يقول اللَّه تعالى: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين».. وقال منزل الكتاب: «لا إكراه في الدّين قد تبين الرشد من الغي».. هذا قرآن رب العالمين نزل به الروح الأمين رسالة خالدة إلى يوم الدين تخاطب سيد المرسلين محمداً صلى الله عليه وسلم والأمة من بعده. والشاهد في هاتين الآيتين الكريمتين يبين الله تعالى لنبيه المعصوم أن الإيمان باللّه تعالى وبرسله وكتابه واليوم الآخر وبالقدر لا يكون بالإكراه وحمل الناس إليه بالقوة والسيف والتهديد، وإنما يكون بالإقناع والبيان المؤثر والحجة والبرهان والدعوة بالتي هي حسنى والمجادلة بالتي هي أحسن حتى يتم الإقناع الذي يعتمد على الحوار والأدلة.. ويُفهم من الآيتين أيضاً أن الله تعالى وهو الغالب والقاهر فوق عباده يؤكد أنه خلق الناس مختلفين بل لأجل هذا الاختلاف خلقهم «ولذلك خلقهم» آية وعلامة من علامات قدرته فهم يختلفون في الألسن والألوان والأحجام والخُلق والخَلق والقلوب والعقول.. لذلك طبيعي أن يختلفوا في الآراء والأفكار والاعتقاد والتصور وهذا شيء بدهي لا يختلف حوله عاقلان. إذا كان الأمر كذلك هل من العدل والإنصاف والبصيرة السوية يجوز للأخ الدكتور عبد الرحمن الخضر أن يصادر حرية أفكارنا أو يحدد لنا ما نقوله ممّا لا نقوله ونفعله؟.. هل يريد أن يكون وصياً علينا؟.. هل يريد أن يهددنا بالسيف والقانون الناجز الاستثنائي؟.. هل يريد أن يعود بالذاكرة إلى ما قاله فرعون لقومه: «ما أريكم إلاّ ما أرى وما أهدكم إلاّ سبيل الرشاد»؟. الدكتورعبد الرحمن الخضر والي الخرطوم نكِنّ له احتراماً كثيراً وتقديراً وفيراً، وسبق لي أنا شخصياً أن أشدتُ أكثر من مرة ببعض مواقفه.. وكنت معتقداً أنه أقرب رجال المؤتمر الوطني حالياً إلى تفهم الآخر، وتفهم مطلوبات الدعوة والحوار. ومن أهم مرتكزات الحوار والتوازن الفكري بل الواجب الديني الاعتراف بحقوق الآخر حق الحياة.. والتنظيم.. الاعتقاد .. وحرية التعبير والتفكير دون إكراه أو مصادرة أو مضايقة أو تهديد.. هذا مع الكافر والمشرك والمنافق.. دع عنك المسلم الذي له حقوق إضافية منها أخوة الإيمان والنصرة والتعاون وحفظ ماله ودمه وعرضه والإحسان إلى جواره.. إن الإسلام يحارب ممارسة الإرهاب الفكري على الآخرين دون وجه حق.. إن على الإمام أو الحاكم أو الوالي في ضوابط الدِّين الحنيف أن يرعى حقوق جميع رعاياه دون محاباة أو مجاملة على حساب أحد، وأن يحكم بالعدل في القضية ويقسم بالسوية.. إن والي الخرطوم رجل دولة ووالي أكبر ولايات السودان من حيث السكان وحركة الدولة فهو الوالي حيث العاصمة وهذا يكفي.. الأمر الذي يتطلب الحصافة والكفاءة وروحًا رياضيًا أكبر وإيماناً قوياً بالآخر مع احترامه وإن اختلف معك هذا الآخر. إننا نرفض بشدة وندين بأقوى العبارات التصريح لا التلميح الذي أدلى به الأخ والي الخرطوم أمام اجتماع مجلس الوزراء الطارئ الذي ناقش اتفاقيات التعاون المشترك التي وُقِّعت بقيادة الرئيس البشير حين طلب من مجلس الوزراء ردع الإنتباهة وإيقافها ووصفها بالتخريبية.. وهو يؤكد أنها الأوسع انتشاراً والأكثر توزيعاً!! نأمل أن تكون هذه زلة لسان من الأخ الوالي، ونحن نؤمن أن للسان زلات.. ونأمل ألاّ يكون هذا تربص وقصد. وإن كان الأخير نعتقد أن الأخ الوالي وهو رجل دولة يريد أن يصادر حقنا في التعبير والتنظيم ولن نقبل ذلك ضربة لازب.. لأن الوالي في هذا لا هو قيِّمٌ علينا ولا هو وصيٌّ علينا، وليس من القانون في شيء أن يحملنا على ما يريده هو. نتساءل: هل عبارة ردعها التي يطلب من مجلس الوزراء الموقر أن يمارسها على «الإنتباهة» تكون بالقانون أم بالجبروت والانتقام؟ إن لمثل هذه المشاكل جهات اختصاص عدلية وليست حقًا للوالي أو أولئك الوزراء الذين طلب منهم أن يفعلوا ب«الإنتباهة» ما يريده والي الخرطوم الخضر. هل «الإنتباهة» فقط وحدها هي التي تقلب الأمور وتتجه بها حيث تريد؟ لماذا القنوات والإذاعات والإستادات والمراكز الثقافية والمسارح والصحف السيّارة والدوريات ومنابر الجامعات وكثير من المساجد والمنابر التي توالي الوالي وتخضع لتصرفه لماذا لا يحرضها لتواجه ما يكتب في «الإنتباهة» أو ما يتبناه منبر السلام العادل بالحجة والمنطق والفكر والحوار؟ كلٌّ يعرض بضاعته.. لماذا يتضايق الأخ الوالي من منبر واحد «الإنتباهة» وهو يملك ألف منبر؟ لماذا يضيق الأخ الوالي صدراً وهو رجل الدولة والدعوة الذي ينبغي أن يكون رحب الصدر يقارع الحجة بالحجة والفكر بالفكر؟.. لأن الفكر لا يقارَع إلاّ بالفكر.. ومن يقارع الفكر بالسيف فهو العاجز. «الإنتباهة» تعبر عن حشود كبيرة جداً داخل ولايتك أخي الوالي.. وإن كنت لا تدري فعليك الآن أن تدري.. فهي ليست نبتاً غريباً معزولاً لكنها انتباهة في زمن الغفلة.. وهي صوت الأغلبية.. ولا نريد أن ننزع منك اعترافاً قسراً فأنت مؤمن بذلك. عليه نؤكد أننا مع السلام العادل الذي يحفظ هوية الأمة والبلد ويؤكد سيادة القانون والسيادة على الأرض، ويحفظ الأمن القومي ويعز الإسلام والمسلمين، وتلك مواقف لن نحيد عنها ولا نقبل في سبيلها مزايدة أو تهديداً أو وعيداً.. ونتعجب كثيراً أن يصف الأخ الوالي «الإنتباهة» بالتخريبية!. أيها الأخ الوالي العزيز والي الخرطوم ومن سار على دربه ولا أظن أحدًا يسير على هذا الدرب.. قل لي من غير «الإنتباهة» تصدَّت بقوة للقوات الدولية الغازية.. قل لي من غير «الإنتباهة» فضح جرائم المحكمة الدولية؟ قل لي من غير «الإنتباهة» فتح الصفحات الكبيرة للتبشير بمشروع الشريعة والدستور الإسلامي؟. إن «الإنتباهة» يكتب فيها ويحررها الخيرة من أبناء هذا البلد نزاهة وأمانة وحسن خلق ووطنية وفقهًا ودينًا وأخلاقًا ولا نزكي أحداً على الله.. ويكتب فيها العلماء والأئمة وبناة الأجيال في الجامعات ومراكز الدراسات، ويخصها كبار الدبلوماسيين والقانونيين ورجال السياسة والفكر من وقت لآخر بعصارة ما جادت به قرائحهم.. فهل هؤلاء جميعاً يقصدون بيتاً خرباً؟ هل الدعوة إلى الشريعة وإعلاء القيم والجهاد في سبيل الحق (الملة والدين والوطن).. هل هذا تخريب؟ هل الدعوة الى دعم القوات المسلحة دعماً مستمراً، وكذا الأجهزة الأمنية والدفاع الشعبي والمجاهدين، هل هذا تخريب؟ هل الدعوة إلى التعامل بعزة وكرامة مع دولة جنوب السودان هل هذا تخريب؟ نريد من الأخ الوالي أن يكون رجل دولة منصفاً. قال تعالى: «وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ». نريد من الأخ الوالي أن يلتفت كما قال هو بنفسه أنه رجل ولايات إلى شأن الولاية، حيث لا يزال غلاء المعيشة يطحن الناس.. ولاتزال أزمة المواصلات تفرض على الناس البقاء في معسكرات إجبارية داخل المواقف.. ولا تزال برومات البوتاسيوم تحصد أرواح الأطفال.. ولا تزال صعوبات استخراج الرقم الوطني في بحري تذبح أوقات الناس.. كل هذه المشكلات موجودة في ولاية الخرطوم التي هي مسؤولية الخضر، لماذا البحث عن كبش فداء وقربان؟ فدون ذلك نريد ولاية الخرطوم أن تجاهد.. ومصادرة الحريات وتكميم الأفواه لا يجدي!! إن الأغلبية التي تقرأ «الإنتباهة» وتدعم منبر السلام العادل عليها يتوقف الحكم هل «الإنتباهة» تخريبية أم غير ذلك؟.. وهذه الحشود قادرة أن تُسقط من تريد إسقاطه ليس بالسيف والتهديد ولي عنق القانون، لكن بالفكر والحجة والبرهان وجهرية الدعوة لا سريتها. طالما الأخ د. المعز يقول لماذا فقط الحديث عن الميل (41) والرزيقات يمشون (04) ميلاً داخل الجنوب.. وإدريس عبد القادر أمس يقول سنعطي الجنوب (04) حرية وليس أربع حريات! لماذا يتضايق المؤتمر الوطني ووالي الخرطوم أن يكون حظنا حرية واحدة وهي حرية الكتابة على صفحات «الإنتباهة»؟ وهم يمنحون الأجانب أربع حريات لا بل أربعين حرية! إنها ازدواجية المعايير!!.