يعتبر أغلب المتعلمين السودانيين من المعجبين بالشاعر أبي الطيب المتنبي، ويعود ذلك الي وجود اشعاره في المناهج التعليمية ثم تأثير النقاد المتعصبين للمتنبي علي حساب ابي العلاء المعري والبحتري بالذات. ومما يثير اعجاب السودانيين بالمتنبي اعتزازه بنفسه وقدرته علي التعبير عن ذلك في شعر ملئ بالحكم. ومن السهل استلال ابيات مفردة تعبر عن اوضاع ومواقف الشخص. وفي هذا السياق،يردد الكثيرون في مناسبة العيد سؤال المتنبي المحرج للعيد: عيد بأي حال عدت ياعيد بما مضي أم بأمر فيه تجديد؟ ويتكرر هذا السؤال في الكتابات والاقوال واحيانا يتحذلق به المثقفون. وفي كل عيد يعود السؤال بسبب أو بلا سبب. ولكن هذا العيد يحق للسودانيين طرح السؤال لأنه العام القادم سيأتيهم بالتأكيد" بأمر فيه تجديد" وكثير من التجديد .فقد يكون هذا آخر عيد فطر يحتفلون به في وطن موحد.وقد حملت مقدمات أو مقبلات العيد الكثير من الارهاصات لسيناريوهات العيد القادم. سربت صحيفة"واشنطون بوست" ما يمكن أن يعتبر ملامح سياسة الولاياتالمتحدة خلال الفترة الدقيقة القادمة. وقد كشفت الصحيفة عن مغريات وتهديدات تنوي امريكا العمل بهاأو التسمية الدارجة سياسة العصا والجزرة.وتحدثت الصحيفة عن عصا غليظة أو جزرة مغرية،مما يوحي بأنها آخر مرة لسياسة الاغراءات أو المواجهات.ومن أهم المحفزات:رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب وعودة العلاقات الدبلوماسية كاملة بين البلدين، والعمل في مجلس الأمن علي تأجيل مذكرة اعتقال البشير الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية لمدة عام.وجاء رد وزارة الخارجية السودانية،رغم أنه لم يصلهم مباشرة أي قرار رسمي،حادا ومنفعلا،رافضا اصلا لهذا الاسلوب والطريقة بغض النظر عن المضمون. وكان وصف السيد وزير الخارجية،علي كرتي،مفاجئا وغريبا علي الوسط الدبلوماسي. فقد قال عن مثل هذا الحديث بأنه: " قلة أدب". وفي مثل هذه الحالة تصبح كل السياسة الخارجية والدبلوماسية قليلة الأدب. وبالمناسبة السياسة كلها قائمة علي قلة الأدب لان ديدنها الكذب الضار بالطرف الآخر. ما اثار الوزير يعتبر واحدة من اساليب العمل "المؤدب" أي ارسال بالونات اختبار قبل صدور القرارات والسياسات. وفي بداية رده، استهل بالقول أن السودان دولة ذات سيادة وحرة ولا تصنع سياساتها كردود فعل لمثل هذه التغييرات.ورأي البعض أن رأي كرتي يمثل رأي"الصقور" داخل النظام.ولكن المتابع لتطورات النظام في هذه المرحلة،يلاحظ انهم يريدون الاكثار من"العصافير" داخله. لذلك لا تنطبق عليه تصنيفات: حمائم وصقور. والدليل علي ما تقدم،اختفاء "صقور"كثيرة خلال وقت وجيز. والمثال لهذا الانحسار، دور د. نافع علي نافع، خاصة في الانتخابات واحاديثه عن دفن الاحزاب والتحدي الذي يؤكد عليه امام الاحزاب. ومن بعد الانتخابات لم نعد نري د.نافع في اجهزة الاعلام بتلك الكثرة التي عرف بها وهذا وضع لا يمكن أن يكون عاديا. من الغريب في رفض الخارجية السودانية،أن المطلبين الاولين من ركائز سياسة السودان مع امريكا. ففي أي لقاء أو مؤتمرات مشتركة يكون مطلب النظام السوداني هو رفع السودان من قائمة الارهاب لأن هذه الاتهام لا اساس له من الصحة.وفي نفس الوقت يري النظام في مثل هذا الاجراء دليل علي حسن النية مما يمهد للتعامل مع الاجندة الاخري بقدر من الثقة المتبادلة.