عبَّر الرئيس المشير عمر البشير ذات مرة عن رغبته في عدم الترشيح للرئاسة في المرَّة القادمة. ذلك إذا ما أصبح واقعاً، يعني أن أسماء سياسية عديدة ليست لها خبرة عسكرية ستتقدَّم لتشغل منصب رئيس السودان القادم. ذلك يقود إلى النظر في معايير التجارب السياسية الناجحة عند اختيار الرئيس. في هذا الصدد تعتبر التجربة الأمريكية هي الأنجح والأحدث والأكفأ. توجد في الإمبراطورية الأمريكية ثلاثين منظمة استخبارية. وكالة المخابرات الأمريكية C.I.A واحدة منها. كما يوجد ثلاثة جيوش هي الجيش النظامي (المؤسسة العسكرية) والحرس الوطني وجيش الإحتياط الأمريكي. الحروب الأمريكية في جبهات الحرب العالمية الثانية، برّاً وجوّاً وبحراً، وفي حروب كوريا وحرب ڤيتنام وحرب العراق وحرب أفغانستان، لم يقُم بها الجيش الأمريكي المحترف (المؤسسة العسكرية) وحده. حيث قام بجزء منها. بينما قام جيش الإحتياط الأمريكي بالجزء الأكبر من العمل العسكري. يتكوَّن (جيش الإحتياط) من المواطنين، من كل فعاليات المجتمع، الذين تمَّ تدريبهم وفقاً لنظام (الخدمة الوطنية الإلزاميَّة) في مختلف المجالات العسكريَّة. حيث الخدمة الوطنية الإلزامية واجب قانوني على كلّ مواطن، سواءً كان رجلاً أو امرأة بلا استثناء. ولا يُستثنَى من المشاركة في الحرب سوى (الولد الوحيد) في العائلة (لحفظ نسبها BLood Line)، أو مَن يحظر عليه معتقده الدّيني المشاركة في تلك الحرب، مثل بطل الملاكمة محمد علي كلاي الذي رفض المشاركة في حرب ڤيتنام، بسبب الإسلام. وقد كسب كلاي قضيته أمام المحكمة العليا. كان قرار المحكمة لصالح كلاي أوّل سابقة قانونية تعترف بالإسلام كدين. في حرب (عاصفة الصحراء) ضد العراق عام 1991م كانت الزوجة تترك وظيفتها، بعد استدعائها عسكريّاً، لترتدي الزي العسكري وتودِّع زوجها وأطفالها وتغادر على متن سفينة حربية إلى جبهة القتال على بعد (3) آلاف ميل. كذلك المحامي والطبيب والمهندس الذي يتمّ استدعاؤه، يغادر مهنته للمشاركة كضابط بحرية أو طيران أو فنِّي اتصالات وغيرها، تحت قيادة (البنتاغون) ضمن قوات الجيش الأمريكي، حيث الجيش الأمريكي ليس الجيش النظامي المحترف وحده. لذلك عند الترشيح لمنصب الرئاسة الأمريكية، يبادر كلّ مرشَّح إلى إطلاع الناخبين على سجلِّه العسكري ومشاركته العسكرية في الحروب الوطنية. حيث يُبرِز المرشح جون كيندي (الرئيس لاحقاً) سيرته الذاتية كضابط في سلاح البحرية، شارك في الحرب العالمية الثانية، وينشر صور (جون كيندي) الضابط على ظهر السفينة الحربيَّة. (كيندي خريج جامعة هارڤارد المرموقة كلية القانون). كما يُبرِز المرشح جيمي كارتر (الرئيس لاحقاً) خبرته العسكرية، حيث عمل ضابطاً في سلاح البحرية، قاتل تحت قيادة الجيش الوطنيّ. في عهد الرئيس كارتر تمّ تطوير صاروخ (توما هوك). وقد دمَّر (18) صاروخاً منها مصنع الشفاء للأدوية. وعرفت الإنتخابات الرئاسية في عام 1980م و1984م و1988م المرشح الرئاسي جورج بوش (انتخب نائب رئيس لدورتين ثم انتخب رئيساً لدورة واحدة)، عرفته باعتباره ضابطًا في سلاح الطيران، شارك في القتال في الحرب العالمية الثانية، وأسقِطت طائرته. (بوش خرّيج جامعة ييل الشهيرة). وقد ظلّ جورج بوش إلى قبل أعوام قليلة يحتفل بعيد ميلاده وقد قارب الثمانين، بالهبوط ب (الباراشوت)، حيث يقفز بالمظلَّة من الطائرة إلى الأرض. ومثل جورج بوش كان المرشح الرئاسي (بوب دول) رئيس النواب الجمهوريين في الكونجرس، الذي أصيب بإعاقة جزئية في يده نتيجة المشاركة في الحرب. في الإنتخابات الرئاسية عام 2008م أبرز المرشح الرئاسي (جون ماكين) دوره كضابط في سلاح الطيران شارك في حرب ڤيتنام، حيث أسقِطت طائرته ووقع أسيراً. حيث قضى سنوات في السجون الڤيتنامية قبل إطلاق سراحه. الرئيس (دوايت