كان الناس فيما مضى يقرأون ويروون قصة رابحة الكنانية التي ظلت مضرب المثل في البطولة والشجاعة، حيث أنها أبرز النساء السودانيات اللائي واجهن حقب الاحتلال البغيض بالجهاد والفداء.. ولا يزال الناس في مجالس أهل السودان يروون بطولة رابحة الكنانية المرأة التي سارت مئات الكيلو مترات، وهي تحرض المجاهدين وتتغنى بأغاني الحماس والبطولة التي عبأت بها المجاهدين حتى الثمالة، وكتب التاريخ عن حياتها بحروف من نور في جدران ذاكرة أهل السودان، ومثلت الشامة السامقة على جبين المرأة السودانية التي حفظ لها التاريخ القديم والحديث سيراً نضرة في الجهاد والبطولة وبناء النشئ وصناعة رجال من أهل السودان بلغ ذكرهم قرن الجوزاء، وسما إلى ذؤابة الثرياء. وها هي الحركة الشعبية التجمع العنصري الإقصائي الإثني الذي ظل ينتهك حرمات نساء السودان فكم قتلّت.. وكم رملّت. وكم يتّمت.. وكم جرّحت .. وكم اغتصبت .. فليس هناك بيت من بيوت أهل السودان في الوسط وفي الغرب وفي الشمال إلاّ وقام فيه عرس شهيد .. أو عزاء مفقود أو معاودة جريح ومصاب.. ومن هنا نؤكد أن الحركة الشعبية هي عدو المرأة السودانية الأول.. فهي تستهدف الوالد وفلذة الكبد والأخ والزوج.. بل هناك نساء كُثر لقين حتفهن في غارات ومعارك نفذتها الحركة الشعبية في مناطق كثيرة من أجزاء السودان الحبيب، في همشكوريب والكرمك و قيسان وأبيي وجنوب كردفان والنيل الأزرق ودار فور والنيل الأبيض وشمال كردفان وكسلا والخرطوم.. حيث هناك إحصائية ضخمة من الموتى في صفوف النساء والأطفال الرضع الذين طالتهم أظافر الموت وهم بُرآء في أحضان أمهاتهم. يوم السبت الماضي كعادتها في الغدر وإراقة دماء الأبرياء والمدنيين العزل هجمت عصابات الحركة الشعبية الإرهابية على مواطني قرية «حجير الدوم» بولاية جنوب كردفان التي تقع على بعد (45) كيلو عن كادوقلي، وحوالي 47 كيلو جنوب غربي أبو جبيهة.. وهذه المنطقة تقع في محيط منطقة قدير التي ناصرت المجاهد الإمام المهدي، وهي داخل الحدود الإدارية لمملكة تقلي الإسلامية إبان إزدهارها. هجمت الحركة الشعبية قبيل صلاة الفجر على «حجير الدوم كنانة» الآمنة وهي قرية صغيرة يبلغ عدد سكانها حوالي (280) نسمة، وحين كان رجالها يقاتلون الأعداء في ثبات وبسالة لأجل رد العدوان الغادر من قبل فلول العمالة والإرتزاق.. عمدت مجموعة مجرمة من عصابات الحركة الشعبية إلى أسر اثنتي عشرة أمرأة من نساء القرية وحاولوا الإعتداء عليهن بجميع الأساليب المعروفة عن هؤلاء الأوباش الأوغاد.. ولم يدر هؤلاء المجرمون أن هؤلاء الحرائر كنانيات.. هن حفيدات رابحة الكنانية، فتصدت لهم «عائشة» الكنانية ونزعت بندقية أحد هؤلاء الجبناء الذين تحاشوا لقاء الرجال واعتدوا على الحرمات في مشهد يصور فساد طوية هؤلاء الجبناء وينجلي عن مدى عداوة الحركة الشعبية وبطشها بالمرأة.. فهؤلاء لا قيم ولا أخلاق لهم ولا مروءة.. إن الرجال الأصلاء لم يسجل التاريخ الطويل أنهم يعتدون على النساء، إن القوارير لا يعتدى عليهن كما قال عليه الصلاة والسلام إلا لئيم دنئ «ما أكرمهن إلاّ كريم وما أهانهن إلاّ لئيم». نزعت «عائشة» الكنانية البندقية كما سبق من أحد الأوباش وسقته من كأس الردى وسقت مثله ثمانية من الكأس ذاته.. في بطولة تحكي عن ثبات وعظمة هذه المرأة الكنانية الأصيلة حفيدة رابحة. الأمر الذي استفز طاقم الرشاش من الأعداء فصوب فوهة رشاشه الغادر إلى صدر «عائشة» قائدة معركة الكرامة ..«تموت الحرة الأصيلة ولا تأكل بثديها» فعجّل لها بالشهادة هي وصويحباتها وأطفالهن.. نعم حصد المدفع (25) شهيدة منهن.. الاّ ترى كيف أن الحركة الشعبية تقتل النساء بوحشية وتشفٍ.. يا نساء جنوب كردفان والنيل الأزرق وجميع نساء السودان إن الحركة الشعبية عدوكن الأول فاتخذنها عدواً ماكراً بكن.. لم تكتف بقتل آبائكن وأزواجكن وإخوانكن وفلذات أكبادكن فحسب، بل هي تتحرش بكن وتقتلكن بوحشية وحقد، فلا رحمة فيها. إني من هنا أهيب بفرسان كنانة الذين أعرفهم أسوداً يبلغ زئرهم جوف الوديان ورؤوس الجبال والصحراء.. أن يهبوا للثأر من دم «عائشة»، الطاهر النقي الذي دنسته الحركة الشعبية في حجير الدوم.. أخاطبكم أيّها المجاهدون في جنوب كردفان.. وأخاطبكم أيّها الكنانيون في حجير الدوم وفي أبو جبيهة وفي أبو جريس وفي الترتر وفي بلولة وفي وكرة وفي العباسية وفي أبو كرشولا وفي الموريب وحتى أولئك الذين هم في الأبيض وسنجة وسنار والدالي والمزموم وود النيل وأبو حجار والنيل الأبيض وجنوبكوستي والدندر والقويز وحلفا ودنقلا والفاو.. أقول: لكم إن دماء عائشة الكنانية في حجير الدوم يقول يا بني «أحمد زبد البحر» وأنتم تعرفون من هو أحمد زبد البحر؟. إذا كانت رابحة الكنانية قد كتبت أمس ملحمة البطولة في تاريخ المرأة السودانية المجاهدة بحروف من نور في سماء بلادنا.. فها هي حفيدتها الكردفانية عائشة الكنانية في حجير الدوم بأبي جبيهة تعيد ذكرى هذه الملحمة في أسمى معانيها.. تلقم الحركة الشعبية العنصرية الحاقدة حجراً آخر صُلباً.. فطوبى لك أيتها الشهيدة في جنات الخلد بإذن الله. ومن هنا أُعلن وأقول: إن الحركة الشعبية أكبر تنظيم إرهابي ظل ينتهك حقوق المرأة في السودان منذ ما يزيد عن نصف قرن من الزمان، ونلفت بهذا نظر جميع الحقوقيين في العالم من أصحاب الضمير الحي إزاء هذه الجرائم الخطيرة المستمرة.