غيرت التجربة الاستعمارية في منطقة الشرق الأوسط وفي شمال إفريقيا معالم مسألة الحدود الدولية، فبدلاً من وجود سلطة وحيدة في منطقة المشرق وفي أجزاء من شبه الجزيرة العربية وهي الإمبراطورية العثمانية وجدت اليوم سلطات سياسية متعددة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسلطات في العواصم الأوربية، وهي تسعى إلى تعيين الحدود لأسباب إدارية داخلية ولأسباب دبلوماسية دولية، ولم تبدِ هذه السلطات السياسية الجديدة اهتماماً بالوثائق التاريخية إلا حين ساهمت هذه الأخيرة في تسهيل عملية رسم وتعيين الحدود، وقد اختلف أسلوب السعي وراء هذه الأهداف بين منطقة وأخرى، فقد تأثر المشرق باتفاقية سايكس بيكو التي اقتسمته بين النفوذين الفرنسي والبريطاني، ومع أن هذه الاتفاقية لم تطبَّق إلا أنها شكَّلت الأساس الذي ارتكزت عليه عصبة الأمم، وأن الرسم للانتداب الفرنسي لسوريا الذي كان في الأصل يشمل لبنان، والرسم الجديد للانتداب البريطاني لفلسطين والأردن يعود ذلك إلى عهد الإدارة العثمانية، حيث نجد أن الأردن وفلسطين قد حددتها الإدارة البريطانية عام «1922م» حسب مبدأ الحدود الطبيعية وذلك لاعتبارات جغرافية بحتة، إلا أنها تأثرت بممارسات الإدارة العثمانية السابقة، هذا وقد أسس سنجقي عكا ونابلس فلسطين وكانتا جزءاً من ولاية بيروت ومن متصرفية القدس، أما الأردن فقد شكلها سنجقي حوران ومعن من ولاية سوريا، أما سوريا فقد تشكلت باتحاد سناجقة الشام وحمص وحماة مع ولاية حلب ومتصرفية دير الزور، وقد تأسست لبنان في سناجقي بيروت وطرابلس اللذين اتحدا مع متصرفية جبل لبنان، ثم تكونت العراق من ثلاث ولايات عثمانية سابقة هي الموصل وبغداد والبصرة، ولم يكن هذا الأمر مثيراً للدهشة؛ لأن هذه البلاد المنتدبة كانت قد تشكلت نتيجة لمعاهدة سافر في عام «1920م» ومعاهدة لوزان التي حلت مكانها في عام «1923م» وقد قامت هاتين المعاهدتين بالتقسيم الفعلي للإمبراطورية العثمانية وذلك بعد انهيارها في نهاية الحرب العالمية الأولى وفي منطقة الخليج جاءت الحدود نتيجة للهيمنة البريطانية على الإمارات الصغيرة وعلى الكويت ومحمية عدن، وقد ازدادت أهميتها مع انحطاط الإمبراطورية العثمانية ونمو السلطة السعودية بعد الحرب العالمية الأولى، وكان إنشاء هذه الكيانات السياسية المستقلة أول نتيجة للاهتمام البريطاني في المنطقة، ويعود اهتمام بريطانيا في منطقة الخليج إلى عام «1793م» حين جاء المندوب السامي ليعزز المصالح التجارية البريطانية في المنطقة وليساهم بذلك في إنهاء القرصنة التي كانت تهدِّد العلاقات مع الهند وطوال القرن التاسع عشر من (8201 1892م) وشكلت المعاهدات التي وقعتها بريطانيا مع الدول العربية الصغيرة على ساحل الخليج نسجاً للسيطرة البريطانية غير المباشرة ومنذ بداية القرن العشرين وحتى مطلع الحرب العالمية الأولى كانت بريطانيا مصممة على إزاحة ألمانيا من منطقة الخليج وكانت الخطوة الأولى في هذا النهج عام «1899م» معاهدة مع الكويت وبعد ذلك وفي الثلاثينيات والأربعينيات حين تأكد اهتمام البريطانيين والأمريكيين بالنفط فأصبح تعيين الحدود بين دول الخليج ضرورياً، وفي ذلك الوقت لم يبدِ الزعماء المحليون إلا اهتمامات ضئيلة في مسألة السيادة الإقليمية، وفي عام «1938م» أعاد المندوب السامي النظر في وضع الحدود وأعلن أن الزعماء قد اعترفوا أنه ليس لهم أي حدود ثابتة مع جيرانهم لكنهم قد أعطوه بدلاً من ذلك تفاصيلاً حول احرامهم وهي ممتلكاتهم المقدسة، أما في الأربعينيات والخمسينيات فقد أصبحت مسألة الحدود قضية حيوية مع ازدياد أهمية عائدات البترول وعندئذ قامت بريطانيا بآخر أعمالها الاستعمارية في المنطقة، إذ بدأت بعملية تعيين الحدود، وفي الواقع بدأت عملية رسم الحدود في داخل شبه الجزيرة العربية قبل ذلك بكثير، وذلك يرجع لسعي بريطانيا إلى استبعاد الإمبراطورية العثمانية عن المناطق الساحلية، وكانت الإمبراطورية العثمانية قد اقتنعت بضرورة تعيين الحدود بين مناطق نفوذها ومناطق نفوذ البريطانيين وكان ذلك في عامي (1913م و 1914م) وذلك تماماً قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، وقد أفضى ذلك إلى الخط الأزرق الشهير الذي وضع الحدود الشرقية للنفوذ العثماني، وفي عام 1914م أدى إلى الخط البنفسجي الذي عين الحدود الجنوبية لنفوذهم.