اختتمت بالدوحة الأسبوع الماضي ندوة «الإسلاميون والثورات العربية تحديات الانتقال الديمقراطي وإعادة بناء الدولة» التي أقامها مركز الجزيرة للدراسات وعلى مدى يومين بمشاركة عدد من قادة الحركة الإسلامية في المنطقة العربية وعدد من الباحثين والخبراء المتخصصين في مجال الحركات الإسلامية. وقد شهد اليوم الختامي للندوة عرض مشروع النهضة الذي قدمه المهندس خيرت الشاطر نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين حيث رد المهندس الشاطر على مطالبات المشاركين عن الآليات التنفيذية لمشروع النهضة بالحديث عن خمسة مشاريع كبرى يتضمنها المشروع وسيلمس المواطن المصري نتائجها خلال الفترة المقبلة وتتمثل في بناء الدولة الحديثة من خلال التركيز على مشروعات التنمية البشرية في مجالات التعليم والصحة والتركيز على الجانب الاقتصادي من خلال مشروعات في المجالات الزراعية والسياحية ومشروع يتعلق بإعادة رسم خريطة المدن المصرية وإعادة توزيع السكان من خلال إنشاء مدن جديدة وتطوير المدن والتجمعات السكانية وإنشاء مطارات وموانئ والمشروع الرابع يتعلق بالمرحلة الانتقالية ويتمثل في الإصلاح من خلال محاربة الفساد حيث يتوفر مشروع النهضة على مشروع متكامل لمحاربة الفساد وبناء البرلمان ومؤسسات الدولة. وكان المهندس خيرت الشاطر الذي شارك في ندوة مركز الجزيرة للدراسات في يومها الثاني في محور «الإسلاميون ومشروع النهضة» عبر الأقمار الصناعية من القاهرة قد أكد امتلاك جماعة الإخوان المسلمين لمشروع متكامل تحت اسم «مشروع النهضة» التي خاض الرئيس المصري محمد مرسي الانتخابات الرئاسية على أساسه وقال إن هذا المشروع جاهز للتطبيق بشرط موافقة أغلبية الشعب المصري وقبوله به، فالإخوان لا يمكنهم أن يفرضوا هذا البرنامج على الشعب المصري دون إرادته. وقال المهندس الشاطر إن مشروع النهضة له مقومات أساسية تتمثل في الإرادة السياسية والرؤية والحماس الشعبي لتطبيقه والعامل الفني والعامل البيئي مكررًا التأكيد أن جماعة الإخوان المسلمين تمتلك رؤية واضحة بهذا الشأن لكنها لن تفرضها على الشعب المصري. مضيفاً أن مشروع النهضة جاهز لكنه يحتاج إلى نقاش وتوافق. وقدم المهندس الشاطر رؤية للواقع الاقتصادي الصعب الذي كانت وما زالت تعيشه مصر وتعيشه الدول التي شهدت ربيعاً عربياً بسبب الفساد والاستبداد مشيرًا إلى أن «40%» من الشعب المصري هم تحت خط الفقر وأن المديونية المصرية وصلت إلى نحو«52» تريليون جنيه وأن عجز الموازنة المصرية يقدر «560» مليار جنيه وأن هناك «12» مليون مصري عاطل عن العمل وهي أرقام تؤكد غياب العدالة الاجتماعية في البلاد خاصة مع تكدُّس الثروات بيد فئة قليلة من الناس. واستعرض المهندس الشاطر في عجالة سريعة عددًا من التجارب الاقتصادية الناجحة التي تطمح الإدارة المصرية إلى أن تحذو حذوها كتجربة تايوان وماليزيا وسنغافورة والبرازيل وهي الدول التي استطاعت خلال عقود قليلة أن تبني اقتصادياتها وتحقق شروط النهضة. رغم افتقار بعضها للموارد الطبيعية وبعضها الآخر للموارد البشرية في حين أن مصر ودول الإقليم تمتلك الموارد البشرية والموارد الطبيعية فضلاً عن الموقع الجغرافي. وقال المهندس الشاطر: نحن أمام حالة تخلُّف تتطلب إعادة بناء البلاد في كل المجالات والوصول إلى حالة حضارية خلال عشرين سنة. وأكد المهندس الشاطر أن مشروع النهضة لكي ينجح يحتاج إلى إرادة سياسية وإلى