رغم إعلان اتفاق فك الارتباط بين الحركة الشعبية الأم ممثلة في الفرقتين التاسعة والعاشرة مشاة بكل من ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان إلا أن قطاع الشمال بمعية هذه القوات قام مؤخراً بقصف مدينة كادوقلي التي احتضنت جلسات ومناقشات ملتقى جنوب كردفان التشاوري بقذائف الكاتيوشا وبعض الأسلحة الأخرى في مسعى منه للحيلولة دون انعقاده حسب ما تم تفسيره من قبل المتابعين لجلسات اللقاء، لتحيل الملتقى وجلساته إلى لقاءات بطعم البارود، فقد رفض المؤتمرين الإذعان لرغبات قطاع الشمال وأعلنوا تمسكهم بالمضي في الجلسات التي أعلن عن انتهائها مؤخراً وخرج بتوصياته الداعمة للسلام والحوار. واستمر قصف قطاع الشمال للمنطقة ثلاثة أيام أحدث فيها أضراراً كبيرة طالت مؤسسات الحكومة إلى جانب المواطنين العزل من النساء والأطفال والشيوخ لتحصد أرواح العديد منهم. والمتابع للأحداث يستطيع أن يربط بين حديث مولانا أحمد هارون والي جنوب كردفان أمس الأول خلال طابور العرض العسكري الذي نفذته القوات المسلحة ورديفاتها من الشرطة والأمن والدفاع الشعبي بشوارع مدينة كادوقلي وبين استفزازات قطاع الشمال الأيام الماضية باستهدافه للمنطقة وضربها بالصواريخ وغيرها، وذلك بغرض إظهار قوة القوات المسلحة التي تحتقرها الحركة الشعبية بحسب إفادات الخبير العسكري ل«الإنتباهة» أمس، لتأتي تأكيدات أحمد هرون بذلك «إنها إظهار للقوة». وقال هارون: «إن الحكومة ماضية في سبيلها تحمل السلاح بيد وتسعى للسلام في الوقت ذاته وأضاف: «الداير السلام بنتحاور معه والداير الحرب بنحاربو والممطورة ما بتخاف من الرشة»، ويرى مراقبون للأوضاع أن هذا الإجراء نتج من استفزازات قطاع الشمال المتكررة والتي وصفت «بالمؤسفة»، وربما أراد قطاع الشمال بهذا المنحى إرسال رسالة للحكومة مفادها أن نحن هنا موجودون كما قال هارون، ولكن الرسالة جاءت على أشلاء النساء والأطفال، في الوقت الذي دعا فيه والي جنوب كردفان إلى ضرورة التفاوض مع القطاع دون شروط وكان آخرون يرون أن في هذه الدعوة إضعافًا لقوة الحكومة وتقوية لصفوف الحركة التي جعلت من المنطقة مقراً لها. وحول هذه المرامي والأهداف من إقدام قطاع الشمال على استخدام النار والبارود كلغة حوار بينها وبين الحكومة والمؤتمرين في منطقة كادوقلي صبيحة انعقاد ملتقى أبناء المنطقة التشاوري يقول الخبير الإستراتيجي المعروف بروفيسور حسن مكي ل«الإنتباهة» إن قطاع الشمال لديه أجندته الخاصة والتي دائمًا ما يعبر عنها بأسلوبه الخاص وأنه أراد من هذا الهجوم المباغت أن يقول بل ويؤكد للحكومة أنه موجود وقادر على اختراق القوات المسلحة بيد أن الأستاذ حسن مكي وصف أي هجوم على مناطق المدنيين الآمنة بأنه غير مقبول على الإطلاق. وربما خطوات قطاع الشمال كانت واضحة من خلال تنفيذ تلك المهمة التي غيرت مسار العملية السلمية بالولاية بعد أن تطلع إليها الكل بنظرات حالمة إلى واقع طارد شبيه بالأيام الحالكة التي خلت قبل شهور مضت. ويقول الخبير الإستراتيجي والمحلل السياسي اللواء «م» محمد العباس الأمين إن ما حدث طبيعي ومتوقع منذ توقيع اتفاقية نيفاشا في العام «2005م» وإن كل الدلائل تشير إلى ذلك، واصفاً تنفيذ الخرطوم المبكر لبنود نيفاشا بالمتسرع وأضاف: تسرعت في إنفاذها وكانها اتفاقية تجارية، في الوقت الذي ما زالت بعض القضايا معلقة. وأشار العباس إلى مستوى التعقيد الذي يلازم فك ارتباط الفرقة التاسعة والعاشرة من الجيش الشعبي بقطاع الشمال مشيراً إلى أن السودان سارع بإجلاء قواته العسكرية من الجنوب وأنه لو ترك نصف جيشه هناك مثل ما فعلت الحركة الشعبية لما قُدِّر لمثل هذه الأحداث أن تقع. وقال العباس إن الإجراءات التي بُنيت عليها الترتيبات الأمنية الراهنة وقائع غير موجودة على الأرض متسائلاً: «لمن ينسب ال«45» ألف جندي الموجودين على الأرض هناك» في ظل إنفاذ هذه الترتيبات واصفًا تزامن القصف مع انعقاد المؤتمر هناك بالتحديد الدقيق وفقًا للتداخل الزمني، وقال إنه إذا لم يتم فك ارتباط الحركة الشعبية بقطاع الشمال فإن القطاع لن يوقف هذه الاعتداءات إطلاقاً داعيًا إلى ضرورة حسم أمر القوات الموجودة على الأرض، ووصف تفويت قطاع الشمال فرصة مفاوضات أديس أبابا ورفض التقدم فيها وصولاً لحل سلمي لشيء في نفس يعقوب. واتفق الأستاذ ربيع حسن أحمد السياسي الضليع بالمؤتمر الوطني مع الخبير الإستراتيجي، ود العباس، وقال إن ما حدث شيء غير مستبعَد وطبيعي ومتوقَّع من قطاع الشمال وانتفت فيه عناصر المفاجأة مشيراً إلى أن قادة قطاع الشمال دائماً ما يحاولون أن يثبتوا للعالم أنهم أقوياء عسكرياً وأن الحكومة غير قادرة على أن تتعامل معهم وتضع حداً لنشاطهم مضيفاً أنهم يظنون أن هذا في حد ذاته حجة ليقف العالم معهم فتجبر بذلك الحكومة وتقدم على محاورتهم وتقبل شروطهم ولكنه أكد أن تكتيك الضرب واستخدام المدافع وسط المدن لن يكون مجدياً لخلق توازن سياسي لما يسمى بقطاع الشمال. وقال ربيع إن انعقاد المؤتمر التشاوري ليس في مصلحتهم ويعتبر قادة قطاع الشمال أن كل من ليس معهم فهو ضدهم وأنهم بذلك يريدون أن يفرضوا ولاء جبال النوبة بالقوة. وعاد ربيع ليقول ل «الإنتباهة» إن القطاع بذلك إنما يوصد الباب في الواقع أمام أية إمكانية للتفاوض والحوار، وحتى لو حدث تفاوض وحوار بعد هذه التطورات فإنه من المستحيل تماماً أن يجد قادة القطاع ما يتطلعون إليه حتى ولو فى حدِّه الأدنى. وجاءت تفسيرات أخرى من متابعين للأوضاع أن قادة قطاع الشمال مغبونون غاية الغبن جراء قرب طيّ صفحة الخلاف السوداني الجنوبي، وهو المجال الحيوي لهم للاصطياد في مياه الخلافات السابقة، خاصة وأن الحادثة تزامنت مع إجراءات اللجان الأمنية المشتركة بين الخرطوم وجوبا للشروع في بند الترتيبات الأمنية أحد أهمّ عناصر تفكيك القوى. وسواء كان هذا هو الهدف أو غيره فإن الأمر المؤسف في الحادثة برمتها أنها زادت من قناعة المؤتَمِرين يومها في كادوقلي بالعملية السلمية وعزل حملة السلاح فالخطأ القاتل الذي ارتكبه الجناة أنهم عبَّروا تعبيراً طائشاً عن مفهومهم للسلام وكيفية حل النزاعات والاستقرار.