معلومة أدهشتني كثيرًا وتوقفت عندها متأملاً كيف أن بلادنا خرجت من إجماع بلاد الله ورسمت لنفسها نهجًا استثنائيًا اعطاها الحق بأنها الدولة الوحيدة التي تُلزم رعاياها ومواطنيها بالداخل بتأشيرة الخروج فبأمر السلطات ليس مسموحًا لكل سوداني أن يعبر حدود دولته إلى بلاد أخرى دون ان تكرمه الدولة أو تمن عليه بتأشيرة للخروج ايًا كانت دوافع او طبيعة او مقاصد هذا الخروج من السودان.. أليس هذا امرًا يحار في امره الإنسان؟ من الذي اعطى الحاكم سلطانًا في ان يتحكم في تغيير طبيعة الأشياء او الانتقاص من انسانية الانسان؟ أليس الإسلام هو الذي سبق كل الشرائع والأديان في تكريم الانسان واحترام ذاته والايفاء بحقوقه كاملة خاصة اذا كانت هذه الحقوق تمس حرية تنقله وارتحاله بحثًا عن رزقه ومأمنه؟. من المنطق ان تضع الدولة من السياسات والاستراتيجيات ما يكفل لها سيادتها وهيبتها ولكنه ليس من الشرع ان تتحكم في مصائر الناس ورغباتهم واشواقهم وتضع لها السقوفات والاشتراطات التي ربما تتصادم مع حقوقها الأصيلة، لكن يبدو ان الدولة اتخذت من هذا القيد او الإجراء موردًا للجباية وتوسيع قاعدة الإيرادات دون الاعتبار الى أي قيم انسانية او حتى دينية، فإن كانت كل بلاد الله كما افادنا بذلك الدكتور عثمان ابوزيد لا تضع قيدًا في سفر مواطنيها للخارج لماذا نحن دائمًا تنطبق علينا حالة الاستثناء؟ والغريب في الامر ان السودانيين ورغم القيود والتعقيدات التي تنصبها الحكومة في سكتهم الا انهم من اكثر شعوب الله ترحالا حتى بتنا شعبًا مهاجرًا يعشق الغربة بامر السلطان، والشواهد لا تحتاج الى بحث او اثبات، فتقارير جهاز المغتربين تتحدث عن حقائق واحصاءات مخيفة، ويقول اهل الجهاز انهم رصدوا في الآونة الأخيرة ان اكثر من 30 الف تأشيرة تم منحها لمهاجرين جدد في شهر واحد فإن كان ذلك كذلك فما بال هؤلاء السودانيين اذا تعاملت معهم دولتهم بمثل ما يتعامل الآخرون مع مواطنيهم والغت ما يسمى «بتأشيرة الخروج» اتصور ان نسبة الثلاثين الف تأشيرة التي تُمنح في شهر واحد لمهاجرين جدد ربما تتضاعف الى اكثر من ثلاثين ضعفًا فهل فعلاً تخشى الدولة ان تفرغ تمامًا من مكوناتها البشرية إن هي استسهلت أمر الهجرة؟