على خلفية الخلافات التي وصفت بأنها حادة بين قيادات الجبهة الثورية التي تضم حركات دارفور المتمردة وتتحالف مع فرع الحركة الشعبية الحاكمة لدولة جنوب السودان في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان السودانيتين، فقد نشبت هذه الخلافات الحادة بسبب «قطاع الشمال» وهو فرع الحركة الشعبية المقصود هنا في أديس ابابا للتفاوض مع الحكومة السودانية على خلفية هذه «الخلافات الحادة» ولا بد من تساؤلات مهمة نبدأها بأهمها وهو: ما هي قيمة حركات دارفور المكونة للجبهة الثورية لدى الحركة الشعبية الحاكمة في جوبا وكذلك «قطاع جمهورية السودان ولا نقول بعد الانفصال من ناحية واقعية «قطاع الشمال»؟ لقد انفصل الجنوب وبقي الشمال دولة قائمة بذاتها بدون الجنوب. إن الحركة الشعبية لا تحتاج أو ما عادت إلى حركات دارفور في شيء.. لا في سند ميداني ولا في دعم مادي ولا في علاقات دولية ولا في معادلة تغيير في الخرطوم. فالحقيقة هي أن حركات الجبهة الثورية لا يجمعها مع الحركة الشعبية إلا شيء معنوي واحد، هو العدو المشترك المتمثل في الحكومة السودانية.. ثم إن شدة البأس بين هذه الحركات وبداخلها لا يتيح الفرصة لاستفادة الحركة الشعبية منها، فهي موحدة وتمتد في دولتين، بينما حركات الجبهة الثورية التي تنتمي إلى اقليم واحد بحسب بنائها قابلة في كل لحظة لتفجر الخلافات وبابسط الأسباب.. وهذا بالطبع ما لا يتيح الاستفادة منها، فمن حين إلى آخر تحدث حالة انشقاق أو نزاع مسلح بداخلها، والآن الخلافات بين الجبهة الثورية تبقى غريبة وتدل على عدم وعي سياسي لقيادة «حركة» دعك من قيادة كل الدولة. فلماذا يعترض بعض قادة الجبهة الثورية على وجود «قطاع الشمال» في أديس ابابا للقاء الحكومة السودانية والتفاوض معها؟! وهل الحركة الشعبية الجنوبية أو ممثلة بقطاع الشمال يعني لها التوصل لأي اتفاق التخلي نهائياً عن حركات دارفور وعن دعمها ضد الحكومة ولو من باب «سهر الدجاج ولا نومه» حسب نظرية الثعلب الكيدية؟! تقول الجبهة الثورية إن قادة قطاع الشمال عقار والحلو وعرمان سيكررون تجربة الجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية مع المعارضة السودانية، ويقصدون هنا «التجمع الديمقراطي المعارض» الذي كانت قواته تحارب بدعم من حركة قرنق الحكومة السودانية من إريتريا.. ومعروف بالطبع حجم الخلافات في ذاك التجمع المنهار. ولكن من قال إن الحركة الشعبية تتعامل مع الأمور بتجرد وهي التي ظلت تشجع الحرب في دارفور وتوعد علناً بذلك؟ ولم يكن هناك داع للخلافات بين قيادات الجبهة الثورية سبب وجود «قطاع الشمال» في أديس أبابا، فالحركة الشعبية التي يمثل لها قطاع الشمال امتداداً داخل دولة أخرى هي السودان، لا تتعامل بمصداقية مع الاتفاقيات الموقعة، وليس لها موقف واضح غير أنها عدو أبدي للسودان بحكم أنها مرتبطة بدوائر غربية وصهيونية تملي عليها هذا العداء، ولو صادف أن يكون على حساب مواطن دولة جنوب السودان، فلماذا إذن الخوف من وجود «قطاع الشمال» في أديس أبابا؟! والغريب أن بعض قيادات الجبهة الثورية يرون أن يكون الحل لكل قضايا دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق في طاولة واحدة. وهذا موقف مستحدث طبعاً حسب الظروف الجديدة التي تمر بها حركات دارفور. لكن السؤال هنا لماذا لا تتحمّس حركات دارفور للتفاوض مع الحكومة كما فعل قطاع الشمال؟! وهل ما تقوله من قبيل الاستهلاك السياسي؟! والمدهش أيضاً أن الحكومة السودانية التي لا تستحسن التفاوض مع «قطاع الشمال» وتذهب إليه مضطرة، تواجه تعنت حركات دارفور في الجلوس معها لحل قضية دارفور، مع أنها تستحسن التفاوض معها. وحركات دارفور تريد استمرار الحرب في دارفور لأسباب لا علاقة لها بقضية الإقليم لذلك لا تفاوض. و «قطاع الشمال» هدفه من التفاوض ليس السلام والاستقرار كما هو مشهود، بل يريد إضفاء شرعية عليه لتحقيق مكاسب ما بعد «الاتفاق».