السيد جوزيف ستافورد كتب ل«الإنتباهة» قبل أيام رسالة رقيقة في ظاهرها أبرز فيها إعجابه بالشعب السوداني الذي يهتم بالشعب الأمريكي، ولم يأتِ السيد ستانافورد بجديد، فالكل يعرف بساطة السوداني وترحيبه بالضيف، ولكن الغريب في الأمر أنه رغم ثناء السيد ستافورد فإن الشعب السوداني يعاني من أمريكا كل أصناف الحصار حتى في الدواء الذي يتداوى به مرضاه، ولم تكتفِ أمريكا بحظر الدواء بل قصفت أكبر مصنع للدواء بحجة أن المصنع ينتج الأسلحة الكيماوية وكانت هذ كذبة كبرى دحضها الأستاذ غازي سليمان في مؤتمر صحفي عالمي حضرته أكبر القنوات الأخبارية العالمية. ولم تعتذر أمريكا للشعب السوداني رغم وصف السيد ستانافورد بأن هناك كثيراً من حسن النيّة من السودان تجاه الولاياتالمتحدة. الملاحظ أن السيد ستافورد يوجه حديثه للشعب السوداني ويخاطبه مباشرة وهذه سياسة بدأت الولاياتالمتحدة تمارسها بعد تولي السيدة كلنتون وزارة الخارجية، فقد أطلقت مبادرة تبرز اهتمام الولاياتالمتحدة بالمجتمع المدني، وأطلقت عليه القوة الذكية، والتي لا تهدف فقط إلى تعزيز عملية التحول الديمقراطي إنما تهدف إلى بلورة إستراتيجية جديدة بعد الخسائر التي تكبدتها الولاياتالمتحدة في العراق وأفغانستان نتيجة الاعتماد على القوة العسكرية، وكذلك التحولات المتسارعة التي لحقت بالمنطقة العربية عقب ثورات الربيع العربي ومحاولة الشعوب التحكُّم في مصائرها. هذابالإضافة إلى رفض الدعم الخارجي للنظم المستبدة من قبل الولاياتالمتحدة، وقد أكدت كلنتون أن نجاح هذه الإستراتيجية يعتمد على تعزيز القوة المدنية الأمريكية وتوسيعها لإيجاد بنية عالمية للتعاون. والتودد للشعوب من خلال منظمات المجتمع المدني جاء بعد أن نجحت هذه المنظمات في إسقاط الأنظمة في كل من مصر وتونس، وتعلم أمريكا جيداً أن هذه المنظمات لا تستطيع التحوُّل إلى أحزاب سياسية لتحكم بدلاً عن النظام، لهذا بدأت أمريكا في التودد إلى الشعوب والتخلي عن الأنظمة الاستبدادية التي لطالما دعمتها طوال الوقت. إن أمريكا بسياستها الجديدة «القوة الذكية» لا تتعامل مع الدول إنما تتعامل مع المواطنين رأساً. فالمساعدات تنالها الدول وليس الأفراد، وتعامل الدبلوماسية الأمريكية مع الأفراد أمر مرفوض يقود إلى المحكمة كما حدث في مصر. الإستراتيجية الأمريكية التي تتعامل مع منظمات المجتمع المدني هي سياسة أقرّت بها وزيرة الخارجية الأمريكية في مقال نشر في مجلة «Foreign Policy» بعنوان «إعادة تعريف الدبلوماسية والتنمية الأمريكية» وقد نشر المقال في عام 2010 أي قبل الربيع العربي. وتقول كلينتون إن مهامها تتمثل في تحقيق الاتساق والاندماج بين الدبلوماسية والتنمية وتشديد الأهمية على ذلك بالقدر نفسه الذي تحظى به الدفاعات الأمريكية، وهو الأمر الذي وصفته بأنه ترسيخ مفهوم القوة الذكية كنهج جديد لحل المشكلات العالمية إلا أنه لن يتحقق دون تعزيز القوة الأمريكية المدنية وتوسيعها إلى أبعد مدى. للسفراء وظيفة رئيسة وهي إدارة العلاقات مع الدول الأجنبية من خلال المشاورات مع نظرائهم في الدولة المضيفة. إلا أن ذلك في ظل الترابط العالمي لم يعد