إن التخذيل صفة قبيحة، وباعثة على تدمير البناء الشامخ، وإلقاء الثمرة اليانعة في سلة المهملات بفعل الطمع والبخل حتى لا يتلقاها جائع فتكفيه من طوى أصابه، أو حاجة دعته للاستفادة من مثل تلك الثمرات. والمخذلون تتعدد مشاربهم، وتتلون صفاتهم فهناك التخذيل من الجهاد عندما تهدد الأعراض وتستلب الحقوق، وبفعله يجبن الناس عن خوض غمار معارك الشرف، فيسقط المجتمع، وتتبعه الدولة كنتيجة حتمية لما أحدثه التخذيل من تردد، وما بذله المخذلون من جهد خبيث، ودعوات تحمل في مضامينها الادعاءات الكاذبة، والمعلومات المفبركة. ومن جنس التخذيل ما يصرح به بعض السياسيين بأن البلاد على شفا جرف هارٍ، و أن الأزمات ستتصاعد، وأن المواطنين يعانون من قيد للحريات، ولا سبيل إلا بالثورة، وإثارة الفوضى، ونشر الرعب للخلاص مما يهدد البلاد من كابوس. وهؤلاء المخذِّلون لا يضعون في حسابهم الإضافة على ما أنجز، ولا يقيمون وزناً لحالة طارئة، أو أزمة عارضة، وغاية أمانيهم أن يهدم البناء وإن كان في طريقه إلى التمام بحجة أن قواعده غير صلبة، و ينبغي القضاء عليه من الأساس. ومن صفات المخذلين بأنهم يفرحون ويشمتون عندما تزول النعم ويحدث الاضطراب، ويصدق فيهم القول«لايعجبهم العجب و لا الصيام في رجب». والمخذل إذا رأى زهرة يكسوها الجمال، وتفوح منها الرائحة الذكية فلا يدور في عقله بأن هذه الزهرة ستجلب المتعة للناظرين، لكنه يشيع بأنها ستكون مصدراً للهوام والذباب، بدلاً من دعوته للمحافظة عليها ليتحقق الإمتاع. وعندما أعلنت الحكومة بأنها ستتبنى خطة للتقشف، وإعادة هيكلة الدولة من أجل تجاوز ما اعترض الحركة الاقتصادية من تعثر بعد انفصال جنوب السودان، قامت قائمة المخذلين فادعوا بأن السودان في طريقه إلى الانهيار، والبلاد ستفور في مرجل يغلي البطون، ويفري الأحشاء و الأوصال. وعندما لاحت بوادر زوال الأزمة الاقتصادية بانخفاض سعر الدولار، عاد من ابتلي بداء التخذيل قائلاً إن الأزمة ستعود تارة أخرى وكرة ثانية، والاقتصاد لن يتحسن، وإنما الذي حدث هو شبيه «بفجة الموت لمن داهمه الاحتضار» و من أسوأ الآثار التي تخلفها حركات التخذيل، عندما تؤسس لها منظمات وتقوم على أعمدتها أحزاب، وينبري قادة معروفون ببث ما ترمي إليه، وعندها فإن ضعاف القوم، وفاقدي الإرادة سيصبحون نهباً لها وصيداً سميناً يتغذى عليه أولئك الذين تخصصوا في فنون التخذيل ورسم سيناريوهاته. ورحم الله الذي أنشد شعراً بقوله: تموت الأُسْد في الغابات جوعىو لحم الضأن تأكله الكلاب فالذين يتوقعون انهيار الدولة والمجتمع لسبب طارئ، أو أزمة عارضة، ويعملون لتوقعهم بإصدار البيانات، وإطلاق التصريحات هم كبار المخذلين، وينبغي أن نأخذ الحذر منهم فهم دعاة باطل والحق منهم كبعد المشرقين من المغربين أو أشدّ بعداً، ذلك لو كان العقل والفكر هما الدالان على من يطلب الحق، فلا تنطلي عليه ترهات المخذلين الضالين والمضللين.