الأستاذ علي محمد يس جمعتنا به صلة مهمة حين توافدنا فرادى وجماعات نحو ساحة «الإنتباهة» الطاهرة، وقبل ذلك كانت ساحة تيار منبر السلام العادل الذي لم يكن في أول أمره حزباً سياسياً فجمع كل من اعتنق فكرة مقارعة توحد الدولة يومها نحو إبرام اتفاقيات قلنا من أول أيام حروفها الأولى إنها لن تحقق سلاماً عادلاً!! منذ أن بدأت. وحين ضيِّق علينا أمر نشر أفكارنا وآرائنا اكتفى مجهودنا الأولي على عقد اجتماعات وتوزيع بيانات على المساجد قبل أن ننتقل إلى الجامعات، وفي وقت كان يمنع فيه أيضاً نشر كتاباتنا في الصحف وكانت الصحف تفزع وتصاب بحالة هستيريا إذا طرق أبوابها مقال يعترض على سير مفاوضات الحكومة مع الحركة الشعبية أو الحديث عن انفصال جنوب السودان. نعم لقد تلاقى نفر كريم صُلبت إرادتهم ونضجت قرائحهم.. وعزت نفوسهم أن يغرقوا في بحر الغفلة والهوان فتعاهدوا على المضي قُدُماً في سبيل إنجاز مهمة حسبناها من أول وهلة أنها جهاد مقدس بالقلم واللسان والسنان حماية لهويتنا في مكونيها وشطريها الإسلام عقيدة وشريعة واللغة العربية آلة ثقافة وماعون فكر. ولما كان الأمر بهذه القداسة وتلك الأهمية التي دافعها الواجب الديني والهم الدعوي برزت الحاجة ملحة إلى إيجاد منبر حر ومستقل شامل لا يداهن ولا يجامل ولا ينكسر أمام تيارات التهديد والوعيد والقضية ولذا خرجت «الإنتباهة» من بين ثنايا هذه الآمال الطموحة والمشروعة فصدر عددها الأول بتاريخ...... فكانت انتباهة في زمن سادت فيه الغفلة وشاعت ومثّلت ترياقاً لسُم زعاف نبذته جماعات بني علمان وبني شاين وأمهما عجوز شمطاء تدعى الحركة الشعبية والسُم ذاك هو مشروع السودان الجديد الذي دغدق المشاعر وعبث بعقول كنّا نظن أصحابها من الجهابذة ولكنْ عزاؤنا فيهم أن لكل سيف نبوة ولكل جواد كبوة «وكل بني آدم خطّاء...». على كل خرجت «الإنتباهة» وقوة قضية منبر السلام العادل سندتها وقادتها إلى منصة التتويج على الصحافة السودانية قاطبة وهي ما تزال في ريعان شبابها.. وإن سئل اليوم مسؤول عن «الإنتباهة» وما أدراك ما «الإنتباهة»؟ أجاب هي صحيفة وصحوة ملأت الدنيا وشغلت الناس وهي وليدة منبر يقوده فتية وشيوخ آمنوا بواجبهم نحو أمتهم وبقوا على مبادئهم فزادهم الله ثباتاً وإيماناً وقبولاً حسناً عند الناس إلاّ شذاذ الآفاق والمنافقين وعملاء أمريكا الذين يحجون إلى بيتها الأبيض ولا يحجون إلى مكة ومنهم إسلاميون غيّروا وبدّلوا وانتكسوا من أولئك الذين يصفون منبر السلام العادل بأنه منبر فتنة وعنصرية ومنبر سلام عاجل وغيرها من ألفاظ لا تأتي إلا من صعاليك، أصحاب أقلام مأجورة ومستأجرة ومرتزقة وأخرى تواجه المنبر طلباً للسمعة والظهور لأنها نكرات مغمورة ونحن ندري بذلك فلذلك لا نجاري كل سجمان. ومما ينبغي أن يعلم ضرورة أن منبر