أنهى الرئيس السوداني عمر البشير وسلفا كير ميارديت رئيس دولة الجنوب الخميس الماضي جلسة مباحثات بينهما اُحيطت بسياج من السرية تناولت القضايا محل الخلاف بين البلدين. وبدأت المحادثات التي تجري بوساطة الاتحاد الأفريقي في العاصمة الإثيوبية قبل عدة أشهر من انفصال جنوب السودان في يوليو من العام 2011م ما حتّم على البلدين الاتفاق على تفاصيل النفط، وكذلك وضع منطقة أبيي المتنازع عليها وترسيم الحدود وإقامة منطقة عازلة منزوعة السلاح تهدف إلى منع تجدد المواجهات الحدودية وأيضا إلى قطع خطوط إمدادات الحركات المتمردة الناشطة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق السودانيتين التي تتهم الخرطومجوبا بدعمها. ويأتي تكثيف المجتمع الدولي الذي يشعر بقلق شديد من تحول الخلافات بين جوباوالخرطوم إلى نزاع جديد واسع النطاق ما زاد من ضغوطه على الدولتين كي يتوصلا إلى اتفاق نهائي بعد الاشتباكات الدامية التي اندلعت في مارس عندما سيطرت قوات الجنوب على حقل هجليج ،ما دفع الخرطوم إلى استعادة المنطقة بالقوة، وكان لابد من بروز ملف أبيي على سطح المفاوضات بصورة حاسمة خاصة بعد رد الوفد المفاوض على مقترحات ثامبو أمبيكي رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى حول المنطقة الذي أغضبه على الرغم من تباعد المواقف ودفعه بمقترحات أخرى تعالج تحفّظ الحكومة الموضوعي حول المنطقة، جعلت د. محمد حسين أبو صالح الخبير الاستراتيجي لدى مهاتفته «الإنتباهة» يؤكد أن قضية أبيي تكمن في أن لجنة الخبراء التي كُونت في نيفاشا خرجت عن التفويض الموكل إليها ووضعت حداً، ولم يقف الأمر هنا «والحديث لأبو صالح» بل تدرجت القضية حتى وصلت إلى لاهاي ومن جديد تم السير في نفس الخطأ ومن هنا صدر بروتوكول أبيي ما جعل السودان لا يثق في المجتمع الدولي لسعيه لتثبيت أجندته الخاصة سواء أكانت الولاياتالمتحدةالأمريكية أو غيرها.. إذن قرار محكمة التحكيم الدولية بلاهاي في 22 يوليو في العام 2009م الذي ذكرت فيه محكمة التحكيم الدولية أن خبراء لجنة حدود منطقة أبيي تجازوا التفويض الممنوح لهم جزئياً ثم رسمت حدوداً جديدة لأبيي، هذا القرار تم قبوله من قبل الحكومة السودانية والحركة الشعبية ودينكا نقوك ولكنه رفض من قبل المسيرية الشئ الذي قد يؤدي إلى مزيد من الصراع بالمنطقة، وأن وجود القوات المسلحة في أبيي يأتي وفق البروتوكول والاتفاقيات اللاحقة التي تحكم الوضع فيها، وأن هناك ثلاثة بنود يجب أن تسبق سحب القوات تتمثل في تكوين اللجنة الأمنية المشتركة بين السودان وجنوب السودان وبين القوات الإثيوبية التي أقرّ مجلس الأمن الدولي في يونيو 2011م نشر قوة حفظ سلام أممية قوامها «4200» جندي إثيوبي بمنطقة أبيي، والبند الثاني تكوين المؤسسة الإدارية التي تُعنى بالشأن المدني وقد كانت مسؤوليتها الأمنية تولتها اللجنة الأمنية بحيث تقوم المؤسسة الإدارية بتوفير الخدمات للمواطنين، والبند الثالث يتمثل في تكوين المجلس التشريعي الذي يتولى سن التشريعات لأن منطقة أبيي أُعطيت خاصية عدم تبعيتها لأية ولاية من ولايات السودان، بل تتبع لرئاسة الجمهورية مباشرة.. اشتراط الوفد السوداني المفاوض موافقته على الخريطة المقدمة من الوساطة الإفريقية بالاتفاق بين الدولتين على ترتيبات خاصة لمنطقة «14» ميل جنوبي بحر العرب وتقديمه لمقترحات عملية ومحددة في شأن هذه الترتيبات والتشديد بذات الوقت أن التفاوض والاتفاق في هذا الصدد يتعلق بخريطة لأغراض أمنية مؤقتة ولا علاقة لها بالتفاوض بين الدولتين حول الوضع النهائي للحدود بينهما في شأن المناطق الخمس المختلف عليها، بما فيها منطقة «14» ميل ، جعلت د. أبو صالح يشدد على ضرورة إعادتها للطاولة الداخلية، ويُرجع ذلك إلى أن القضية أصبحت وسيلة لتحقيق الأجندة الخارجية عن طريق الحركة الشعبية، وهذا يُحتّم عودتها للداخل حتى يتم تجاوز الصراع الاستراتيجي الذي سيسببه إن تم تداوله خارجياً أكثر.. بيد أن المفاوضات الأخيرة أرجأت النظر في القضية نسبة لتباين النظر حولها. وقال وزير الدفاع الفريق ركن عبد الرحيم محمد حسين إن القضية معقدة، لكنه أشار إلى أنه تم الإتفاق على تنفيذ فك الارتباط بين الفرقتين العاشرة والتاسعة التابعتين لجيش الحركة الشعبية بمناطق جنوب كردفان. في حين صرح رئيس وفد التفاوض في مؤتمر صحفي أمس الأول أن الحكومة السودانية تمسكت ببروتكول أبيي وقيام الاستفتاء. وأشار إلى أنه إذا أتفق الطرفان للتفكير خارج البروتكول سيكون التفاكر سياسياً حول حلول أخرى للأزمة، غير أن متحدثاً باسم قبيلة المسيرة اعترض على مقترح الحركة الشعبية بإحالة القضية إلى مجلس الأمن. وقال إن القضية سودانية ويجب حلها بواسطة السوادنيين. ومن هنا تنطلق الرؤى بضرورة الإسراع لتوقيع اتفاق يطفئ جمر الخلافات المشتعل بين البلدين إزاء هذه القضية الشائكة ودون أن تحدث شرخاً في الداخل.