حوار: نفيسة محمد الحسن تصوير: متوكل البجاوي مساعد الأمين العام للحزب الاتحادي السماني الوسيلة وزير الدولة بالخارجية السابق قال وفقاً لتجربته إن السودان لم يحاصَر قط كما يُشاع إنما حاصر نفسه بنفسه خاصة في بدايات سنوات النظام مما أدى إلى عواقب وخيمة يعيش الناس تداعياتها السياسية والاقتصادية.. ويقول الوسيلة إن النظام لم يستفد من التجارب السابقة ولم يعِ تجربة الانقلابات في السودان، ولا يمكن الخروج من الأزمات إلا بمشاركة الجميع في إعداد الدستور من خلال لجنة محايدة.. وكشف الوسيلة في الحوار الذي أجرته معه (الإنتباهة) تفاصيل مواقف المعارضة تجاه الدولة وما يحدث داخل الأحزاب من انشقاقات واختلاف بما فيها الحزب الاتحادي... واعتبر الوسيلة أوضاع العلاقات مع دولة جنوب السودان.. (خطأ) وهي تعبِّر عن سياسة الحزب الواحد في القضايا الوطنية الهامة... وفيما يلي نص الحوار: بعضٌ من منسوبي الحكومة يتحدثون عن أحزاب المعارضة بأنها تعارض فقط من أجل المعارضة ما هو تعليقك؟ هذا حديث خطأ، لدينا مثل شعبي يقول «الكلمة الشينة لا بتقتل عدو ولا بتفرح صديق» تجريم المعارضة والتصريحات التي يطلقونها حديث غير صحيح، فهذه المعارضة تكونت من أبناء الوطن ولديهم قضية فقط يجب أن تُطرح بإيجابية والتعامل معها بنفس الروح والاحترام. إذاً ما الذي قدمته المعارضة؟ لا تملك المعارضة شيئًا سوى تقديم وطرح الآراء، وقفت المعارضة عندما جاءت مؤامرة المحكمة الجنائية ووقفت عندما كان الانفصال وهجليج وعندما كان وعندما كان وعندما كان.. فلماذا التصريحات الاستفزازية؟.. نحن لا نريد حكم الأغلبية المكنيكية، نحن نريد حكم الاتفاق العام، فأدب الحكم هو تحقيق الاستقرار والأمن، قال سبحانه وتعالى في محكم تنزيله عندما طلب من الناس أجمعين أن يؤمنوا به: «الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف» ولا يوجد الآن من يتطلع إلى تغيير الحكومة الموجودة بل المطلوب الاتفاق العام لأن الرابح هو الوطن والخاسر هو الوطن.. إذاً طرحكم هذا لحلول أزمات السودان في ظل وجود النظام الحالي الذي أنتم جزء منه؟ نعم، يُجمع كل الناس على رئاسة الأخ البشير بصفته، المجمع عليه، والذي يستطيع أن يصنع هذا الاتفاق الذي يمثل برنامج عمل لمدة «5» أعوام لتحقيق الأمن وإطفاء كل الحرائق المشتعلة الآن، حتى ننعم بتنمية. إذاً لماذا ذكرت أن السودان في مخاض عسير؟ هاذ الاستقطاب سيؤدي إلى الانفجار، ما يوجد بالسودان من إمكانات لا يوجد في منطقة أخرى، لماذا السودانيون الآن هم من يديرون مؤسسات بعض الدول في الخارج ويثق بهم الآخرون؟؟ ولماذا يهاجر أبناء السودان الآن؟ نحن الآن نحتاج إلى صراحة دون تشفٍ وأحقاد لأنه لا يمكن أن تُبعد التآمر عن السودان إلاّ بالتوحد الداخلي، والجبهة الداخلية لن تتّحد إلاّ بالرضاء التام وفق دستور الحق والواجب. وكيف يتم تطبيق ديمقراطية حقيقية في ظل نظام يحكم لأكثر من «23» عاماً؟ الديمقراطية من أصعب النظم، لأن حرية الإنسان لا تبدأ إلاّ باحترام الآخرين، لذلك الديمقراطية لا تُحتمل إلاّ لمن يُحسن ممارستها، ونحتاج إليها الآن في أحزابنا وتفكيرنا وممارساتنا العامة، والتخلي عن «الكنكشة» ومن يصل منا إلى سن المعاش لا يقبل به بل يسعى إلى الحصول على المشاهرة، لماذا هذا الأسلوب؟ ألا توجد أجيال تنتظر هذه الفرصة، وهذا هو نوع من الأنانية، فالديمقراطية تجديد لكل الممارسات الحياتية. هل هذا يقود للإجابة.. كيف يُحكم السودان؟ بالاتفاق العام على دستور يمكِّن الناس من إدارة أمورهم التي تتمثل في طريقة الحكم وتداوله وأن الانتخابات تتم بدون لجنة مكونة من الحكومة، بل بلجنة قومية محايدة تمكِّن المواطن من تقديم شكوى ضد أي شخص حتى ولو كان الرئيس.. والدستور هو المعبِّر عن هذه التفاصيل ويراعي ذلك وهو الذي يضع خطوات تنفيذ ذلك في شكل قوانين وممارسات يومية. قبل الحديث حول النظم الديمقراطية ألا تفتقد الأحزاب نفسها لممارسة الديمقراطية بما فيها الحزب الاتحادي وانتشار المذكرات داخل الأحزاب؟ الحزب الاتحادي الديمقراطي هو حزب جماهيري وليس عقائديًا، بمعنى عقائد الفلسفات النظرية كالتنظيمات الحديدية، وبه ممارسة للعضو بحرية وفق أسلوب ديمقراطي.. ليضع مؤسساته التي يرضاها ويرتضيها، لكن التذمر يأتي عندما تحاول القيادات أن تفرض على هذه المؤسسات أسلوبًا معينًا من العمل.. وإخراج نوع معين من القرارات، تصطدم هنا إرادة الجماهير التي تريد التعبير عن نفسها في شكل اختيار قيادات وتغيير قيادات وفي شكل برامج ولوائح ودستور، نحن لسنا «كجمل العصارة» أو قضيب السكة حديد، نحن حزب يُتيح لأعضائه أن يحلقوا في فضاء واسع ويتنفسوا هواءً طلقاً حتى يكون التفكير سليمًا وتطرح أفكار دون قهر أو عصبية إما أن تُقنِع أو تقْتَنِع، ولا أخشى من خلافات الاتحاديين لأن الحالة العامة بها عدم استقرار نفسي، أنتم الصحفيين تشتكون والأحزاب كذلك.. عموماً يجب أن يكون الوضع الصحيح أن نكون كقيادات اتحادية رهن إشارة القواعد وليس العكس. ما هو رأيك تحديداً في ظاهرة المذكرات؟ هذا مرحلي ولن يستمر، أي فصيل اتحادي به تذمرات واختلاف في وجهات النظر، مثلاً نحن عندما دخلنا في حوار مع النظام «1996م» اعتقد الكثير أن هذا أسلوب خطأ، لكن نحن قلنا لهم إن أسلوب المعارضة هو الخطأ لأنها تقود إلى تطويل عمر النظام ولا تؤدي إلى تغييره، وكان هذا الاختلاف بيننا وبين أحزاب المعارضة وقتها وطرحنا الطريق الثالث عبر الحوار.. ولو سمع الناس ذلك وجلسوا وتوحدوا.. لما كانت نيفاشا ولا أبوجا ولا الشرق بل اتفاق عام لكل أبناء هذه الأقاليم حتى يدركوا حالهم ويتدارسوا طريقة إدارة بلادهم بشكل صحيح، وبعد «5» أعوام من الحوار من «96 2001م» تشاركنا في الحكومة وبدأت النفوس تهدأ لتستمع.. وجاءت الاتفاقيات الأخرى، ووجودنا ساهم في تحول كبير في النظام فاتفاقية ميثاق دمشق بها «7» محاور، الحوار كأسلوب ورفض العنف، والسلام، وإيقاف الحروب في السودان، والعمل الديمقراطي بتبني دستور يُرضي طموح الجميع، ورد المظالم ومراجعة العمل الاقتصادي والعمل الخارجي، هذا ما وقَّعه الشريف زين العابدين مع المؤتمر الوطني. خطواته وتفعيله وسرعة تنفيذه لو تمت بأسرع ما يمكن