حوار: نفيسة محمد الحسن تصوير: متوكل البجاوي مساعد الأمين العام للحزب الاتحادي السماني الوسيلة وزير الدولة بالخارجية السابق قال وفقاً لتجربته إن السودان لم يحاصَر قط كما يُشاع إنما حاصر نفسه بنفسه خاصة في بدايات سنوات النظام مما أدى إلى عواقب وخيمة يعيش الناس تداعياتها السياسية والاقتصادية.. ويقول الوسيلة إن النظام لم يستفد من التجارب السابقة ولم يعِ تجربة الانقلابات في السودان، ولا يمكن الخروج من الأزمات إلا بمشاركة الجميع في إعداد الدستور من خلال لجنة محايدة.. وكشف الوسيلة في الحوار الذي أجرته معه (الإنتباهة) تفاصيل مواقف المعارضة تجاه الدولة وما يحدث داخل الأحزاب من انشقاقات واختلاف بما فيها الحزب الاتحادي... واعتبر الوسيلة أوضاع العلاقات مع دولة جنوب السودان.. (خطأ) وهي تعبِّر عن سياسة الحزب الواحد في القضايا الوطنية الهامة... وفيما يلي نص الحوار: مع مرور أحداث الحادي عشر من سبتمبر كيف تقيِّم الحدث وتداعياته التي تعاني منها بعض الدول العربية حتى الآن؟؟ أحدث هذا الحدث تحولاً كبيراً في السياسة الدولية، أمنياً ثم سياسياً... ودارت روايات كثيرة.. من قام به؟ وماهي أهدافه؟ ومازالت هناك أسئلة حائرة لا تجد إجابة فمثلاً غياب عنصر واحد من كل المبنى بلغ عدده حوالى الأربعة آلاف شخص هل كان صدفة؟ الدقة التي نُظِّمت بها هل هي متاحة دون تعاون عدة أجهزة؟!.. ومهما يكن من أمر فإنها قادت إلى عزل دول كثيرة غير مرغوب في التعامل معها.. ومجموعات فكرية وعقائدية استُهدفت لحينها.. نحن كمسلمين لم نستطع حتى الآن التعامل الإيجابي مع هذا الأمر وكشفه وفضحه لكن مازالت الفرصة مواتية عبر توحيد رأي إسلامي وسطي يبعد عن الإسلام شبهة الإرهاب وعن العرب التخلف وحب الانتقام.. في رأيك ما المخرج من ذلك؟ لن يأتي ذلك إلا بوحدة الخطاب العربي الإسلامي وترك التشتت حيث أصبحنا نعيش عصراً تفرقت فيه كلمة المسلمين وأصبحنا فرقاً تختلف في القشور والفروع تاركة الأصل الثابت الذي لا يأتيه الباطل أبداً كتاباً ورسولاً وقِبلة، وأصبحنا يكفّر بعضنا بعضًا ناسين قول المصطفى المعصوم صلوات الله وسلامه عليه (من كفر قومنا فقد باء بها أحدهما). يختلف الناس حول وصف الأوضاع السياسية الراهنة.. في تقديرك ماهي المؤثرات وإلى أين تمضي البلاد؟ السودان يمر الآن بمرحلة مخاض عسير أسهمت فيها التغيرات السياسية الحادة منذ نهاية الستينيات حيث شهدت البلاد انقلاباً يسارياً متطرفاً عمل على تغيير خريطة السودان السياسية حسب رؤيته الأحادية، وبعد عامين جاءت ردة الفعل العنيفة التي قادت الحكومة إلى الانتقام من كل ما تم من (69 - 1971م) وكانت أعنف من ذي قبل، ثم جاءت الانتفاضة قوية في بدايتها لكنها أُجهضت ولم تستجب لكل هتافات الشارع في حينها، ثم جاءت الحكومة الديمقراطية المنتخبة في «86» وحاولت معالجة القضايا الشائكة التي ورثتها من النظام العسكري السابق لكنها دخلت أيضاً في المحاور المطروحة في ذلك الوقت إقليمياً ولم تتحد رؤية الحكومة الائتلافية ثم ظهر الخلاف الواضح بين قيادات الأحزاب المؤثرة والتي كانت تشكل أغلبية في البرلمان وأدت إلى كثير من إجهاض محاولات دفع العمل الديمقراطي حتى يصل إلى غاياته، ولم يكن متوقعاً حل كل القضايا لكن واجهها اختلاف قائم بين توجه الأحزاب الرئيسة، والأحلاف في المنطقة والتي كانت تشكل عناصر منها وجود الحكم اليساري في إثيوبيا والقذافي في ليبيا وإيران ومصر مما زاد في تطويل أمد المشكلات وتعقيدها، ولم تكن هناك رؤية موحدة للتعامل مع هذا الامر، مما أدى إلى تشكيل عدة حكومات لفترات قصيرة لكنها على الأقل كانت تسير بالأسلوب الديمقراطي، حتى جاء التغيير الثالث الأكبر والذي كان حادًا جداً في 1989م بانقلاب عسكري عمد إلى تغيير الخريطة السياسية والاجتماعية الكلية وصاحبت ذلك عدة أخطاء. ماهي هذه الأخطاء؟ أخطاؤه الأساسية أنه لم يستفد من تجربة الانقلابات التي سبقته، في محاولات تغيير التركيبة الاجتماعية والسياسية، لأنه تعامل معها بعنف وكان رد الفعل عليه أعنف أيضاً، حيث لجأ المعارضون للتعامل بردة الفعل العنيفة التي كان الهدف الأساسي منها إسقاط النظام وإطاحته، مما استدعاها لفتح جبهات كثيرة تشكلت فيها مواقع لمحاولة الانقضاض على النظام في السودان وتوسعت الدائرة من الإقليمية إلى الدولية وتزامنت معها سياسات السودان الداخلية من مواقف حرب الخليج من المعارضين إلى المواقف الواضحة لمحاولة التدخل لزعزعة نظم أخرى في المنطقة فاتسعت بذلك دائرة العداء في السودان، وأنا من الذين يؤمنون بأن السودان لم يحاصَر إنما حاصر نفسه بسياساته التي قام بها منذ فجر 29 يونيو 1989م التي كانت واضحة في الشعارات والهتافات والراديو والتلفزيون أدت إلى عزلة النظام، حاول بعدها النظام الخروج من هذه الدائرة المغلقة والتي زادت من أزماته وجعلت البلاد تعيش في حالة خطر يهدِّد وحدته واستقراره.. حيث كانت هناك عزلة كاملة دون جوار آمن، وعلاقات خارجية مأزومة وهنا أطلق الحزب الاتحادي الديمقراطي مبادرة الجبهة الوطنية التي أعلنها الراحل المقيم طيب الله ثراه الشريف زين العابدين الهندي وهي رؤية للخروج وكسر دائرة الاستقطاب الحاد ما بين أبناء الوطن الواحد والتي جعلت بعضهم يقول إنهم مستعدون للتعاون مع أي إنسان في سبيل إسقاط النظام، وجاءت المبادرة التي لم تكن إلا صيحة لتجمُّع الرافضين لأسلوب النظام من داخل النظام، والذين شعروا بأن هناك طريقًا ثالثًا لا بد أن يُتبع، والرافضين لأسلوب المعارضة من داخل المعارضة، والذين شعروا بأن الدفع في ذلك الاتجاه سيؤدي بالسودان إلى ما لا تحمد عقباه، المبادرة سعت لخلق نوع من العمل الهادف وأذابت قليلاً من الجليد، كنا نتوقع أن توسع هذه الدفعة دائرة العقلانية وسط الحاكمين والمعارضين، حتى ننظر بعين الوطن جميعاً والذي لنا فيه جميعاً آمال وطموحات ورؤى لا نفرضها فرضاً إنما تكون باتفاق الجميع واختيار الأفضل والأنسب من بينها.. لذلك طرحنا نداء الجبهة الوطنية، والتي ما زالت هي المخرج الحقيقي لهذا الوطن حيث تتجمع إرادة القوى الحقيقية وتطرح رأياً وسطاً وهادئاً يمثل أبناء الشعب السوداني دون انجراف شرقاً أو غرباً هذا ما كنا وما زلنا وسنظل ندعو له، لأنه ليس بدونه اتفاق بين أبناء الشعب السوداني على قضايا قومية، فإذا نظرنا إلى معظم الدول مثلاً نجد أنهم يمكن أن يختلفوا كما في بريطانيا أو ألمانيا، فحزب العمال مع حزب المحافظين.. والجمهوريون مع الديمقراطيين.. لكن عندما يأتي مؤشر على تهديد أمن البلاد ووحدتها (ينقلبوا) جميعاً إلى مواطنين دون أن تقسمهم أحزاب أو رؤى.. لأن هذا هو الحد الأدنى، لذلك هذا المخاض العسير الذي يمر به السودان الآن لا يمكن الخروج منه بسلام إلا برؤية جماعية لكل أبناء الشعب السوداني بحسبان أن لديهم مسؤولية وعليهم واجبات. هل هذا طرح تجتمع حوله الحكومة والمعارضة؟ نعم.. من يقول الآن إنه يستطيع أن يُخرج السودان من أزماته وحده فهو مخادع لنفسه ويعمل على تطويل أمد الأزمة، يجب الاتفاق حول رؤى محددة لكل أبناء الشعب السوداني، مثلاً فلنبدأ: الدستور القادم إذا لم يلبِّ رغبات الشعب في حده الأدنى لن تهدأ النفوس، هذه ليست رغبات الاتحاديين ولا الإخوان المسلمين ولا الشيوعيين ولا حزب الأمة.. ولا جماعة أنصار السنة ولا الجبهات التي تحمل السلاح الآن، ليس بفرض رؤية معينة على الآخرين.. إنما باتفاق الجميع على رؤى تمكِّنهم من إدارة هذا البلد القيم وهذه البقعة المباركة والغنية بكل شيء من الخيرات إلى الأسواق التي حولها.. تقول بقعة غنية ومباركة وحال الناس يغني عن السؤال!! أضف إلى ذلك الحكومة نفسها بسياسات التقشف.. كيف يتفق ذلك مع ما ذكرت؟؟ من يقول إن السودان فقير فهو مخطئ، فهو غني بكل شيء في الأرض وغيرها، بالإنتاج الحيواني والزراعي، نحن بحمد الله لدينا كل أنواع اللحوم أسماك النيل والبحر الأحمر والأنعام التي تسير بكل أنواعها وكذلك تعدد المناخ الذي يجعل الخضرة منبسطة طوال العام، والمعادن والأسواق التي حول السودان في الجوار القريب أو البعيد، لكن كل ما نحتاج إليه الآن لننعم بهذه الموارد هو اتفاق رؤية وشد عزائم والخروج من حالة اللامبالاة والعمل وفق دستور يحدد الواجبات قبل الحقوق لأن هذه معادلة يجب أن تكون متوازنة حتى لا نكون مطلبيين فقط بل عمليين ومنتجين وهذا لن يتم إلا باتفاق ورضاء كل الناس. كيف يمكن أن يتم ذلك؟ بالتنازل الذي يعني أنك لست الوحيد الحريص والعالم والعارف والوطني وغيرك مجرمون وعملاء، مسؤوليتنا حماية هذه البلاد، أتحدث عن الإجماع الذي يجمع شمل الجميع، فالدستور هو أهم مرحلة من مراحل هذا المشوار.. كيف يمكن التوافق على دستور دائم وأحزاب المعارضة تقول إنها لم تدعَ إلى المشاركة فيه ولا تقدِّم إسهاماً؟؟ جلوس المعارضة بعيداً وتطالب بعمل كذا وكذا أمرٌ غير صحيح. وعلى الحكومة من منطلق واجبها ومسؤوليتها إنشاء لجنة محايدة تشمل علماء في القانون وسياسيين وأكاديميين وممارسين للعمل الدستوري حتى يخرجوا بوثيقة ترضي الجميع، وهذا ليس بالأمر الصعب، لأن الدستور الدائم أمل ظل الشعب السوداني يحلم به طويلاً، وأساس أي حكم في العالم وجود معارضة وحكومة، المعارضة يجب أن تكون معارضة إيجابية وعلى الحكومة أن تستمع وتستوعب، وزعماء المعارضة يجب أن يكون لهم دور في اتخاذ القرارات السياسية ليس كما يحدث الآن تستمع لها من وسائل الإعلام فقط، لأن المخاطر التي تهدد السودان لا تفرق بين معارضة وحكومة. ما هي هذه المخاطر؟؟ الهجمة على السودان لتغيير تركيبته، وقيل ذلك كثيراً بشعارات مختلفة مثل تحرير السودان.. تحريره مِن مَن؟!! وأين هي الآن مبادئ الجبهة الوطنية؟؟ طرحناها كثيراً لكن حدة الاستقطاب والغضب وقفت في طريقها، العمل العام ليس به غضب.. أو زعل لكن الآن تغضب من فلان (تشتمه) في الصحف ويتهمك.. هذا (عبث)، لا أملك أن أفرض رأيي على أحد إنما أطرح رأيي، إما أن يقنع الناس أو (يقنعوني) دائماً هناك حد أدنى للاتفاق.. لا يمكن عدم وجود شيء يتفق حوله أبناء السودان ولو بنسبة «70%» هذه النسبة تمثل عنصرًا أساسيًا لإجماع قومي ونتفق أن لا ندخل أحدًا في قضايانا من بعيد أو قريب، لأنه ليس هناك من يعمل لمصحتك (لسواد عيونك) كل من يتدخل لديه مصلحة ما يريد أن ينفذها من خلال هذا، وإذا لم تقلب المعادلة بأن المتدخلين والعاملين على هذا الاتفاق هم أبناء السودان سيضيع السودان وسنفتح الباب لهذا التدخل لكل من يحاول استغلال السودان، نحن نسمع الآن أن الصين تقوم باستغلال السودان وهذا غير صحيح لأنه لم يأتنا أحد أو جهة غيرها وهذا الحديث يؤكد رأيًا واضحًا أنهم لا يريدون للصين أن تتعامل مع السودان، وللأسف الشديد نحن من نصنع هذه الأسباب إن كنا معارضين أو حاكمين سواء بالتصريحات المتضاربة أو عدم الاتفاق لأن الصورة العامة بعد ذلك تُظهر عدم وجود وحدة داخلية.