رحلة شاقة جداً قمت بها لكل من جيبوتي وجنيف والقاهرة، وكانت المحطة الأولى جيبوتي القرن الإفريقي، حيث قضيت فيها خمسة أيام في اجتماعات مطولة ودقيقة وشاقة مع المنظمة الإفريقية مزمع القدرات، وهي منظمة عمل في مجالات تدريب الصحافيين وتأهيلهم تابعة للبنك الدولي، ومصدر المشقة كانت الأكاذيب التي بثها عبر الانترنت أمين عام النقابة اليوغندية للصحافيين ضد الأمين العام لاتحاد صحافيي شرق إفريقيا، وبالرغم من أنها لم تكن مبنية على أية درجة من الحقائق أو الأدلة، إلا أن الطلقة التي لا تصيب تدوش، وكان لا بد لمثل هذه المنظمة العالمية المانحة أن تتحقق بالمستندات أن اتحاد شرق إفريقيا يعمل بشفافية ومؤسسية، وطالبوا بمستندات معينة وتقارير مالية وفعاليات، فكان لهم ما أرادوا واستمر هذا البحث خمسة أيام مع اجتماعات متعددة مع كل من الأمين العام، الرئيس، أمين المال، البنوك والتوقيعات وكل ما طلبوه، وكان الطقس الحار جداً هو العلامة البارزة لزيارتنا لجيبوتي. أما المحطة الثانية فكانت إلى جنيف «سويسرا»، حيث تتجمع العديد من المنظمات المدنية والوفود الحكومية لإدارة حوارات حول مواقف حقوق الإنسان في مختلف دول العالم، فقد نظمت المنظمات الوطنية السودانية بقيادة المجموعة الوطنية لحقوق الإنسان ندوة في واحدة من قاعات الأممالمتحدة بعنوان «علاقات الدولتين السودانيتين إلى أين؟»، تحدث فيها البروفيسور إبراهيم غندور رئيس اتحاد نقابات العمال السوداني، والدكتور حسين كرشوم، والدكتور محيي الدين تيتاوي رئيس اتحاد الصحافيين السودانيين، بحضور مكثف، وتناولوا خلالها موضوعات تتعلق بتاريخ هذه العلاقة منذ آلاف السنين مروراً بالعهد التركي القديم والعهد المهدي ومرحلة الحكم الثنائي، وهي المرحلة التي وضع فيها وطبق قانون المناطق المقفولة والفصل الحقيقي لجنوب السودان ومنع السودانيين من التواصل مع بعضهم في الشمال والجنوب، وانتهاء اتفاقية السلام الشامل والاستفتاء لتقرير المصير والاعتراف بالدولة الجديدة، ثم المشكلات التي عرفت بالقضايا العالقة وقادت إلى المواجهة العسكرية الأخيرة. وتناولت في حديثي قضية حرية التعبير في السودان، وهي جزئية من تقرير الخبير المستقل الجديد الذي تم تعيينه من قبل مجلس حقوق الإنسان في دورته السابقة أي قبل نحو سبعة أشهر، فأشار في تقريره إلى انه لم يتمكن أو يمكن من زيارة دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، فجاء تقريره في صورة أشارت إلى أن انتهاكات حقوق الإنسان في السودان مازالت قائمة في شكل اتهامات للحكومة بعرقلة أداء الخبير الجديد الذي تم تعيينه وفق منطوق «الفقرة العاشرة» التي تقضي بضرورة تقديم المساعدات الفنية للسودان والمنظمات المعنية بالتدريب على مراقبة وصيانة حقوق الإنسان في السودان، غير أن الملاحظ أن الخبير المختص الجديد ناميبي الجنسية، يعني إفريقي دخل في دائرة المراقبة، وليس تقديم الدعم الفني، بما يشير إلى خروجه عن اختصاصه وتقريره الذي يشير إلى ذلك، مما دعا دول الاتحاد الأوروبي جميعها إلى التركيز في مداخلاتها في الجلسة العامة على هذه المناطق الثلاث وحرية التعبير واتفاق الصحف وقمع المظاهرات الاحتجاجية والتعذيب في السجون وأحكام الرجم بالحجارة حتى الموت.. بالرغم من أن كل ذلك لم يكن يعتمد على شيء من الحجة والمنطق.. ولكن هو حكم القوى على الضعيف رغم أننا لسنا بالضعفاء. عموماً نحن في السودان بحاجة إلى المزيد من التركيز والجهود لمقاومة هذا التوجه الظالم الذي ركز فيه الأوربيون بقضهم وقضيضهم خاصة الدول السلوفاكية وكرواتيا واليونان وقبرص وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي التي تحدثت بلسان واحد ونغمة واحدة.. ورغم ذلك فإن التعقيب الرسمي أو الحكومي الذي قدمته وزارة العدل انتقد عدداً من فقرات تقرير المقرر وصحح العديد منها، وكذلك مداخلات منظمات المجتمع المدني، غير أن الأمر هو عبارة عن معلومات منقولة من أفراد ومنظمات وجهات سياسية تملك هذه الدول والمنظمات معلومات غير صحيحة وغير دقيقة بهدف تشويه صورة الشعب السوداني والسودان بصفة عامة، وسوف أعود لتلك المنظمات والأفراد الذين يرسلون المعلومات الى الخبير والمنظمات الصهيونية والغربية التي تعادي السودان دون غيره من الدول التي تمارس الانتهاكات بصورة لا تحتاج حتى إلى تقرير المتضررين.