إن انهيار الإمبراطورية العثمانية وبسط الدولة السعودية سلطتها على شبه الجزيرة لم يحد ذلك من تصميم المستعمرين البريطانيين على تحويل الحدود بين مناطق النفوذ وجعلها حدوداً ثابتة، وفي النصف الأول من القرن العشرين استمرت المباحثات بين بريطانيا والمملكة العربية السعودية الجديدة حول هذا الموضوع، ولم تسفر هذه المباحثات عن أي اتفاق، وذلك بالرغم من قبول الطرفين في عام «1935م» بالحدود بين المملكة العربية السعودية ومحمية عدن، وقد نتج عن ذلك اقتراحان بشأن خط الرياض بريطانيا وخط حمزة المملكة العربية السعودية وفي عام «1922م» عرضت بريطانيا على ابن مسعود اتفاقية عقير التي رسمت حدود الكويت على طول الخط الأحمر الذي كانت قد اتفقت عليه مع الإمبراطورية العثمانية عام «1913م»، وقد عينت هذه الاتفاقية أيضاً الحدود بين السعودية والعراق، أما الحدود بين الأردن والسعودية فقد تم تحديدها بواسطة مجموعة اتفاقيات خلال الأعوام «1925م و1927م و1932م»، ويبقى خط الطائف التخم الوحيد الذي لم تتدخل بريطانيا به، وقد جاء ذلك نتيجة لاتفاقية الطائف بين السعودية واليمن عام «1934م»، أما في شمال إفريقيا فقد اختلفت طريقة تعيين الحدود فنتيجة لانهيار السلطة العثمانية في منطقة الشرق الأوسط خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر تطورت معظم الدول لتصبح دولاً مستقلة، وكانت هذه الدول باستثناء المغرب وحدات إدارية أنشأتها الإدارة العثمانية منذ بداية القرن السادس عشر، وقد أدى الاحتلال الاستعماري إلى تعيين الحدود بين الدول التي أصبحت فيما بعد الجزائر «1870م» وتونس «1881م» ومصر «1882م» وليبيا «1911م» والمغرب «1912م».. وجاءت هذه الحدود شبيهة بالتقسيم الإداري في عهد الإمبراطورية العثمانية، وكان الوضع مختلفاً في الداخل وقد تم تعيين حدود إفريقيا بعد عام «1880م» حين بدأ الصراع من أجل إفريقيا ولكن لم يتبعه أي تغيير اجتماعي أو جغرافي على الأرض، بل جاءت الحدود نتيجة لعراك دبلوماسي بين مختلف القوى الاستعمارية في أوربا الفرنسية منها والإيطالية والبريطانية والإسبانية، أو نتيجة للتقسيم الإداري الفرنسي، كما كانت الحال بالنسبة للمغرب والجزائر والصحراء الغربية وفي الشرق رجح الخيار الدبلوماسي أيضاً، فقد تم تعيين الحدود الحديثة بين ليبيا وتشاد عام «1899م» في اتفاقية بين بريطانيا وفرنسا قام فيها هذان البلدان بتحديد مناطق نفوذهما، وكان تعيين الحدود يحمل في طياته أهدافاً إدارية ودبلوماسية وإن لم يكن لأحد هذين الهدفين فإنه كان يهدف لتحديد إقليمي حول مدخل للموارد مثلاً الخط الأحمر الذي كان مرادًا به أن يطابق الحدود الدولية، وهنا تجدر الإشارة إلى أن كل الخلافات خلال فترة الاستعمار كانت تدور حول مسألة السيادة وتعيين الحدود ويمكن استشفاف الواقع أيضاً في الخلافات بين الدول المستقلة منذ نهاية الاستعمار، وبقيت هذه المبادئ أساساً للدول المستقلة التي نشأت في منطقة الشرق الأوسط، وفي شمال إفريقيا مع نهاية المرحلة الاستعمارية، وفي بعض الحالات أدى رحيل السلطة الاستعمارية إلى انتقال السيادة والأرض إلى بعض الخلافات، كما حصل في دول الخليج العربي وليبيا، أما تركيا وإيران والسعودية واليمن فإن هذه الدول بقيت مستقلة مع أنها خضعت لتأثير استعماري ذي شأن، وفي بعض الحالات الأخرى تحقق الاستقلال عبر العنف، وهذه النماذج من انتقال السيادة قد خبأت تغييراً كبيراً في المنطقة، ففي المرحلة التي سبقت الاستعمار كان بناء الدولة يعكس المبادئ الإسلامية، بينما عكست مرحلة ما بعد الاستعمار المدلول الأوربي للدولة، واستبدلت السيادة البلدية بالسيادة الإقليمية، وهذا الأمر قد انطبق خاصة على الدول التي ناضلت في وجه السلطة الاستعمارية وحصلت على استقلالها وحريتها بالقوة، والسبب في ذلك أن العنف في بعض الأحيان يعتبر نوعاً من أنواع الحوار، وغالباً ما يؤدي إلى مباحثات، إلا أن المباحثات تستوجب معجم مفردات سياسية مشتركًا غالباً ما يكون أوربيًا لا مسلمًا، إذ أن المباحثات تدور حول وحدة بناء أوربية وتحت سيطرة أوربية، وكانت النتيجة أن التناقضات الملازمة للتقسيم في ظل النظام الاستعماري في منطقة الشرق الأوسط قد انتقلت إلى الدول المستقلة في المنطقة، وكل دولة تتصرف في مسألة الحدود كدولة، أما هدفها الأساسي فهو بسط سلطتها التامة على أراضيها، إلا أن التغيير الأيديولوجي في العقد السابق قد أحيا من جديد مبادئ الشرع الإسلامي ونتيجة لذلك فإن الخلافات تحول الحدود بين الدول غالباً ما تكون غامضة إذ أنها تشتمل ضمناً على المبادئ الإسلامية وعلنية على القانون الدولي والمثال على ذلك مطالبة المغرب بالصحراء الغربية، وهناك مطالب عدة شبيهة بذلك.