ويبدو أن ما اغضب وزير الخاجية ورود النقطة الثالثة الخاصة بالمحكمة الدولية ،فالسودان يتوقع دائما الا تذكر المحكمة الدولية الجنائية لأنها ليست عضوا بل لم توقع علي اتفاقية روما.فهذا الاغراء مبطن بتأييد قرارات المحكمة وقد تحاول امريكا تأجيل التنفيذ وليس الغاء الطلب بتوقيف البشير.والنظام السوداني يسعي لكي يتجاهل المجتمع الدولي ما يسمي المحكمة الدولية والا يتردد اسمها،لان ذلك يحييها في الاذهان.ومن المعلوم أن النظام يعتمد كثيرا علي الجنرال الزمن،النسيان سلاح قوي وهذه خطة نظام الانقاذ. أما جديد العيد للسودانيين،فقد كان في يوم وقفة العيد تماما،واحتل التصريح- الخبر صدارة نشرات الاخبار كلها طوال اليوم. فقد وصفت الوضع في السودان بقنبلة موقوتة قابلة للانفجار. وهنا مكمن الأزمة،لان مثل هذه القنابل قد لا يدرك الجميع أو الغالبية وقت انفجارها وبالتالي لا يكونون علي استعداد لها.وبالفعل هذا الشعور الغامض والمبهم هو السائد هذه الايام بين السودانيين.فهم يتحدثون عن حدوث شئ ما ، ولكن متي يحدث وماهو اصلا؟وهذا الوضع ينطبق علي الجميع:حاكمين ومحكومين.وللمفارقة،بين الحاكمين أكثر،فالظروف تضطرهم للحديث والتصريج.وللقارئ أن يتصور التناقضات في الردود وبالتالي نلاحظ كثرة نفي التصريحات والتصحيحات.والبعض لزم الصمت"ان يقل خيرا أو يصمت".وهذه الحالة من عدم اليقين:لا حرب ولا سلم،هي الأكثر تعذيبا ومضاضة علي وجدان الشعوب.السودانيون في حالة تثير العطف والاشفاق،فكل يوم يمر تقترب الكارثة خطوات،والمواطن وحكامه لا يعرفون حلا،ولا يبقي غير الانتظار. انعكست هذه الحالة علي السياسة الامريكية تجاه السودان،فالامريكان مرتبكون وحائرون تجاه السودان. وليست لديهم سياسة واضحة،ففي اكتوبر الماضي نشرت "الاستراتيجة الجديدة"تجاه السودان. وجاءت انشائية وباهتة ولم تقدم أي رؤية ولا خطوات عملية وكررت حديثا تكرر عشرات المرات. وصار مبعوث،الطيار سكوت قرايشن،عبئا ثقيلا علي الامريكيين والسودانيين.وعجز عن مساعدة النظام في الجنوب ودارقور.وفي بلاده كان عرضة لاستجوابات مستمرة وهجوم من الناشطين في دارفور. واضطرت الادارة الامريكية"برقعه"بمبعوث آخر.ومن الملاحظ ان تصريح هيلري كلنتون جاء وكأنه يرد علي حصاد سياسة قرايشن في السودان.ولم بعد لامريكا مصداقية في السودان بعد قبولها لنتائج انتخابات اثارت كثيرا من الجدل بل اثبتت بعض التقرير تزويرها.ولكن امريكا،الذي يهمها الاستفتاء،قفزت علي الانتخابات.وعلينا الا ندين الادارة الامريكية بل المجتمع المدني الامريكي الذي مارس اخلاقية مزدوجة في التعامل مع الانتخابات.وفي هذا الصدد يأتي بالذات ذكر مركز كارتر والمعهد الامريكي للسلام والاخير صار يتدخل بطريقة مكشوفة ونشطة في الشؤون الداخلية السودانية من خلال تكوين لوبي سوداني-امريكي.كانت تقاريرهما سلبية ولكن توقفت عند مؤتمر صحفي سريع.ومركز كارتر تعرض للابتزاز من البداية وخضع لهذا الابتزاز وهدده النظام بالطرد فتراجع عن مواقفه.وللأسف ما يسمي بالمجتمع المدني العالمي صار مواقفه تتناقض تماما مع المبادئ المعلنة مثل الديمقراطية وحقوق الانسان.وضمن هذه الفوضي تشكل امريكا سياستها تجاه السودان. سيكون يوم24 سبتمبر القادم نقطة تحول هامة في تحديد مستقبل السودان. اذ يتوقع أن يناقش كل العالم قضية السودان والتي تم تدويلها منذ فترة.ولكن كما قال ممثل الحركة الشعبية ان مشكلة السودان تحل في الخرطوم وليس في نيويورك أو واشنطون.وكل عام وانتم بخير مع جديد العيد.