السلام العادل قد غدا اليوم حزباً سياسياً يحمل كل ما يحمله أي حزب سياسي من طموح في إطار مشروع.. وبقيت «الإنتباهة» صوته الجهير ولسانه الحصيف وسلاح طيرانه، أما مشاته فهم مجاهدوه القائمون على أمره وما أكثرهم.. وما أصبرهم.. وما أصلبهم، وقاعدته عريضة وسيُعلم أمره بعد حين. ومن النقاط المهمة جداً التي ينبغي أن نشير إليها ههنا من أجل فائدة القارئ والمحلل والناقد والمخالف لنا.. أن «الإنتباهة» وإن كانت هي مملوكة لمنبر السلام العادل إلاّ أنها في الوقت ذاته منبر حر يقصده المنبريون وغيرهم، ويكتب فيه أصحاب الأفكار المنبرية وسواهم.. غير أن ذلك لا يمس جوهر سياستها التحريرية التي قامت لأجلها من أول يوم وتريد أن تنأى بها أن تكون مجرد صحيفة حزبية محضة، وتأتي أهمية ذلك إذا أمعنا النظر في تجارب الصحافة الحزبية في السودان وتتبعنا مسيرتها التاريخية.. كما أن مثل هذه التوازنات لا تعني أننا نسمح لكل غث وسافل وسفساف أن يظهر على صفحات «الإنتباهة» سيما ذلك الذي يخدش الذوق العام أو ينتهك حرمة من غير دليل أو يسيء إلى هويتنا في جانبها العقدي أو القيمي أو التربوي أو العرفي الصالح من عاداتنا وتقاليدنا وموروثنا الثقافي الباهي. تلقيت اتصالات عدة ورسائل جمّة وشهدت لقاءات كثيرة وما كانت واحدة من هذه الاتصالات على مختلف أنواعها من أناس تحسبهم جميعاً صالحين وعلماء حادبين على مصلحة المنبر و«الإنتباهة» وقبل كل هذا مصلحة الأمة وخلود تاريخها وعقيدتها إلا وهي تحتج بشدة على كتابات الأخ علي يس الذي عرفته عن قرب كاتباً صحافياً متميزاً وناقداً لغوياً بصيراً وكان أحد أعمدة «الإنتباهة» البارزين وجرت بيني وبينه حوارات كان معظمها قصير ولكني أدركت عنه الكثير. إن كتابات الأخ علي يس التي أثارت حفيظة كثير من القراء حتى قراءه أنفسهم ليست هي الأولى التي لفتت إنتباهي ولكن ما عداها أيضاً، وقد تحفظت على كثير مما كتبه الأخ علي، وإن لم أناقشه أحياناً، إما لبعد الشقة بيني وبينه، وإما لشواغل أخريات فرقت بيننا، فقلما نراه أو يرانا.. ولكن أؤكد أن بيننا احتراماً ولكن هذا الاحترام لا ينفي عدم الرضى عما يكتب ولم يمنع من أن نسدي إليه النصح والمراجعة.. ولذلك تجدني اليوم أخي علي أكتب ولن أورد نصاً واحداً مما كتبت لأعلِّق عليه كعادتي مع آخرين لكن أخي، تجدني أخالفك الرأي جملة وكلمة كلمة بل حرفاً حرفاً في جميع ما كتبت في مقالك بعنوان: «حوار مع المناضل إبليس في سجنه» وأؤكد لك والله إني لا أريد أن أعين الشيطان عليك ولكني أقول إن ما خطه قلمك كان بمثابة كبوة كبيرة وكبيرة جداً لجواد أصيل على الأقل في الجانب الأدبي واللغوي ولا أقول أبداً في الجانب الشرعي.. أقول أيضاً متفقاً مع جمع غفير ممن قرأوا ما كتبته أنه كان انتهاكاً شديداً لحرمة الله سبحانه وتعالى