لن نضيف جديداً إذا قلنا إن دولة الجنوب السوداني تعتمد علينا في مائة وثلاث وسبعين من السلع الغذائية الأساسية.. ومن هذه السلع: السكر والشاي والبن والدقيق والشعيرية والمكرونة والبسكويت والأرز والعدس والزيت والبصل واللبن المجفف والملابس والقماش والأحذية و«الجزم» والحلاوة والطوب والأسمنت والرملة والحديد وكل حاجة إلى أن يصل العدد إلى مائة وثلاث وسبعين سلعة. ولن نضيف جديداً إذا قلنا إن دولة الجنوب الآن تعاني من الجوع وانعدام السلع وجفاف الأسواق وارتفاع الأسعار.. ذلك لأن الدول الإفريقية المجاورة لم تعد قادرة على إمداد شعوبها ناهيك عن إمداد الجائعين الجدد. وهذا الوضع جعل المواطنين هناك يعيشون تحت ضغوط المجاعة والمسغبة والعوز.. وبعضهم هبّ إلى يوغندا وكينيا وبعضهم «جانا راجع» وهنا مربط الفرس.. فلا بدّ أولاً أن نبعد عن تفكيرنا ذلك التصور الأعوج والتعاطف الضار الذي نكنه للجنوبيين في السابق.. فهؤلاء القوم هم رعايا دولة أجنبية في مقام العدو حسب إعلان المجلس الوطني.. وهي دولة مارقة علينا راغبة في تدميرنا، لا ترجو لنا أي خير ولا تعمل فينا إلا كل الإيذاء وهي دولة تستعين علينا بأعدائنا وهي تدعم المارقين والمتمردين من أولادنا ومن غيرهم، ولذا وجب أن نعامل هؤلاء القوم بنفس القدر من رد الصاع صاعين.. وهي بلاد لم يأتنا منها خير منذ أن ضمها الفرنجة تعسفاً إلينا قبل ستين عاماً.. وظلت تعيش طفيلية علينا تأكل ولا تعمل تطلب ولا تعطي تأخذ ولا ترد. ولهذا فقد وجب على كل السودانيين أن يتعاملوا الآن بالمنطق والمصلحة القائمة والدائمة فقط.. ولا يجب أن نتعامل بتلك الطيبة والعواطف و«العوارة» و«الهواجة» التي أوردتنا المهالك.. فهم دولة جارة ومناوئة يجب أن نوقف منها كل ما يمكن تهريبه من السلع الغذائية والدوائية.. فشعبنا أحق بالغذاء والدواء وأطفالنا أحق باللبن المجفف وعلى الحكومة أن تتخذ كل التدابير اللازمة لقفل الحدود وإصدار القوانين الرادعة والرادعة جداً والقاهرة التي تمنع وتوقف التهريب تماماً.. وقد لا يكفي فقط أن يتم إصدار أحكام السجن على المهربين أو مصادرة الشاحنات ولكن كان من الضروري أن تكون هناك أحكام أكثر ردعاً. ولعلنا هنا نذكر قصة ذلك الرئيس الإفريقي في إحدى الدول الذي كانت تشكو حكومته من انعدام وقلة الرغيف وضعف وزنه واتخذت كل التدابير ولكن لم يحقق ذلك شيئاً.. وفي ذات اليوم قام الرئيس في تلك البلاد وكان عسكرياً بالمرور على المخابز والطوابين ومعظمها كان يعمل على طريقة الأفران البلدية ومرّ الرئيس على أحد المخابز ووجد العاملين فيه وهم يسرقون الأوزان ويساهمون في صنع السوق الأسود فقام بالقذف بهم كلهم في الفرن وطبخهم وخبزهم مثل الرغيف ومنذ ذلك اليوم لم يتلاعب أي خباز في تلك البلاد حتى بعد ذهاب الرئيس الإفريقي المعروف. وإذا كنّا قد توصلنا مؤخراً إلى اتفاقية للتبادل التجاري فليكن ذلك على طريقة «الحساب ولد».. يعني لا بد أن تقوم الحركة الشعبية وحكومة الجنوب بفتح اعتمادات مستندية غير قابلة للنقض Irrevocable LCS ومستحقة الدفع عند الإبراز ومضمونة من بنوك عالمية درجة أولى، وأن يكون الدفع باليورو حتى لا يصادره الأمريكان.. وقد سبق أن وقع كثير من التجار الشماليين الشركاء في مأزق مع بعض الجنوبيين عندما «إتلحست» ملايين الدولارات القادمة من الخارج بعد وصولها إلى جوبا وصار الشركاء الشماليون مفلسين تماماً. ويجب أن تكون التجارة مضمونة بالقيود والمواصفات والشروط الدولية يعني لا يتم شحن البضاعة إلا بعد استلام قيمتها أو ضماناتها المستندية والتأمين عليها وفقاً لمواصفاتها المعيارية ويجب ألا يحدثنا أحدهم عن العلاقات الأزلية والأشقاء والأصدقاء وعن وهمة: «منقو قل لا عاش من يفصلنا».. فقد فصلنا وانتهى الأمر، وصار من الضروري على كل فرد أن «يطلع جبلو» ولا أعتقد بأننا بحاجة إلى استيراد عصي الأبنوس أو «الفنادك» من جوبا ومنقة كسلا أحلى من منقة الجنوب وفاكهة الأناناس حامضة الطعم وقد تسبب الحساسية للبعض.. وهذا كل ما يوجد في الجنوب للتبادل التجاري. { كسرة: أبدت حكومة السودان نوايا أكثر من طيبة وربما استبقت مباركة الاتفاقية وبدأت في تحجيم وطرد الحركات المناوئة لحكومة سلفا كير.. فمتى نرى حكومة الجنوب وقد قامت بطرد عرمان وعقار والحلو وجنودهم كبادرة على حسن النوايا وتطبيقاً للاتفاقية التي تدعو لفك الارتباط بقطاع الشمال. { كسرة ثانية ماذا سيحدث في أمر الجنوبيين العالقين في الشمال الذين «ما عايزين يمشوا» وهل مجرد التفكير في الحريات الأربع يجعلنا ننسى ترحيل الجنوبيين؟ ونتوقع رجوع الباقين كلهم بدون فرز.. علماً بأنهم صوتوا للانفصال بنسبة «99.9%» وقالوا باي باي للعروبة والإسلام والمندكورو «مع أنهم قالوا باي باي إلا أنهم لازالوا قاعدين بي جاي».. والآن يا جماعة الإشارة جاي ولا جاي.. يا السايق البوباي. --- الرجاء إرسال التعليقات علي البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.