انقطع بنا الحديث عند ذلك الجزء المهم.. لظروف استثنائية من ذلك الجزء الخاص بتقييم أداء مشروع النظافة خلال الأعوام العشرة الماضية ودخول شركات النبت الشيطاني إلى جسد المشروع المنهك أصلاً بفعل عوامل التعرية المستمرة والتجارب والتحول من تجربة إلى أخرى بشكل شبه دوري بما يفيد تخبط وعشوائية وفشل في مواقع اتخاذ القرارات ونقصد بها هنا قمة الهرم التنفيذي والتشريعي بالولاية.. فدكتور المتعافي كان يطرح أفكاره ويقدم نظرياته لمرؤسيه دون دراسة مسبقة ولا خطط ولا تقييم وكان على الجميع أن يبصموا بالعشرة عليها ولهذا لم يجد من يعترض أو يقف في وجهه عندما جاء بنظريته المعروفة بإشراك القطاع الخاص في إدارة القطاعات الخدمية بالمحليات تلك النظرية التي بذر بذرتها الأولى عام 2008م والتي نحسب أنها تشبه تلك البذور المحسنة المنتهية الصلاحية التي أثارت ضجة في الآونة الأخيرة.. كانت النظرية الأولى أن عودة هذا العمل الخدمي الكبير إلى بطون المحليات هو عبء إضافي عليها فحاول د. المتعافي رفعه عن كاهلها ولكنه عاد ودون أسباب منطقية وقلب الطاولة بما فيها على نفسه.. كان برنامجه يقوم على فصل خدمات نقل النفايات عن وصايا المحليات وتقديمه كمشروع لهيئة حكومية قائمة بذاتها تجاز هيكلتها عبر مجلس الولاية التشريعي.. إلا أنه فجأة حاد عن الطريق الذي رسم ملامحه بنفسه وجاء بتلك الشركات الجائعة للإيرادات والأرباح التي تتدفق بسهولة ويسر دون تعب ولا مشقة والتي جاءت معظمها عارية حتى من ورقة التوت فلا خبرات تقودها ولا إمكانات مالية تسندها عدا تلك الإيرادات السلسة بالرغم من فقدانها لأهم عناصر هذا العمل وهو الخبرات الإدارية والفنية مما سبق ذكره من أدوات. وتوقعنا أن تبدأ ثورة السيد الوالي د. عبد الرحمن الخضر من هذا المنطلق أن يبدأ بترتيب وتصحيح مسار مشروع النظافة وأن يفرمل ويوقف عملية خصخصة المشروع بكل السبل المتاحة بما في ذلك استغلال الشرعية الثورية التي تحصل عليها من خلال صناديق الاقتراع التي منحتها له جماهير الولاية بانتخابه والياً عليها.. كان عليه أن يتحسس البدائل قبل الذهاب مع السيد المتعافي إلى آخر العلاج مباشرة وهو الكي بنيران شركات النبت الشيطاني ذات الطابع الربحي البحت.. ولكن يبدو أننا كعادتنا أفرطنا في التفاؤل فالواضح أن النظافة ليست من أولوياته على الأقل في المرحلة الحالية.. فانشغل عنها بتصريف مهامه الأخرى بالرغم من أنها كانت بنوداً أساسية ونقاطاً رئيسية في برنامجه الانتخابي.. وكان د. المتعافي السلف وسار على دربه د. الخضر الخلف فكان قرار التخلي عن المشروع برمته وبكافة قطاعاته بمحلية الخرطوم الكبرى من الألف للياء.. ترمي بابنها الذي جاء ميلاده بعد ولادة متعسرة كبشارة خير لهذه المحلية تتخلى عنه مثله مثل أي ابن غير شرعي ترمي به أمه في الطريق تجار الخدمات ضاربو الدفوف كسيرو الثلج أصحاب الل.. الفكري المرابطين على أبواب المنتفذين القادمون بلا خجل ولا وجل يتسولون الفرصة للانقضاض على مكتسبات الآخرين وسرقة مجهوداتهم وعرقهم حتى دون رعشة خوف من غضب الله فكانت عملية التوريث والإحلال فمن أعطى لنفسه الحق في التصرف في أصول وموارد وأموال الدولة والتي هي بطبيعة الحال ملك لهذا الشعب يجب محاسبته ومساءلته ويجب إخضاعه للمساءلة القانونية مهما كانت حججه ووضعه؛ لأنه تصرّف لا يمثل سياسة