يقتصر على التعامل مع الحكومات إنما أصبح التعامل مع المواطنين، وحسب وجهة نظر كلنتون يجب أن يذهب التعاون إلى ما وراء الحكومة، في عصر المعلومات يتمتع المواطن بقيمة مضافة في الدول الاستبدادية، كما أن الجهات الفاعلة غير الرسمية أكثر قدرة في التأثير على الأحداث الجارية. فالسفير الأمريكي في أي بلد لا يؤسس علاقات مع حكومة البلد المضيف، إنما يقيم حواراً متصلاً مع شعبها. والمراجعة الدورية للدبلوماسية والتنمية تؤيد الإستراتيجية الجديدة، إذ تجعل من المشاركة العامة واجباً على كل دبلوماسي، يتم تحقيقه عبر اللقاءات والاجتماعات المفتوحة في المدن والمقاطعات والمجتمعات الصغيرة. وهكذا أصبح من المحتمل أن يلتقي الدبلوماسي الأمريكي مع شيوخ القبائل في قرية ريفية كنظراء مماثلين لوزير خارجية ذلك البلد..!!طبقت كلنتون ذلك في أندونيسيا وتركيا حيث اجتمعت مع مسؤولين حكوميين واجتمعت كذلك مع قادة المجتمع المدني وظهرت كضيفة شعبية في البرامج الحوارية التلفزيونية..!! كما عقدت اجتماعات مع مجموعات متنوعة من المواطنين في كل قارة زارتها. وتقول كلنتون إن المناسبات العامة هي جزء من وظيفتي كوزيرة للخارجية. وهذا ما يحدث في السودان. وما يقوم به السيد ستنافورد من زيارات وتجوال في السودان إنما هي سياسة ترمي إلى احتواء الشعوب بعد أن تخلّت عن احتواء الأنظمة التي يمكن للأيدي الناعمة إسقاطها. فالسيد ستافورد لم يكتب ما كتب عن الشعب السوداني لأنه أكثر إنسانية من الذين سبقوه والذين أرسلوه، فهذه سياسة عليه تطبيقها وإغواء الضعفاء من قيادات المجتمع المدني وحتى شيوخ القبائل لكسب الشعوب لصف أمريكا، وتغيير الأنظمة وتحقيق الديمقراطية التي تريد بالقوى الذكية، وبذا تكسب ود الشعوب بعد أن جلب لها تأييدها للأنظمة الاستبدادية كراهية تلك الشعوب..!! ولكن نجد أن المواطن الذي يريد السفر إلى أمريكا يعاني ما يعاني حيث يدفع مبالغ طائلة وبعد ذلك يمكن رفض طلبه ولا تُرجع إليه تلك المبالغ التي سُلبت منه..!! تحدث السيد ستانفورد عن المساعدات التي تقدمها أمريكا ولكنها تذهب إلى مواطنين ومنظمات باعتبارها القوى الذكية..!! أما حديثه عن الاحتجاج الذي سببه الفلم المسيء للرسول عليه الصلاة والسلام، أقول إن الهجوم على السفارة أمر مرفوض، فرسولنا الكريم الذي أسأتموه كان يحترم السفراء وأن حملوا تهديداً عدائياً وكان هو ومن خلفه يحترمون السفراء «الرسل بمفهوم ذلك الزمان» ويوفرون لهم الحماية التامة حتى يغادروا أرض الدولة الإسلامية..! وقد كان يؤمن وكذلك نحن بالرسل الذين كانوا من قبله ويصفهم بالإخوة وكان عندما تأتي سيرة أحد منهم يقول أخي موسى أو عيسى فقد بدأوا رسالة سماوية أكملها هو. وكان عليه الصلاة والسلام يحزن عندما يأتيه خبر موت عدو كافر وحزنه هذا لأن ذلك الكافر مات على غير دين الله..!!! هذا هو نبينا الذي أسأتم إليه، ولي سؤال: من أججج الصراع بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي؟ أليس هو رئيس الولاياتالمتحدة جورج بوش؟ وأعلنها صراحة أنها حرب صليبية، من أشعل نار التطرف؟ أليس هم المتشددين في كل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على السواء، وهؤلاء هم الذين يوجهون السياسة الأمريكية تجاه الإسلام والمسلمين..؟! لقد بدأ التطرُّف من قمة الهرم الرئاسي في البيت الأبيض والبنتاجون والكنغرس والتطرُّف ليس حكراً لجهة معينة حتى وإن كانت ذات قوة متطورة كقوة الولاياتالمتحدة ويمكن أن يتم بأسلحة بدائية كسكاكين البلاستيك التي سيطر بواسطتها الإرهابيون على الطائرات التي ضربت البرجين حسب ما جاء في تقريركم عن كارثة برجي التجارة.. ولو لاحظنا ملاحظة مهمة وهو أن كلا البرجين انهار بتفجير «Implosion» وليس «Explosion» وقد تعجبت كيف تم هذا. هل كان بإمكان الارهابيين وهم داخل الطائرة التي احترقت وانفجرت أن يحوِّلوا انفجار البرجين إلى «Implosion» هذا مستحيل..!! السيد ستافورد، خاطبتك لأني مواطن بسيط من أفراد الشعب السوداني الذي تطلب أمريكا وده وحسب السياسة الجديدة للخارجية الأمريكية وأنا أحسب نفسي من القوى الذكية ولكن ليس من نوع ذلك الذكاء الذي تريدون، ولو كنت ذكياً بمقاييسكم، لوصفت نفسي بالغباء والجهل..!! فأنتم ترددون مقولة أن السودان بلد عنصري تُمارس فيه الإبادة الجماعية والمسلمون الشماليون يذبحون المسيحيين الجنوبيين، بينما قامت أمريكا على الإبادة الجماعية لسكان الأرض الأصليين، ألم تبيدوا عشرين مليوناً من سكان أمريكا من الهنود الحمر، الذين صورتموهم للعالم بأجهزة إعلامكم أنهم أشرار يجب إبادتهم وقد نجحت الآلة الإعلامية في إقناع العالم حتى تبينت الحقيقة..؟! ألم تجبروا حكومة السودان على توقيع اتفاقية السلام وتأتوا بخبراء قانونيين ليصيغوا القوانين والدستور من جنوب إفريقيا وقد قصدتم بهذا أن يعترف المفاوض السوداني دون أن يدري بأن الصراع بين الشمال والجنوب هو صراع عرقي..!! والآن حين تبين الحق أجبرتم طرفي التفاوض تحت سيف البند السابع للتوقيع على اتفاقية سلام جديدة بها من الألغام والفخاخ ما يمكن أن ينفجر في أي لحظة، وقد تم في سابقة لم تحدث من قبل تعويم الحدود بين دولتين متناحرتين تقوم الأقوى فيهما برسم الحدود بالدبابات كما سمحتم بذلك لإسرائيل..!! قد تظن أنني مؤيد لنظام الحكم، كلا والله فهو بالنسبة لي نظام بغيض كل البغض وما أبغض منه إلا نظامكم الذي يريد أن يقضي على الشعب السوداني ويقضي على السودان الذي هو أحب إليّ من كل الدنيا بما فيها الولاياتالمتحدة..!! السيد ستافورد، آسف على الحدة في الخطاب لكن الأمر يهدد بقاء السودان وشعبه الكريم الودود بحسب شهادتك أنت وأنا واحد منه ولا اختلف عنه في شيء ورغم رأيي في سياسة بلادكم التي أكن لها كل البغض ولا أقول الكراهية، ففي إسلامنا الذي تحاربونه لا توجد فيه كراهية إنما البغض، لأن البغض يزول بزوال أسبابه، أما الكراهية فلا تزول أبداً هذه دقة الإسلام الذي أسأتم إلى نبيه الكريم وأحرقتم قرآنه وأجهزة إعلامكم تصوِّر المشهد وهي في منتهى السعادة..!! رغم كل هذا إن حللت ضيفاً عليّ فستجد كرم الضيافة السودانية التي ذكرت وهذا بأية حال من الأحوال لا يدخل في مفهومكم القوى الذكية وأختم حديثي بأعظم قصيدة شعر قرأتها مكونة من أربعة كلمات: في الأرض مخلوقان.. إنس وأمريكان