وتجاوزاً واضحاً لا أخفي خطله وذلك مخالفة شرعية ليست كبيرة بل هي أكبر من ذلك ترتقي فوراً إلى درجة الخروج من الملة لأنها جاء فيها سب الله وملائكته وتجهيل الله ووصفه بصفات القصور والنقص وقد تعالى ربنا عن ذلك وتنزه.. غير أني لا أقول أبداً إنك كافر تكفير معين فإن لذلك شروطاً تثبت وموانع تنتفي.. ولكني أقول الذي كتبته قول كفر.. غير أن ناقل الكفر ليس بالضرورة أن يكون كافراً.. وإن كنت قد جعلت ذلك في قالب حواري أقرب إلى الرواية الأدبية فإنا نقول أيضاً للكاتب الإسلامي حدود وضوابط فكرية ولفظية وعاطفية وهو يعالج قضية ما وذلك شيء معلوم في نظرية الأدب الإسلامي..وللإعلامي أيضاً ضوابط وأخلاق حين يكتب أو يقص أو يحكي منها عدم المساس بثوابت العقيدة والقيم التي تواترت النصوص فيها وتزاحمت مع مراعاة الحياء والأدب والمصداقية وفي هذا الاتجاه قال رسولنا الكريم عن شعر أمية بن أبي الصلت حين قال شعراً حكيماً جميلاً «أسلم شعره وكفر قلبه» ولذا أنت من حسن ظني بك تحمل إيماناً ولكن كفر حوارك..!! أخي علي، والله وتا الله وبالله ما كتبته في ذات الله ليس هيناً أبداً «تحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم» أخي علي، إن كان ما كتبته أثار حفيظة إخوة والله لا أقول عشرات ولكني أقول مئات وفي مقدمتهم علماء نعرف فيهم دينهم وتقواهم وعدلهم وصدقهم.. أخي علي، إن كان قد كتب كاتبون رداً على ما كتبته وإن اختلفنا في أسلوب التعبير.. فلن نختلف معهم في أنك قد أخطأت خطأً كبيراً قد يجر عليك الكثير. أخي علي، كل الذي أرجوه منك أن تقرّ بذلك وأهمّ من ذلك توبة نصوحاً والإقلاع في الحال والعزم على عدم العودة والندم على ما جرى والله هو حسيبك. أخي علي، والله إن الذين كتبوا رداً عليك وإن لم نتفق في كل جزئية من أمثال د. عارف الركابي وشيخ سعد نشهد الله كما عهدناك عهدناهم فيهم دين وتقوى وعلم وصلاح ولا نزكي أحداً على الله.. أخي علي، لقد انتظرت طويلاً وأمسكت عن الكتابة عن هذا الموضوع لأستبين أمرك في التوبة والاستغفار والاعتذار والرد الحصيف.. أخي علي، أقولها بصراحة ردك لم يكن شافياً.. ودفاعك عن نفسك انطوى على تعامي عن بعض الحقائق .. واستغفارك لماذا لا يكون بسيد الاستغفار فقد قلت عباراته وحملت ألفاظاً متواضعة وإني لأعلم أن بحرك لذاخر في مفردات اللغة واستدعاء المعاني طوعاً وكرهاً، فهلا فعلت فشفيت غليل الصديق واطفأت نار الشامت؟ وصالحت كثيراً ممن عزموا مقاطعة قراءة «الإنتباهة» وأنت من بنيها، فهل تريد لها تأخراً بعد تقدم، وذماً بعد مدح وسفاهة بعد ريادة؟. أخي علي، بادر بمصالحة من حمل عليك فإن الذي دفعهم إلى ذلك غَيرة على الدين وأنت تعلم أنهم كانوا لك ملازمين ومناصرين ولا خير فيك إن لم تفعلها ولا خير فينا إن لم نقلها.. هداك الله ورحمك.