الدولة ولا منهجها وهو في الواقع خارج عن كل الأطر القانونية والقنوات الرسمية.. بهذا الخصوص ينبغي ملاحقته قانونياً حتى نقطع الطريق مستقبلاً على مثل هذه الممارسات الخارجة عن النص والأخطاء التاريخية التي وقع فيها مشرعو الخصخصة بخروجهم عن العرف والقوانين المتبعة والتفافهم حول الآلية القانونية للخصخصة واختزالهم كل تشريعات وزارة المالية بهذا الشأن.. وقامت الولاية بأمر الوالي د. المتعافي آنذاك بتوريث تلك الشركات آلياتها ومواردها الإيرادية والبشرية في سابقة خطيرة تحدث لأول مرة على مستوى العالم وبالتقسيط المريح جداً حيث أوجدهم من العدم وثبّت أقدامهم وفتح لهم آفاقاً ما كان من الممكن أن يحلموا بها إلا في ظل هذه الظروف.. فما هي مصلحة الولاية وهي كيان يمثل الدولة في هذا الأمر.. هل أصبحنا نعاني فعلاً من نقص الكوادر الإدارية المؤهلة في القطاع العام هل عقمت أرحام محلياتنا وتوقفت عن إنجاب الكفاءات التي تدير أعمال الخدمات والتي عرفت بها منذ أيام الحكم الثنائي حتى تقوم الولاية بتوريث آلياتها ومنسوبيها بكل خبراتهم وإمكاناتهم الفنية والإدارية لشركات النبت الشيطاني تلك لتقوم فقط بدور تافه جداً وهو جمع الأرباح.. دور يمكن أن يقوم به أي فرد أو مقاول إذا ما توفرت له نفس الفرصة ونفس الظروف. «أصل الحكاية». في العام 2009م قام د. المتعافي بتمليك تلك الشركات كل الأصول الثابتة لموارد المالية للقطاعات المعنية بالخصخصة آنذاك بما في ذلك أسطول العربات الضاغطة الحديثة التي استجلبتها الولاية طبقاً للمواصفات العالمية بمبلغ تجاوز الملياري جنيه تدفعها الشركة من إيرادات تحصيل القطاع الذاتية بنظام البيع الإيجاري وبالتقسيط المريح جداً كذلك تدفع استحقاقات العاملين ورسوم المكتب وتغطي نفقات تسيير العمل.. أي أنها لم ولن تعاني يوماً أبداً من أي أعباء مالية إضافية؛ لأن شركة مثل تلك التي تعمل في قطاع الخرطوم شرق لم تكن أصلاً تمتلك أصولاً ولا مالاً ولا خبرة ولم تمارس هذا العمل لا بالسودان ولا بدولة الإمارات ولا بالولايات المتحدة كما جاء في عرضها عند تقديم العطاء «مرفق صورة» بل كان ذلك مجرد حنك لا تدعمه أي مستندات ولكنه مر على أي حال على لجنة فرز العطاءات آنذاك.. المهم هذا القطاع الإستراتيجي تبلغ إيراداته الشهرية حسب الخارطة الإيرادية للقطاع بعد إضافة الجزء المستقطع من قطاع الخرطوم.. حوالى «550» إلى «650» مليون جنيه في الشهر وتكلفة تشغيله لا تتجاوز «350» مليون جنيه انظر إلى حجم الأرباح التي يقدمها القطاع للشركة وقارن ذلك بأدائها.. الفرق شاسع بلا شك بين ما يؤخذ وما يعطى «صورة رقم «1» «2» «3» من داخل القطاع في الطائف وأركويت أيام العيد وهي تحدث عن نفسها ولا تحتاج منا لتعليق.. إذن ماذا قدمت وتستطيع أن تقدم تلك الشركات للمجتمع وقد تجاوزت عمر الفطام بعام هل ساهمت بشكل أو بآخر في ترقيته هل ساعدت ولو بشكل محدود ويسير في تنميته ولو عن طريق سلوكها أدائها كلا.. هذه هي الإجابة الوحيدة التي أعرفها بعد مراقبة أداء تلك الشركات باستثناء شركة ياسر محجوب التي اتفق عليها كل المراقبين كأفضل الشركات العاملة إنجازاً فهي تعمل باحترافية وبعيداً عن الأضواء وبلا ضوضاء رغماً عن صعوبة العمل في القطاع المكبل بالمناطق الصناعية في ظل إنجاراتها ومشقة الحركة داخلها نجحوا؛ لأنهم استصحبوا