رؤية ذاتية وموارد طبيعية والهدف الأول يتمثل في بناء نظام سياسي جديد يستند إلى مبدأ التداول السلمي للسلطة ويحترم الحقوق والحريات ويوفر الأمن والأمان من خلال منظومة أمنية عادلة ويتوفر على قضاء مستقل وهو هدف ضروري لإطلاق المشروع وبدون تحقيقه لا يمكن إطلاقه. وقال الشاطر إن مشروع النهضة يستند إلى رؤية ذات مرجعية إسلامية تحقق التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع وتستند إلى مبادئ الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. واعتبر الشاطر أن مشروع النهضة لا يمكن أن يحقق النجاح دون إدارة رشيدة له المطلوب دون الحماس المجتمعي به ويعني ذلك شعب متحمس للمشروع يعرف تفاصيله وأهدافه ونتائجه ومؤهل من خلال التدريب للتعامل معه وتحويله إلى خطط وبرامج لتنفيذه. وفي معرض ردوده على مداخلات وأسئلة المشاركين في الندوة حول المشروع أكد المهندس الشاطر أن مشروع النهضة لا يمثل ولا يدعو للانكفاء داخل مصر بل يمكن أن يكون هذا المشروع مشروعاً للأمة وخاصة دول جوار مصر والدول التي شهدت ربيعاً عربياً. وكان وزير الشؤون السياسية في رئاسة الجمهورية التونسية لطفي زيتوني قد تقدّم بتعقيب على ما طرحه المهندس الشاطر وصف فيه ما يجري في بلاد الربيع العربي بأنه الاستقلال الثاني داعيا إلى الاستفادة من الأخطاء التي وقعت بعد الاستقلال الأول وخاصة استئثار نخبة من الطبقة الحاكمة بثروات البلاد وإقصاء معظم الشعب والتيارات السياسية الأخرى وهو ما خلق توترات اجتماعية وسياسية وأدى من ثم إلى حصول الثورات العربية، والخطأ الثاني يتمثل في قبول دول الاستقلال لبقاء التجزئة التي أوجدها الاستعمار وعدم السعي للوحدة والتكامل فيما بينها. وطالب الوزير زيتوني بضرورة عدم استئثار فئة أو تيار بصياغة الدساتير وضرورة التخلُّص من عقلية التجزئة والقُطرية والسعي لبناء إجماع عربي. ورفض الوزير زيتوني انكفاء مصر على ذاتها والبحث عن شروط تحقيق النهضة في مجتمعها الداخلي سعياً لتحقيق مكاسب سريعة ستتم محاصرتها مستقبلاً، وقال إن على الإخوة في مصر أن ينظروا خارج حدودهم ليصبح الجميع شركاء في التنمية. من جهته أثنى البرلماني الكويتي ناصر الصانع على مشروع النهضة الذي قدمه المهندس الشاطر وقال إنه مشروع محدد وواضح الملامح صوّت له الشعب لمصري. واقترح الصانع الالتزام بالمشروع وتحديد مدد زمنية واضحة لتنفيذه والاستفادة من مؤشر الشفافية في معرفة مواطن القوة والضعف وإشاعة ثقافة مشروع النهضة في الأوساط الشعبية لكي ينجح تطبيقه، وختم الصانع بالحديث عن فقه الأولويات بالتأكيد على ضرورة إطلاق حوار وطني للمشروع يشارك فيه الجميع. الإسلاميون والعلاقات الخارجية قدم إبراهيم المصري الأمين العام للجماعة الإسلامية بلبنان في الجلسة الخامسة بعنوان «الإسلاميون والعلاقات الخارجية» نبذة موجزة عن تاريخ الحركة الإسلامية، قائلاً إن الإسلاميين لم يستطيعوا إقامة علاقة إقليمية بسبب الفيتو الأمريكي وموقفها من إسرائيل. وأضاف: إن الربيع العربي أتاح الفرصة لإقامة علاقات وبدء الحديث عن رغبة في الوحدة الاقتصادية وتنسيق على المستوى الإقليمي من قبيل ما جرى من لقاءات بين تونس والمغرب، وحضور الرئيس المصري محمد مرسي في مؤتمر دول عدم الانحياز، معتبرًا أن القوى الإسلامية تحمل روحاً دافعة للحصول على إمكانات متميزة . وفيما يتعلق بالوضع بلبنان زاد إبراهيم المصري أن لبنان