أيزنهاور) الذي انتخِب رئيساً لدورتين من 1952 1960م، كان الجنرال ( دوايت أيزنهاور). كان (إيزنهاور) عسكرياً محترفاً وجنرالاً في الجيش النظامي، قاد جيوش بلاده إلى النصر في الحرب الثانية. كما أصبح قائد الجيش الأمريكي (كولن باول) وزير خارجيَّة. في بريطانيا شارك الأمير وليم (نجل الأمير شارلي ولي العهد والأميرة ديانا) في حرب أفغانستان. لكن في السودان الصورة مقلوبة. حيث شارك الذين يرغبون في رئاسة السودان من زعماء الأحزاب السياسية (الديمقراطية)، من اليمين إلى اليسار، في تدبير انقلابات عسكرية ضد الديمقراطية، وقاموا باستغلال الجيش (المؤسسة العسكرية) لخدمة أجندتهم الحزبية. كلّ الإنقلابات العسكرية التي شهدها السودان، منذ عام 1958م لم تكن بمبادرة ذاتية من الجيش، بل بتحرُّك ضباط استقطبتهم الأحزاب السياسية. الجيش السوداني كمؤسسة عسكرية وطنية نظامية، حافظ دائماً على مهنيته ودوره الوطني، ولم يتدخل في السياسة. في الديمقراطية الأمريكية يبرز الحرص على إبراز الخبرة العسكرية للذين يرغبون في الترشح للرئاسة. بينما في السودان لم يشارك معظم المرشحين لمنصب (الرئيس)، في حروب وطنية من أجل السّودان. ليس ذلك فحسب. بل شارك بعضهم في حروب ضد الجيش السوداني، وأنشأ مليشيات في دول الجوار بتسليح أجنبي وتمويل أجنبي لقتال الجيش الوطني، بل تحالفوا مع العملاء الخارجين على القانون من المتمردين لكسر ظهر الدولة وتصفيتها. القتال من أجل الوطن والفداء الوطني قيمة سياسية كبيرة، لا يمكن التغاضي عنها. بل يستحيل التغاضي عنها، خاصة في الدّول التي يتهدَّد الخطر وجودها أو وحدتها أو سلامة شعبها. السودان في صميم تلك الدّول. في بعض الدول، مثل إسرائيل، شارك كلّ القادة السياسيين في الحرب ل (الدفاع عن إسرائيل وقتال أعدائها). كما أن عدداً كبيراً من الرؤساء والوزراء والسياسيين وقادة الأحزاب ممّن خلعوا البزّة العسكرية، كانوا سابقاً ضباطاً عسكريين محترفين. مثل (الرئيس) الجنرال إسحاق رابين قائد جبهة سيناء في حرب 1967م، والذي قام بتأمين احتلال شبه جزيرة سيناء، و(الرئيس) الجنرال آرييل شارون (نجم حرب أكتوبر 1973م الإسرائيلي) الذي أحدث ثغرة (الدَّفر سوار) واحتلّ بيروت، و(الرئيس) الجنرال يهود باراك الذي قام باغتيال قادة منظمة (فتح) في شارع (فردان) بالعاصمة اللبنانية، و(الرئيس) مناحيم بيجن الذي يعتبر إسرائيلياً قائد جيش تحرير وطنيّ، و(الرئيس) إسحاق شامير الذي ظلَّت تلاحقه منذ الأربعينات وحتى رحيله حادثة تفجير فندق داؤود. العديد من القادة السياسيين في إسرائيل، هم خرِّيجون من التنظيمات العسكرية الصهيونية مثل (الأرغون) و(الهاجانا)، وغيرها. يجب أن تصبح الخبرة العسكرية جزءًا لا يتجزأ من الخبرة السياسية في تقلّد منصب الرئيس في السودان، في وطن تتهدَّده سيناريوهات الإنفصال واستراتيجيات التقسيم إلى دويلات. كما يحدث في الديمقراطية الأمريكية، يجب إرساء مبدأ ربط الخبرة العسكرية بالخبرة السياسية، بدءً من الرئيس السوداني القادم. يجب أن يبدأ سير السودان في طريق أحدث الديمقراطيات الغربية. يجب أن ينتهج السودان النهج الأمريكي في ربط الرئاسة بالخبرة العسكرية، يجب أن يُبرِز كل راغب في منصب (رئيس السودان) إلى جانب تجاربه ومؤهلاته السياسية، خبرته العسكرية وثقافته العسكرية وسيرته الذاتية في القتال من أجل السودان، تحت قيادة، الجيش الوطني. فقط القتال من أجل الوطن، وليس من أجل أي هدف آخر، مثل (الذات) أو (الحزب). إذ لا يستوي عند شعب السودان الذي قاتل من أجل شعبه والذي لم يقاتل، فضلاً عن أن يستوي لديه الذي قاتل تحت قيادة الجيش الوطني، والذي قاتل ضد الجيش الوطني!. --- الرجاء إرسال التعليقات علي البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.