ويستمر مسلسل تهريب السلاح إلى الخرطوم بوتيرة أسرع مما كان عليه الحال قبل توقيع اتفاقيات أديس أبابا الأخيرة بين دولتي السودان وجنوب السودان فقد شهد يوم الجمعة الماضي ضبط 40 صندوق ذخيرة قرنوف بمحلية شرق النيلبالخرطوم وقبلها بثلاثة أيام شهدت مدينة ود مدني ضبط أسلحة كانت في طريقها إلى الخرطوم وقبل ذلك شهد الشهر الماضي ضبط عدة شحنات في مدينة كوستي كلها كانت في طريقها إلى الخرطوم بل إن يوم أمس الأول الموافق السبت الماضي شهد القبض على كميات من الأسلحة في محلية أمبدة!! الشاهد المشترك الأعظم بين كل هذه الشحنات المقبوض عليها أنها كانت قادمة من ولاية جنوب كردفان التي تخضع بعض محلياتها لما يُسمى بقطاع الشمال بالجيش الشعبي لتحرير السودان وكانت كلها مخبّأة بعناية فائقة في شاحنات تحمل خرفاناً أو غير ذلك من المواد... بالله عليكم لماذا يُهرَّب السلاح إلى الخرطوم؟. كنا ولا نزال نقول إن ما يُضبط ويُكتشف لا يبلغ مِعْشار ما يُفلح مهرِّبوه في إيصاله إلى الخرطوم ولعلَّ شحنة القرنوف التي قُبضت في قلب الخرطوم يوم الجمعة الماضي وذخائر أمبدة يوم السبت الماضي تقدِّم الدليل الناصع على ما ظللنا نقوله ونحذِّر منه وكنتُ قبل أيام قليلة قد أهبتُ بدكتور عبد الرحمن الخضر والي ولاية الخرطوم لإيلاء الأمن عناية شخصية خاصةً بعد أن حذَّرتُ من حقيقة أن الولاية مستهدَفة وأنه ما من مسؤولية ملقاة على عاتقه أكبر من تأمين عاصمة البلاد من السلاح سيَّما وأنها كانت مسرحاً لعمليات عسكرية وتخريبية معلومة من بينها غزو أم درمان وأحداث حي المهندسين بأم درمان جراء المعركة التي احتدمت مع قوات مني أركو مناوي الذي كان حينها كبيراً لمساعدي رئيس الجمهورية!! وكذلك أحداث الإثنين الأسود وغير ذلك من الأحداث التي تعكس حقيقة أن الخرطوم مكتظّة بالسلاح وبالخلايا النائمة والقنابل الموقوتة التي تنتظر لحظة الصفر لتفجير العاصمة وإحراقها!! ما ذكّرتُ بتهريب السلاح إلا لألفت النظر إلى برميل البارود الذي تتقلب فيه الخرطوم الأمر الذي يُعيدنا إلى قصة الحريات الأربع التي تم توقيع اتفاقيتها بدون أن يطرف للموقِّعين جفن وربك يستر فقد تمنّى كبير المفاوضين إدريس عبد القادر أربعين حرية ستشمل بالقطع تلك التي أشار إليها الكاتب الساخر د. عبد الماجد عبد القادر حين تحدث عن حرية جديدة ربما نسيها إدريس وصحبُه وأخشى من إضافتها خلال جولة التفاوض القادمة ألا وهي «حرية التبوُّل على رؤوسنا»!!. وزارة الصحة بولاية الخرطوم التي يبدو أنها تؤذِّن في مالطا طالبت الدولة بالتدخل لضبط دخول الأجانب عبر القنوات الرسمية وإجراء الفحوصات الطبية اللازمة وخاصة فحص الإيدز وقال محمد عوض مدير إدارة مكافحة الإيدز بالإنابة إن الوزارة بدأت في إنفاذ البروتوكولات والموجِّهات الخاصة بالسيطرة على انتشار فيروس الإيدز مؤكدًا انخفاض معدل الإصابة بالإيدز بعد انفصال الجنوب. طبعاً مدير مكافحة الإيدز لم يعلِّق على تأثير الحريات الأربع على عودة المرض وانتشاره من جديد كما لم يعلِّق على مقترح زيادتها إلى أربعين حرية التي توعدنا بها إدريس عبد القادر بالرغم من علمه بمشروع السودان الجديد الذي لطالما تحدثت عنه الحركة التي تُصرُّ على تحريرنا ويكفي اسمها دليلاً «الحركة الشعبية لتحرير السودان»!. لا يفوتُني أن أذكر أن بعثة الأممالمتحدة في جنوب السودان «يوناميس» ذكرت أن عدد المصابين بالإيدز في تلك الدولة الجديدة المريضة تجاوز ربع مليون مصاب وإذا كان مجموع السكان ثمانية ملايين نسمة فإن النسبة المئوية تصبح أكثر من ثلاثة في المائة وهي