يشكل الحديقة الخلفية لسورية، وأن استقراره رهن بمصير سورية. من جهته تطرق الدكتور عزام التميمي رئيس مجلس إدارة قناة الحوار الفضائية ورئيس التحرير بها، للصراع العربي الإسرائيلي، قائلاً إن موقف الإسلاميين منه مبدئي بعدم الاعتراف بإسرائيل انطلاقاً من الثقافة الإسلامية ومن المرجعية الشعبية، لافتاً إلى هيمنة رد الفعل على خطاب الإسلاميين وموقفهم من الصراع خطاب، وتتعامل معه على أنه صراع عقدي «المسلمون واليهود». وزاد أن دخول العامل الإنساني والسياسي انضج الخطاب مع الوعي بالحقيقة التاريخية التي توضح أن الصراع لم يكن عقدياً بل نتاج استعمار غربي دون إغفال حقيقة أن مؤسسي المشروع الصهيوني كانوا يدعون أنهم يهود مع أن أغلبهم لم يكن متديناً، مؤكدًا أن وصول الإسلاميين للسلطة يطرح عليهم سؤالاً: كيف العمل مع واقع قائم واتفاقيات مثل اتفاق كامب ديفيد؟. وأوضح التميمي أن الربيع العربي وضع كلاً من إسرائيل والدول الحامية للمشروع الصهيوني، والإسلاميين كذلك في مأزق، خاصة حركة حماس التي توجد في حالة هدنة، داعياً إلى هدنة طويلة مع الدولة الصهيونية، بمعنى الاعتراف بالواقع دون الاعتراف بشرعيته، والبحث عن آليات لمعالجة وضع قائم لا يمكن تغييره في ظل ميزان القوى السائد. المراقب العام للشؤون السياسية بجماعة الإخوان السورية، علي صدر الدين البيانوني، تناول في مداخلته في الجلسة نفسها العلاقة مع الغرب والقوى الصاعدة، موضحاً أن إقامة العلاقة مع الغرب تنطلق عند الإسلاميين المعتدلين المنفتحين تقوم على محددات تنبني على المرجعية الإسلامية، والإيمان بحوار الحضارات، وأن الاعتدال والانفتاح سبيل للوصول للمشترك الإنساني مع الحفاظ على الهوية والسيادة الوطنية. وأشار القيادي الإسلامي السوري إلى أن قيم العدل والمساواة والحرية والكرامة قيم إسلامية، وأن تاريخ الإسلام عرف علاقات مع الأمم الأخرى، منوها إلى أن الإسلاميين الحاكمين سيبنون علاقاتهم مع الغرب على قواعد القانون الدولي والأعراف المرعية في العلاقات بين الشعوب والأمم، ملاحظاً أن موقف الغرب من المجتمع الإسلامي مازال حبيس نظرة نمطية للعرب والمسلمين. وفي السياق نفسه سجل البيانوني تردد الغرب في الاعتراف بحق الشعب السوري في التحرر والكرامة بحجة التخوُّف على مستقبل الأقليات دون أخذ معاناة الأغلبية بعين الاعتبار مع أنه لا خوف على الأقلية لتسامح الشعب السوري وتعايش مكوناته. القيادي في جماعة الإخوان المسلمين بالأردن رحيل غرايبة تناول موضوع «الإسلاميون والمعاهدات الدولية» الذي يحتاج لخطاب واضح غير مرتبك، معرفاً مفهوم العقد والعهد في الإسلام ومسلطاً الضوء على عدد من المعاهدات في التاريخ الإسلامي، وعلى تأكيد الإسلام على حفظ العهود لتقوية الأواصر بين الأمم والتقارب بين الشعوب، موضحاً في الوقت نفسه أن المعاهدات هي نتاج لطبيعة ميزان القوى السائد، وعلى المتضرر السعي لامتلاك أوراق قوة تسمح له بإعادة النظر فيها. وفي السياق نفسه نوّه رحيل إلى أن معاهدة كامب ديفيد ووادي عربة واتفاقية أوسلو كانت ظالمة ومست بالسيادة الوطنية لأنها لم تعرض على الشعوب المعنية للاستفتاء أو على ممثليه في المجالس التشريعية. وقال المتحدث إن المعاهدات لا ينبغي أن تتعارض مع القانون الدولي، ويجب أن تكون شفافة وبنودها معلنة، مطالباً بالعمل على توفير الظروف لإعادة النظر في تلك الاتفاقيات بشكل يرفع الإجحاف والظلم.