننا صنعناها بأيدينا وسلمنا رئيسها وحزبها الحاكم حتى اليوم السلطة في إريتريا على حساب أحزاب أخرى كانت أقرب إلينا من أفورقي وحزبه الحاكم!! نصيحتي للمؤتمر الوطني أن يتذكر الحساسية المفرطة بين إثيوبيا وإريتريا خاصة في هذه الأيام بعد وفاة صديق السودان الوفي مليس زيناوي الذي لا نعلم على وجه اليقين ما ستؤول إليه الأوضاع بعده في ذلك القطر الضخم ذي الكثافة السكانية العالية وذي التأثير الهائل على أمن بلادنا القومي. والله إنه لعجيب بحق أن تتدخل إريتريا الصغيرة في شؤوننا وترعى بعض الاتفاقيات التي تُجرى بين الحكومة وبعض أحزابنا السياسية ولا نفعل ذات الشيء بالرغم من أن هناك تململاً كبيراً في إريتريا؟! ثمة سؤال أوجهه إلى الأخ الصديق مساعد الرئيس موسى محمد أحمد: أما كان الأولى أن نحل مشكلاتنا في الداخل بدلاً من إتاحة الفرصة لبعض الدول لأن تتدخل في شؤوننا الداخلية ومن منحها موطئ قدم لكي تعبث بأمننا القومي وكأننا (ناقصين)؟! سؤال أخير: متى تعود للسودان عزَّتُهُ ومجدُهُ ويصبح مالكاً لقراره ومسيطراً على أرضه وسيادته بعيداً عن تدخلات الصغار والكبار؟! إننا في حاجة ماسة إلى التحرك شمالاً نحو مصر الجديدة التي نحتاج إلى أن نعرِّفها بجذور الصراع الدائر في السودان وحول السودان منذ ما قبل نيفاشا فكما أن الجنوب يستقوي بإفريقيا جنوب الصحراء التي تساند الجنوب على أساس اثني أفريقياني معادٍ للإسلام والثقافة العربية (موسيفيني مثلاً) فإن مصر الجديدة ينبغي أن تضع ثقلها خلف السودان تأميناً لأمنها القومي ودعماً للدور الحضاري الذي يمكن للسودان أن يلعبه في العمق الإفريقي وهذا يحتاج إلى استفاضة وشرح أطول.