لم اكن اتخيل ان هناك ازمة حقيقية تقلق المغتربين السودانيين بهذا الحجم، ازمة يبدو انها تُحكم قبضتها على رقاب اولياء الامور وتدفعهم دفعًا الى اتخاذ احد الخيارين إما العودة النهائية لمواجهة مشكلات اخرى مستعصية تعترض سكة التعليم وإما انشاء مدارس سودانية خاصة بالمملكة العربية السعودية والخيار الاخير ربما ليس من الصعب تحقيقه فهو يتقاطع مع لوائح وشرائع الجامعة العربية التي يعتقد ان قانونها لا يتيح فكرة انشاء مدارس في دولة اخرى. كنت عشية الخميس الماضية شاهدًا على ان هذه القضية التي باتت تهدد قطاعات كبيرة من ابناء المغتربين وتبث فيهم حالة من الشقاء والبؤس كنت استمع الى كل مكونات الازمة واحتقاناتها وشخوصها وابطالها وهنا في المملكة تعليم ابناء السودانيين تحت رحمة ما يسمى بالمجموعات التعليمية ولا يبدو ان هذا النهج يتفق مع مقومات ومعايير التعليم.. ان نتائج التحصيل الاكاديمي مخيبة للآمال ومحبطة كما وصفها القنصل خالد الترس وكنت كذلك ارى البراءة في عيون الاطفال من الذين طال ليلهم وسهرهم وهم ينتظرون ان يصل القوم الى حلول تعيد الافراح وتؤمن مستقبلهم التعليمي في بلاد المهجر ولكن الليل طال والمعنيون لا حل لديهم والقنصلية كأنما لسان حالها يقول «لا املك عصا موسى» ووزارة التعليم خارج الحلبة كانما الامر لا يعنيها وجهاز المغتربين منشغل تمامًا بجباياته وعائداته وكرنفالاته والجاليات غارقة حتى اذنيها في صراعاتها فهي في سباق مستمر للحصول على عرش القيادة تستخدم كل الاسلحة المشروعة وغير المشروعة في تصفية خصومها.. سنوات مضت والقوم بلا وعي وبلا ارادة مشتركة اضاعوا سني مهجرهم فيما لا طائل منه او عائد لأسرهم.. فكم من المشروعات والافكار أُجهضت واستشهدت قيم النفير والتسامي وغاب العقل الجامع.. والقنصل هزته كثيرًا العبارة البريئة من اصحاب الوجعة «بابا الترس متين الحل.. ورينا متين سيف الحلول ينسل»، ولكن الترس يحاول ان يقذف بهذه الكرة الملتهبة الى ميادين اخرى ويحمل الجزء الاكبر من قضية تعليم الابناء الى الآباء واولياء الاموء فهو يراهم «ما فاضين» ومنشغلين بالدوامات وجمع المال. في ظني ان هذه القضية لن ترسو على بر وذلك من منظور ان اللاعبين كثرًا والجريمة تشتت دمها وليس هناك من يقع عليه حد القصاص.. تساؤلات كثيرة جالت بخاطري وانا ارصد تفاصيل هذه الندوة الكبرى التي نظمتها رابطة ابناء ولاية الجزيرة بمنطقة جدة حول قضية تعليم ابناء المغتربين بالمهجر في محاولة منها لتحريك جمود المشكلة وحث الآخرين ليدلي كل بدلوه بحثًا عن مخارج آمنة فالمسؤولية جد عظيمة والكل منشغل والأبرياء هم فقط الذين يدفعون فاتورة الهجرة.. كنت اتوقع ان تخرج هذه الندوة بمخرجات محددة وترسم طريقًا واضحًا يوصل القضية الى نهايات حاسمة وكنت اتوقع ايضًا من الاخ الترس ان تأخذه الهاشمية خصوصًا انه بين اهله الطيبين والمتسامحين من ابناء الجزيرة ويعلن تبنيه لآلية فاعلة لمعالجة هذه المشكلة ولكنه خرج منها كالشعرة من العجين.