خبراتهم المكتسبة من سنوات عمر مشروع النظافة ذلك الصرح الذي يتهاوى رويداً رويداً دون أن يحس به أحد في أروقة الولاية لا السلطة السياسية ولا التشريعية وأكثر ما أثار حنقي وغضبي وبعد مرور أكثر من أربعة أشهر على ما نشرناه في «الإنتباهة» ورغم كل ما أثاره من ضجة وردود أفعال على مستوى جماهير الولاية والجهات العدلية لم يثر هذا الأمر ولم يحرك شعرة في رأس المسؤولين ولم يستفزهم هذا الكم الهائل من المعلومات التي سكبناها بين الأوراق ونبهنا منها السيد الوالي بما يحدث وكشفنا له عن تلك الشركات وتغلغلها حتى تكاد تصبح جزءاً من أقسام محليته أو وحدات من وحداتها وأصبحت تشكل مراكز قوى بما أتيح لها من إمكانات انتزعتها انتزاعاً لاحقاً مكتسباً.. ولكننا كنا كمن يصرخ في وادٍ أو كأننا أطلقنا بندقاً في بحر أو فقاعة ماء صغيرة فجرناها في الفضاء الواسع فلا تأثير لها حتى على محيطها وهذا شيء مؤسف حقيقة.. فلو حدث أمر يماثل هذا في بلد آخر لتساقط الإداريون كما تساقطت قطاعات محلية الخرطوم في أيدي الشركات الاخطبوطية.. والسؤال الذي نطرحه ولا ننتظر رداً عليه ما هي الأسس والمعايير التي بموجبها تمت وتتم خصخصة هذه القطاعات خاصة إذا عرفنا أنها تقدم أرباحاً شهرية تدعم تسيير المشروع.. ولماذا تبيع محلية الخرطوم بشكل أخص قطاعاتها الرابحة أصلاً بينما تحتفظ بقية محليات الولاية الأخرى بكافة قطاعاتها بما في ذلك الخاسرة بل وتقدم لها الدعم هل هو الاستثناء أم ماذا؟؟ وليس أخيراً: والآن وبعد كل الذي سردناه والذي هو ليس ببعيد عن واقع الحال.. ويعرفه كل أصحاب الصلة.. نقرأ في صحيفة «الوطن» والتي نثق في مصادرها بتاريخ 25/8.. أعطيت الموافقة لشركة اماراتية تسمى المزايا فما هي حقيقة تلك الشركة، ذلك إننا لم نقرأ في الصحف ولا في مواقع المحلية عن طرح عطاء تنادت له هذه الشركة وثانيها أنني لم أسمع باسم هذه الشركة ضمن منظومة الشركات العاملة في نقل نفايات المدن بدولة الإمارات فهل جاءت إلى الخرطوم دون سابق معرفة فهالها ما رأته من أوساخ وقذارة فوضت خدماتها للمحلية تضامناً وإشفاقاً وقدمت كل إمكاناتها المالية وخبراتها المهولة!! على المحلية أن لا تلدغ من نفس الجحر مرتين عليها تحري الصدق بدقة وتتأكد من خبرات كل من يدق بابها أو بالأحرى كل من يحاول أن يتسلق إليها عبر النوافذ حتى لا توصم بالانبهار والاندهاش لكل ما يأتيها من وراء البحار.. حقيقة أن إيرادات قطاعي الخرطوم وسط تبلغ أكثر من مليار جنيه وهو رقم مغرٍ جداً إذا ما قورن بسهولة العمل والأرباح المهولة المتوقعة شهرياً فإنها تعتبر من المغريات للمحتالين وتجار الخدمات الذين يتاجرون بعلاقاتهم التنظيمية والاقتصادية وربما أصحاب القرار لهذا فلا ينبغي أن يمر ذلك على المعنيين بالأمر ومن الأفضل أن لا يترك لقرار فردي وأن تكون مرجعيته النهائية على الأقل لدى لجنة من لجان مجلس الولاية التشريعي باعتباره الممثل الشرعي الوحيد لجماهير الولاية وعلينا أن نقيّم تجربة مشروع النظافة الطويلة الممتازة الثرّة عبر جهات الاختصاص وطرح البدائل ذات الجدوى والفعالية عبر طريق ورش العمل والسمنارات وألا ندفن رؤسنا في الرمال كالنعامة عند أول هبت ريح.. أخيراً نأمل ونرجو أن يتفضل السيد الوالي وهو على قمة هذا الهرم العملاق بإيقاف مسلسل التوريث والإحلال.. وأشهد أني قد بلغتك.