حسب علمي أعلى نسبة في العالم ولا عزاء لدكتور مامون حميدة بعد الحريات الأربع التي يتمنى إدريس أن تصبح أربعين!! لعل القراء لم ينسَوا قضية القبائل الرعوية التي أُخرجت من الجنوب بعد أن أمضت عشرات السنين في تلك الدولة التي كانت جزءاً من السودان واستقرَّ المقام بالمطرودين الذين نُهِبت ممتلكاتُهم وحيواناتُهم في ولاية النيل الأبيض واستُقبلوا من قِبَل الوالي الشنبلي وحكومته هذا طبعاً إذا غضضْنا الطَّرف عن قبيلة الأمبررو التي كانت أعداد كبيرة من رعاياها تنتشر في عدة ولايات جنوبية قبل أن يُطردوا شرّ طردة... حدث ذلك قبل الانفصال فماذا سيحدث بعد الانفصال أيها المبشَّرون بنعيم الحريات الأربع؟! بالله عليكم اسمعوا كلام الناصح الأمين د. فيصل حسن إبراهيم وزير الثروة الحيوانية الذي هاجم حكومات الولايات الحدودية لدولة الجنوب متهماً إياهم بالاعتداء على الأموال التي تصلها من الحكومة المركزية لإقامة مشروعات الرعاة!! صدِّقني يا د. فيصل إنك أصبتَ كبد الحقيقة فما من دولة محترمة تترك رعاياها لقمة سائغة لأعدائها يتسوَّلون المرعى لبهائمهم عند الآخرين.. إن الدولة التي لا توفِّر المرعى لمواطنيها تضحِّي بكرامتهم بل بحياتهم ومعلوم أن الجيش الشعبي لن يسمح للمسيرية والرزيقات بعبور الحدود الجنوبية حاملين أسلحتهم ومعلوم كذلك أن الرعاة سيتعرَّضون للقتل ونهب الأبقار من قبَل الجيش الشعبي إن هم دخلوا الجنوب بدون سلاح وأعجب والله أننا نمنِّي أنفسنا بالأوهام ونتحدَّث عن الرعي في أرض الجنوب بالرغم من علمنا بالمجازر التي تعرَّض لها المورلي «الجنوبيون» من قبل بعض القبائل الجنوبية المعادية ونهب الأبقار الذي ذاقوا منه الأمرَّين فكيف بالمسيرية والرزيقات من العرب المندكورو المُبغَضين؟! إن الحل يكمُن في أن تُعالَج قضية المراعي التي تقام للمسيرية والرزيقات مركزياً وتتولاها وزارة الزراعة ووزارة الثروة الحيوانية في إطار مشروع مركزي بحيث لا يُترك ذلك للسلطات الولائية التي تتصرف وفق أولوياتها السياسية. فاتني أن أُشير أنه ما من دولة تشجِّع حياة البداوة لشعبها أو حياة التنقل حتى داخل أرضها ناهيك من التنقل في دولة أخرى بما يعرِّض مواطنيها للقتل والإذلال سِيَّما وأن حياة الرُّحَّل تتعارض مع التطوير والتنمية والنهضة والتعليم والصحَّة فكيف يتعلم الرُّحَّل وينتقَّلون من حياة البداوة إلى حياة الاستقرار؟! إن الحل في إقامة المزارع «Ranches...» يقول بروف زكريا بشير إمام إن الإسلام دين حضري ولم يحدث أن ابتُعث رسول إلى بدو رُحَّل بل إن الإسلام شَنَّ حملة على البداوة والبدو (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا) فهلا أنهينا معاناة أهلنا المسيرية وغيرهم من الرُّحَّل وأخرجناهم من ذُلّ تسوُّل المرعى في دولة تبغضهم وتشنُّ عليهم الحرب وتنازعهم أرضهم وتنهب أنعامَهم وممتلكاتِهم؟! لقد تناقص عدد الذين يرعَون بهائمهم في جنوب السودان إلى 1.5 فقط بعد الانفصال حسبما ذكر الزعيم المسيري عبد الرسول النور وآن أوان حلّ المشكلة بصورة جذريَّة وحضاريَّة تحفظ لأهلنا الرُّحَّل الكرامة والعزَّة وحياة الاستقرار والنهضة. في الخبر الذي نشرته صحيفة «الوفاق» بتاريخ 10/ 10/ 2012 طالبت قبيلة سليم بولاية النيل الأبيض من خلال مذكِّرة رسميَّة بحمايتها من اعتداءات الجيش الشعبي كما شدَّدت على أهميَّة إقامة مشروعات لتوطين الرُّحَّل وبالرغم من ذلك يتحمَّس بعضُ الغافلين لاتفاقية الحريات الأربع!! --- الرجاء إرسال التعليقات علي البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.