سببان اثنان، كانا وراء التدهور المريع الذي أفضى إلى حالة تشظٍ ضربت حركة العدل والمساواة في مقتل وأقعدتها عن مسيرة «النضال».. الأول: هو العدد الكبير من الجرحى والمصابين الذين سقطوا جراء الهزائم المتلاحقة للحركة منذ دخولها مؤخراً من ولاية الوحدة حتى وصولها إلى شرق الجبل عبر مناطق: «كركدي جنوب شرق عديلة، التبون، اللعيت، فتاحة، جبال عدولة وجنوب دار السلام» إلى أن بلغوا أي الجرحى أكثر من ثمانين جريحاً ظلوا هكذا دون أن تمتد إليهم يد الطبيب... أما الثاني: فكان السلوك الهمجي رغم أنه سلوك معتاد والذي اتبعته الحركة خلال مرورها بهذه المناطق بحثاً عن الوقود والتعيينات، إذ نهبت بوحشية مناطق: «حلة علي، شق الليون، بليلة، حبيب درمة، المتجر، دليل دخري، وش التور، أم ردم، أبو سفيان، قوقاية، شف برقو وغيرها»، الأمر الذي لم يرُق لبعض القادة أُولي الألباب، ظناً منهم أن العملية برمتها تأتي في إطار التشفي كون أن غالبية سكان هذه المناطق لا يدعمون التمرد، ولا يدينون بالولاء للأُسرة الحاكمة. وقد يخلُص الناظر لأمر الانشقاق من منظار ثاقب أو إيجابي إلى حقيقة أنه طبيعي لا يخصم من الحركة رصيدًا، بل ينقلها من ضيق البيت الواحد إلى رحاب القومية ذلك الشعار المقبور حين ينتفي الشعور بالتوريث مثلاً، كأن يذهب خليل ولا يأتي جبريل.. كما ينقلها كذلك من مربع الضغط على الزناد من غير ما هدف، إلى إحراز الأهداف دون إطلاق رصاصة واحدة.. حقيقة كهذه، يصعب استيعابها بمعزل عن سرد أحداث ستين يوماً مضت، كان خلالها يتشكل أعظم تغيير تشهده حركة «عنصرية» ولما كان مهدي جبل مون يستعد ليخطو خطواته الأولى قائداً للمتحرك الرئيس للحركة والمتجه من ولاية الوحدة جنوبي السودان إلى مناطق شرق الجبل، كانت الأصابع تضع حداً لحياة «أنور توم» أحد قادة المتحرك المقربين جداً من مهدي جبل مون، ولما كان منفستو الحركة يخول للقائد الميداني اتخاذ ما يحفظ للجيش تماسكه، كان مهدي جبل مون يُطبّق ما جاء في المنفستو بالحرف، ويُصدر حكمه بإعدام قاتل القائد «أنور توم»، ثم إن مهدي جبل مون يتم عزله فجأة عن قيادة المتحرك بحجة أن تمرداً أخذ يتشكل ضده، ويقوم الطاهر فكي قائد قوات الحركة بولاية الوحدة بسحب مهدي جبل مون إلى معسكر الحركة بورنتي... وبانتقال قيادة المتحرك للمدعو حامد آدم حسن، يصل القائد العام لقوات الحركة بخيت عبد الكريم دبجو لقناعة أن لا خيار غير خيار الثورة، وفي هذه الأثناء كان القائد الجديد «حامد آدم» يدفع أمامه مقاتلي الحركة الذين أُخذوا قسراً معظمهم من مناطق الذهب، حتى إذا اصطدموا بالقوات الحكومية قُتلوا أو لاذوا بالفرار... ورغم ذلك يمكن القول إن أحمد آدم حسن استطاع أن يبلغ مبلغه، ويصل بمن تبقى من قواته إلى مناطق شرق الجبل دون أن يترك خلفه جريحاً واحداً... ثم إن الثورة لدى بخيت دبجو كانت تنطلق من اعتقاله لقائد المتحرك أحمد آدم حسن وكل مِن معاونيه عوض متر وحسين كارلوس، وذلك بحجة الهزائم التي لحقت بهم جراء خوضهم لمعارك غير متكافئة مع الجيش الحكومي وهم في طريقهم من ولاية الوحدة إلى مناطق شرق الجبل... كما تنطلق الثورة لدى دبجو بإصدار توجيهات لكل القوات بشرق الجبل للتحرك من فورهم إلى وادي هور أقصى شمال ولاية شمال دارفور، مخالفاً بذلك تعليمات كانت قد صدرت من رئيس الحركة جبريل إبراهيم تقضي بعودة جميع القوات إلى دولة الجنوب...