لما حدثت مشكلة، لكن «أن تأتي متأخراً خيرٌ من أن لا تأتي أبداً» جاءت بعده جيبوتي وجدة والقاهرة واتفاقية السلام وغيرها.. وهذا ما لم نكن نريده، كنا نريد عملاً شاملاً متكاملاً في حوار شعبي شامل، لكن الكثير من الناس تصوروا أشياء كثيرة وغير صحيحة وظنوا أنها نهايتنا السياسية لذلك تتجدد هذه الروح الآن لأن الوحدة الداخلية والجبهة الوطنية لم تحدث، وهذا ما يجعلنا في موقف ضعيف جداً أمام العالم القريب والبعيد. ما هي الأسباب الحقيقية للخلاف داخل الحزب الاتحادي وانشقاقاته المتكررة؟ بدأت بخلاف سياسي كما ذكرت بأننا اتخذنا أسلوب الحوار وهم رافضون لدرجة أن بعض الفصائل أطلقت شعارات سلِّم تسلم، لكن نحن قلنا إن الحوار هو شرعة إلهية تنزلت على ألسنة الأنبياء والمفكرين، والمطلوب الآن من الاتحاديين ليعيدوا هذا الحزب الذي ظل يتحدث أبناء الشعب السوداني أن المشكلة السودانية هي في عدم توحيد الحركة الاتحادية.. لأنه حزب وسط.. وليست لديه ارتباطات خارجية تشل من حرية حركته وتفكيره وهو الذي يعرف تماماً ويحسن استخدام علاقاته مع الآخرين، ليحقق بها أقصى ما يمكن بأقل خسائر، وأي إنسان الآن يعتقد أنه سيكون خالداً من كل قيادات الحركة الاتحادية، أو سيفرض نفسه بقوة أو بمال فهو مخطئ ويجب أن يعيد حساباته، أذكر قصة حدثت للرئيس الراحل إسماعيل الأزهري طيب الله ثراه عندما ذهب إلى مناطق الشمالية بعد الخلاف الذي حدث بيننا وبين الختمية وأُنشئ بموجبه حزب الشعب الديمقراطي، والوطني الاتحادي، ولم يقل إن هذه منطقة ختمية، وصل إلى منطقة فقابله أهلها بهتافات عنيفة: يسقط إسماعيل الأزهري، وقابلها الرئيس بصدر رحب، وقيل جاء أحد الشيوخ الكبار وقال أين أزهري هذا؟ فرد عليه الرئيس «أنا أزهري»، فقال له الرجل يسقط إسماعيل الأزهري ويعيش أبو هاشم، فرد عليه الرئيس حالاً: يسقط الأزهري ويسقط أبو هاشم وتعيش انت.. هذا هو أسلوب الحركة الاتحادية.. ارتباط تام بالمواطن والوطن لا عصبية ولا مذهبية.. تقول «الحركة الاتحادية» لكن حزبكم يوصف بأنه هو الذي شق وحدة الحركة؟ هذا غير صحيح.. هل استسلمت الحركة الاتحادية عندما أسست الحراك السياسي بمشاركة جميع المواطنين في تحقيق الاستقلال؟ وهي التي أسست الجبهة الوطنية الأولى ضد عبود! وهي التي أسست الجبهة الوطنية الثانية بقيادة الراحل المقيم الشريف حسين الهندي؟ نحن لا نحتكر العمل القومي، وعندما خرجنا ضد هذا النظام كنا المساهمين الأوائل ومعنا من كانوا في التجمع النقابي والسياسي قبل أن تنطلي عليهم لعبة التجمع الوطني الديمقراطي، نحن لا نؤمن بأن هناك أقليات بل مواطن ولديه حقوق مواطنة وعليه واجبات، لذلك الحركة الاتحادية مهما مرت بها ظروف فرقتها ستتوحد لأنها حركة جماهير وإرادة جماهير وليست إرادة أفراد بعينهم. بالرغم مما ذكرت لكن ما حدث داخل الاتحادي أضعف الحزب؟؟ هذا صحيح، أضعفه في هذه المرحلة وقلل من قدرته على التحرك الفاعل، لذلك ظللنا ننادي بتوحيد الحركة الاتحادية على شعار حرية الفرد، ويجب على كل الاتحاديين الآن أن يعملوا على توحدهم لإنقاذ البلاد والمساهمة في الحلول الناجعة.. كيف تنظر إلى المذكرة التي رُفعت ضد أمين الحزب الاتحادي؟ هذا شيء طبيعي، لكلٍّ آراؤه لكننا سنعالجها، فالأخ جلال هو الأمين العام الذي انتُخب وسنراجع وندعم كل عمل صحيح وسنعمل على معالجة كل الأخطاء التي وقعت سواء في الأقاليم أو هنا إن وُجدت. يقال إن الحزب الاتحادي «المسجل» محتكر في «جلباب» قيادات بعينها؟؟ أسلوب العمل في الفترة الماضية كان يحتاج إلى دفع وتجديد دماء وعمل كبير لجمع الصف الاتحادي، هناك ملاحظات في بعض الولايات بشأن الشراكة مع المؤتمر الوطني ليست بنفس المستوى كما بالمركز، في تقديري أن هذا من حق جماهير الحركة الاتحادية أن تناقش وترفع عبر المؤسسات وتناقش عبرها، لكن لا تصلح كمادة إعلامية يتبارى بها الناس، وعلى مستوى المؤسسات ليس هناك كبير على المحاسبة سواء كان الأمين أو مساعده أو نوابه ومن حق أي عضو اتحادي أن يتحدث عبر الأجهزة الحزبية وسيجد الأذن الصاغية. ما هو تقييمك للعلاقات مع دولة الجنوب الوليدة؟ هذه دولة انفصلت بفعل فاعل وبأخطاء من الجانبين، كل العالم في طريقه للتوحد لكن نحن العكس، دعك من كل هذا فإن ما بين الشمال والجنوب من عوامل طبيعية تتمثل مثلاً في نهر يجري بين الدولتين، ومن مصلحة البلدين لأنهما مكملان لبعض أن نتعامل بأسلوب يعود بالمنفعة للبلدين. لكن هذا ليس رأي الحركة الشعبية؟ الحركة الشعبية لا تمثل شعب الجنوب، والاتفاقيات التي تمت جاءت بين طرفين.. لم يشارك فيها أبناء الشعب السوداني، في الجنوب والشمال كاملاً.. كما أن الحركة الشعبية ليست دائمة وخالدة لتحكم الجنوب وكذلك المؤتمر الوطني والحزب الاتحادي أو أي حزب آخر، لذلك من الأصلح للبلدين أن ينظرا لمصلحة شعبيهما التي تحتم التعاون، مثلاً الجنوب يحتاج الآن إلى كل شيء من الشمال بدءاً من الملح والبلح والذرة والسكر ويأمن الذي يأتيه من الشمال أكثر من أي دولة أخرى. هل يمكن أن ينجح التفاوض مع دولة الجنوب؟ الحالة التي نمر بها مع دولة الجنوب مثل الذي «يعض أصبع الآخر» وينتظر من يصرخ أولاً، نحن أحسن حالاً لكن الجنوب أوضاعه الآن سيئة ويحتاج إلى كل ما ينتجه السودان، وللأسف الشديد أن بعض القوى الخارجية هي التي تحث وتدعم الخلافات بين الدولتين، والجنوب يجري خلفها، ونحن الحزب الوحيد في السودان الذي رفض مبدأ تقرير المصير لأنه خطأ ولكن لا بأس إن كان ثمناً لإيقاف الحرب والتي لم تتوقف حتى الآن.. وربما يكون للمستقبل حديث آخر ولكل حديث مقال حينها، وكما قيل «لكل زمان رجال» لماذا تم اختيار ملف النفط كمحور رئيس وأول في تقديرك؟ يعالج النفط قضايا كثيرة جداً، أهمها تحسين الوضع الاقتصادي بالبلدين، فالوضع كدائرة تتكون من النفط الحدود أبيي النيل الأزرق جبال النوبة يمكن الدخول لهذه الدائرة من أي باب، بدأنا بالنفط ليكون مغريًا للآخرين حتى يتحسن الموقف الاقتصادي، حينها سيجد الآخرون أو الطرف الآخر رغبة وجدية في إكمال هذا الاتفاق والذي يليه الأمن وفي حالة حل ملفي النفط والأمن سيكتمل كل الاتفاق. وفي حالة بدأوا بالنفط واختلفوا حول الأمن لا فائدة من أي اتفاق.