إن من العجب العجيب ما يحدث الآن من بعض الإصدارات الغربية التي وفي تزامن غريب تظلُّ تتعمّد الإساءة إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، بل والأغرب أن يتوالى النشر ويستمر حتى بعد أن أدرك العالم برمته ما يمكن أن تفعله غضبة الشارع المسلم، وإلى أي مدى يستطيع الوصول دون أن توقفه حواجز أو أسوار أو حتى الرصاص والمدرعات. من العجب العجيب أن يستمر استفزاز المشاعر المسلمة كلما داخلها بعض، ونقول بعض، الرضى عن بعض ما تقوم به لنصرة رسولها صلى الله عليه وسلم. إن «التبعيض» هذا نكرره ونؤكده لأن الكثيرين ممن خرجوا في مسيرات نُصرة الحبيب التي انتظمت الشارع السوداني منذ تفجُّر الغضب، الكثيرين كانوا ولا يزالون يتآكلهم الحزن ألا يجدوا ما ينتصرون به لدينهم ولرسولهم سوى الخروج في هذه المسيرات وأكثرهم يتمنى أن يفعل ما هو أكثر من ذلك بحيث يلمس من اجترح تلك الفعلة بل وكل من ساهم بها وساعد عليها، أن يلمس عاقبتها في كل ما حوله.. في معاشه وعمله وحياته برمتها!! نقول ذلك لأنه ولما تزلْ الدماء تغلي في العروق، ولما يزلْ الغضب يعتمل في الصدور، ولما تزلْ النفوس يتجاذبها الحزن طورًا والأسى أطوارًا على قلة الحيلة التي تكبِّل مليار ونصف المليار بيدهم أن تدين لهم الدنيا بمن فيها... لما كل ذلك لا يزال يضطرم في العالم الإسلامي جراء الإنتاج السينمائي الذي حاول أن يجترئ على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فإذا بإحدى الصحف الفرنسية تلحقها نفس اللعنات وتستمطر عليها ذات الخزي وهي تخرج في أحد أعدادها للأسبوع الماضي محملة بذات السقطات التي أردت الفيلم الملعون وصُنّاعه في مشهد لا يكاد يبتعد كثيرًا عن مشهد الذباب وهو يتساقط الواحدة تلو الأخرى وهو يرقص من حول النار في جنون غريب. أن أقل ما كان يمكن أن يحدث، إن كان هذا الأمر عفوياً، هو أن يتم الاعتذار عنه من الجهات التي قامت به أو من المنافذ الرسمية للدول التي تنتمي إليها هذه الجهات وبالطبع يستتبع ذلك أن يتوقف مثل هذا الإنتاج وأيضاً أن يتم رسمياً منع الصحف والإصدارات بمجملها من العودة لمثل هذه الأعمال... ولكن !! إن ما يبدو جلياً هو أن الأمر مخطط له وبدقة والأهداف كثيرة قد نستطيع أن ندركها وقد لا ندرك إلا أقلها إلا أنه من المؤكد أن الغضب الذي أشعل السفارات الأجنبية في العالم الإسلامي نارًا وحرائقَ، والذي أزهق بعض أرواح العاملين بها في بعض الدول العربية، وبالطبع صعدت معها أرواح شهداء مضت مناصرة لرسولها، هذا الغضب كان ليردع أي أحد من أن يجترئ مرة أخرى على فعل ذات الشيء لو لم يكن هو نفسه أحد أهداف ما يظل يجري، ولو لم يكن مقصودًا لذاته. فالشعوب العربية التي أطاحت بالدكتاتوريات في ما سمي ب«الربيع العربي»، هذه الشعوب بدأت تتنسم هواءً جديدًا وأصبحت لها قيادات جديدة هي بلا شك تحمل ملامح لطالما تاقت إليها الأمة الإسلامية وبالتالي إن عاجلاً أم آجلاً ستتخذ الصورة بمجملها ملامح ظلت الصهيونية والصليبية العالمية التي تمسك بخناق العالم الغربي تخشاها وتحذر منها أبداً، ولهذا كان لزاماً أن يتم دق الأسافين بين هذه الشعوب وقياداتها الجديدة وإحراجها أمام شعوبها وما حدث في تونس بين السلفيين وحكومة النهضة هو خير دليل على ما نقول وبمثله في كثير من الدول الإسلامية بل ولم نذهب بعيدًا والخرطوم نفسها تشهد على ما يمكن أن تحدثه مثل هذه الفتنة بين الشعوب الإسلامية وحكوماتها وما يمكن أن يجري في مثل هكذا أحداث. وهذا لا يقلُّ بشاعة عن الكثير من الأهداف الأخرى التي تسعى إلى إشعال الفتنة بين الشعوب الإسلامية وتلك الغربية التي في كثير من الأحيان لا يكون لها ناقة ولا جمل فيما يحدث، بل إن هذه الشعوب هي مستهدفة بالدعوة إلى الإسلام والدين الحق ووجوب العمل على إخراجها من الظلام الذي تعيش فيه إلى نور الإسلام المبين، والذي يحرص المتربصون أن لا يحدث وأن تظل هذه الشعوب في جهالتها وغفلتها. إن الغضب يعمي في كثير من الأحيان عن رؤية الحقائق، والواجب أن يعاد تقييم المواقف، ليس على مستوى الشعوب الإسلامية. فما فعلته كان لزاماً إزاء الاستفزاز المتواصل، ولكن الواجب على القيادات الإسلامية والعربية أن تتخذ موقفاً واضحاً وواحدًا تجاه هذا الأمر، ولعله يكون فاتحة خير لتوحيد كلمتهم ومَن غير الرسول عليه السلام وحّدها وسيوحّدها وهذا الدور يمكن أن تضطلع به أي من الأجسام الموجودة سواء الجامعة العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي، وبالعدم يمكن أن تدعو إليه أيٌّ من الدول«صاحبة المبادرات» للاتفاق على موقف موحّد تجاهه واتخاذ قرارات اقتصادية بالمقام الأول ومن ثم سياسية كعقوبات على كل الدول التي تتولى كِبر هذا الأمر وتدعم القائمين به سواء بالدفاع عنهم أو بالصمت تجاه ما يقومون به، وهي خطوة ستكون لها آثارها التي لا تخفى على مجمل حياتهم ومعاشهم الذي لا يكاد يستقيم بدون العالم العربي والإسلامي، وهي من بعد خطوة تؤكد بحق نصرتنا لنبينا عليه الصلاة والسلام فعلاً لا قولاً، والذي هو منصور بنا أو بغيرنا حتى يرث الله الأرض ومن عليها.