لقد كان للأدب الجهادي دور في إثراء الوجدان السوداني وشحذ الهمم وترقية الذوق، ودخلت من خلاله مفردات في قاموسنا اللغوي أضحت أهازيج يرددها الجميع، ويتغنى بها الصغار والكبار، غرست قيم الولاء للدين والوطن، وألهبت الحماس فعلت من معاني الجهاد والاستشهاد. وجادت قريحة شعراء السودان خلال مسيرة الجهاد بكلمات ستبقى في ذاكرة الأمة، تجدّد الأشواق وترسي لأدب النفرة للذود عن الوطن وحماية مقدّراته، فهناك من القصائد الشعرية التي نظمت من وحي الخنادق وتحت أزيز المدافع تحمل أهداف تلك المسيرة القاصدة، التي روتها دماء ذكية، وخلّدتها مواقف حية للمجاهدين الذين قدموا الأرواح من أجل عقيدتهم. ومن تلك الكلمات المعبقات بمعاني الرباط وحب الوطن، (في حماك ربنا.. في سبيل ديننا.. لا يروعنا الفناء.. فتولى نصرنا)، وقصيدة (الطاغية الأمريكان ليكم تدربنا) و(الدبابين أسود الغابة). وكثير من المفردات التي صدح بها المجاهدون وترسخت في مجتمعنا كانت من واقع التجربة الجهادية التي أفرزت هذا الأدب، وتجاوب معه الجميع. ونود أن نقف في هذه المساحة مع شاعر جهادي أثرى مكتب الدفاع الشعبي بديوان متميز جاء بعنوان: (صهيل الحروف) وهو الشاعر ياسر عثمان أبو عمار الذي قدّم مجموعة شعرية حماسية قمة في الروعة من حيث الصياغة وانتقاء الكلمات التي استوحاها من أرض المعارك، فجاءت في عامية سودانية بطعم الجهاد والاستشهاد. وفي إحدى قصائده مخاطباً المجاهدين يقول: اقهِروا للظروف ما تلينوا العزماتْ وحِّدوا للصفوف وسدِّدوا الثّغراتْ واسعوها السيوف لي حلة الأزماتْ شدّوها الخيول تَهجمْ بتكبيراتْ ودقّوها الطبولْ تسبيحنا بالدّاناتْ أرعوها الأصولْ ما تسقط الراياتْ وبيعوها النّفوسْ للّه بالجنّاتْ وكما كثير من المجاهدين نظموا لأمهاتهم شعراً من داخل خنادقهم مثل الشهيد علي عبد الفتاح في قصيدته: (أُمَّاهُ لَو أبصرْتِنا في معمعٍ والقَصْفُ يرعدُ والدّخانُ مُثارُ). كتب شاعرنا أبو عمار رسالة إلى أمه التي أرضعته البطولة والإقدام تلك الكلمات فقال: وقولي لأمي الحنينه يمه شان نحمي الهويه سرنا في درب القضيه زادنا مصحف وبندقيه وأصلها الأنفس مباعه يمه لي ربّ البريه أصلو يمه القعدة شينه وفيها ذلنا لو رضينا بالجهاد الخير يجينا نحن صممنا ومشينا وفي حق الوطن وقواته المسلحة والمجاهدين وأطماع العدو في مكتسباته، تحدث الشاعر في عزةٍ وثبات جاهزية لصد كل من يحاول المساس به فقال: كبرْ يا وطن ما تخشى أي جموعْ كيد الكائدين في نحرهم مرجوعْ في الميل أربعين شلناها نحن بيوعْ تقدل في ثبات ما تبقى يوم مفجوعْ كبرْ يا وطن ما تخشى أي عصابه تكبيراتنا فوق جيشنا بتزيدوا صلابه الدبابة جات دبابنا قام وسخابه أما الشهداء فقد جاء في ديوان (صهيل الحروف) الكثير في الثناء على مجاهداتهم ومواقفهم البطولية النادرة وتضحياتهم من أجل قضيتهم السامية. ونختار ما كتبه في حق الشهيد عبد المنعم الطاهر قائد ملحمة توريت. قال فيه: كنتَ العزة للعسكر محل ما قاموا ركّاب للخيول صف الرجال قدامو سجّاد للكريم حر النهار صوّامو لا قاي للبضيق بحر المحن عوامو عاهدتَ الإله والأمة تشهد ليك ما في ولد مرا شاف بطن كرعيك ثابت في المحاص مضروب لقوك في وشيك فارس ود رجال واللهِ نفخر بيك كذلك من أجمل ما جاء في (صهيل الحروف) تلك المنظومة في حق الوطن يؤكد فيها الشاعر أبو عمار هوية الأمة وإرثها الخالد في المضي بالسودان للنصر في مواجهة التآمر لمشروع قدّم من أجله الأخيار أرواحهم : عشانك ننازل جيوش النوازل نشيل الأمانة ونوقف سيول المهازل نحددْ عهودك ترفرف بيارق صمودك تأكِّدْ وجودك سيادة حدودك خلاوي وقنابل ملامح هويتك صلاتك سجودك عبايه وحجاب بنعشق حنينك نرصِّع جبينك ... فضيلة وسنابل عشانك دماء الشهيد الذكية بتكبر معاني وعن أمر السلام، جاءت كلماته معبرة تدلل على رغبة المجاهدين في السلام العادل، فهو أمر رباني حضّ عليه الإسلام إذا جنح العدو له، وليؤكدوا أن المقاتلين في الدفاع الشعبي إنما خرجوا لإرساء دعائم السلام، لذلك كانت قصيدة (دايرين السّلام) تعبّر عن هذه المعاني: دايرين السلام شان بيهو اللّه أمرنا مُو خوف من جموع ولا الدواس فَتّرنا كان جنح العدو للسلم تمَّ أُمرنا وإن دار الكتال المولى وعدو نصُرنا ************ سودانا الوسيع نيلنا العظيم راويهو والبترول طلع خيرنا الكتير نجنيهو الداير السلام إن جانا مرحب بيهو والداير الدواس بالكاس سموم نسقيهو فالتحية للشاعر المجاهد أبو عمار الذي أبدع في نظم الشعر الحماسي، فقد ظل مجاهداً بالكلمة مرابطاًَ في ثغور الوطن، نتمنى أن تفعَّل رابطة شعراء الميدان وتجد أشعارهم من يتبناها لرفد المكتبة السودانية والأدب الشعبي بهذا النظم المميز.