حوار: المثنى عبد القادر الفحل .تصوير: محمد الفاتح ضجََّت الساحة السياسية باتفاقية أديس أبابا بين السودان ودولة الجنوب، لكن المحلِّل السياسي البروفيسور حسن علي الساعوري اعتبر أن هذه الاتفاقية وما تحويه من ملفات تؤكد وجود نواقص كثيرة فيها أولها الملف الأمني والحدود والقضايا العالقة، وقال الساعوري في حوار مع «الإنتباهة» إن ترحيب المجتمع الدولي والإقليمي بالاتفاقية والقوى السياسية بالداخل ينمّ عن جهل كبير لهم بما تحتويه تلك الاتفاقية من نواقص خاصةً أن القصف الذي جرى على مدينة كادوقلي يؤكد بلا شك أن الحكومة ضعيفة وأدواتها أيضًا والدليل قصف تلك العاصمة لأيام، فإلى مضابط الحوار: كيف تفسر اتفاقية أديس أبابا بين الخرطوموجوبا وتأثيرها على مستقبل البلاد؟ - الصورة العامة لاتفاقية أديس أبابا يجب أن تُرفق بأن مفاوضي الخرطوموجوبا لم يستطعيوا أن يتوصلوا لاتفاقيات إلا بعد حضور رئيسي البلدين مع الضغوط الدولية من المجتمع الدولي، بمعنى آخر أن الاتفاق هو عملية «قيصرية» وليس اتفاقًا طبيعيًا تم بدراسة جدوى ليكون هذا الاتفاق بقناعة الطرفين، إذًا فإن الذي تم ليس اتفاق «سلام» أو اتفاق تعاون بين البلدين، حيث تناول قضية البترول والقضايا المشتركة بينهما، لكن لا علاقة لها بالسلام لأنها في الأساس لم تكن مصدر نزاع بين الخرطوموجوبا لأنها مصالح مشتركة، لذلك من السهل جدًا التوصل لاتفاق فيها، بالتالي لم تكن قضية أساسية مثل «أبيي والحدود» والمناطق المزعومة من الجنوب، وهناك منطقة «14ميل» هي مصادر النزاع إضافة إلى دعم متمردي جنوب كردفان والنيل الأزرق، إذاً فإن السلام المطلوب هو لإطفاء تلك القضية لأنها مصدر الحرائق بين البلدين، بمعنى أن هنالك مناطق أخرى لا تزال مصادر نزاع المطلوب الاتفاق عليها، وحتى الآن لم يحدث، صحيح أن هناك اتفاقًا على طرد متمردي البلدين والخرطوم بادرت بطرد قوات جيمس قاي لكن الحركة الشعبية قطاع الشمال يختلفون عن متمردي الجنوب لأن قطاع الشمال مرتبط عضوياً لأنه جزء من دولة الجنوب خاصة أن اللواء التاسع والعاشر هم جزء من الجيش الشعبي ووفق الأنظمة فإن أوامر تلك القوات لا تأتي من تلقاء نفسها وإنما من أعلى قيادة في الجيش الشعبي، من ثم فإن المطلوب من الجنوب أن يصدر قرارًا بحل تلك القوات من الجيش الشعبي وفك الارتباط معها، بالتالي فإننا لا نستطيع أن نقبل حسن النية من الحركة الشعبية بدولة الجنوب ما لم يصدر ذلك القرار وتُعتقل تلك القيادات كما فعلت الخرطوم، وهذا لم يحصل والخرطوم لا تزال تبادر بفتح الحدود لكن جوبا لم تبادر بأي شيء. ما رأيك حول الحدود التي لا تزال مصدر قلق بين البلدين؟ - الحدود منذ فترة الشراكة في عهد نيفاشا ظلت الحركة الشعبية تتلكأ في القيام بها رغم أن «80%» منها متفق عليها، لكن حتى هذه النسبة لم ترسم، بمعنى أن الأوتاد لم توضع، لذا ما تم في أديس أبابا ليس اتفاق سلام وإنما اتفاق «اقتصادي ثقافي اجتماعي». والسلام ليس مرتبطًا بالعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وإنما بتحديد الحدود وفك الارتباط بين قطاع الشمال والحركة الشعبية هذا إضافة إلى تلك الاتفاقية الاقتصادية.. وقضية تصدير البترول لن تستمر في ظل التوتر على الحدود ووجود المتمردين. «14» كيف أصبحت انتقاصًا من سيادة دولة السودان؟ - «14» ميل هي مثبتة جغرافيًا واجتماعيًا وتاريخيًا بأنها تتبع للسودان بالتالي إذا نظرنا للوثائق فإنه لا خلاف حولها، لكن القضية أصبحت سياسية الآن وفي الأصل اجتماعية إذ إنها لا تشبه «حلايب» لأن مواطني المنطقة لديهم السلاح وحكومة الخرطوم أو الحكومة القادمة أو غيرها لن تستطيع التنازل عنها لأن مواطنيها لن يسكتوا عنها، و«14» ميل اعتبرت حلاً وسطًا «منزوعة السلاح» حتى لا تُحسب مع الشمال أو الجنوب، وهي بدون شك أصبحت خارج السيادة السودانية مثل الشريط ال «20» كليومترًا من الشرق إلى الغرب المعزولة السلاح التي فيها قوات دولية، لذا أقول إن السودان تنازل عن سيادته في «14» ميل، وهذا اعتراف من الخرطوم بأنها منطقة متنازَع عليها، وهذا لا يجوز؛ لأن خبراء السودان وجنوب السودان للمساحة حددوا أربع مناطق فقط مُتنازَع عليها، لكن بموافقة السودان دخلت، وكان من الممكن ألاّ تكون كذلك. إذن الحكومة أخطأت خطأً إستراتيجيًا؟ - إنه خطأ كبير جدًا، ولكن لدينا الخرائط والوثائق، وأعتقد أن الحكومة خضعت لضغط كبير من المجتمع الدولي، والخطأ الإستراتيجي هو موافقة السودان على الخريطة عند طرحها، والحديث الذي ظهر أخيرًا بأن رئيس الجمهورية كتب خطابًا رفض فيه تلك الخريطة لكن يبدو أن خطاب الرئيس عمر البشير وصل بعد أن وافق السودان في مجلس الأمن، واستدركوا لاحقًا مشكلة قيمة الخطأ الذي وقعوا فيه، وهنا نقول إن السودان مشكلته أنه لا يتعامل مع الخبراء والمختصين، ونرى أن المفاوضين يعملون في اتجاه والسياسيين في اتجاه، وللأسف الشديد لو الحكومة استعانت بالخبراء لما جرى ذلك، لكن للأسف السودان «دقس» في أن الخريطة مرت منه حتى وصلت إلى مجلس الأمن وعُرضت عليه مرة أخرى، وجاء خطاب الرئيس برفضها لاحقاً، لذا أُصرَّ على أنها «دقسة كبيرة جداً». كيف يُحل هذا الخطأ؟ - نرجع مرة أخرى لاستعمال القوة لاستعادة «14» ميل كمنطقة سودانية كاملة السيادة خاصة أن السودان لديه من الوثائق كل ما يتطلب، وأرجع وأقول إنني لم أتصوَّر أن السودان يمكن أن يتنازل بهذه السهولة خاصة أنها منطقة لم تكن في الأصل متنازعًا عليها مع الجنوب، وبوضعها كمنطقة منزوعة السلاح اعترف السودان تلقائيًا بأنها متنازَع عليها، والحل أن يُصرّ السودان على ملكيته لها ولو اضطر لاستعمال القوة، والسؤال المهم: هل الجيش السوداني انسحب من «14» ميل، لأنه مادام لدى السودان الحق فيها فلا بد أن يستعمل الجيش القوة في استرجاعها، ولو واصلت الحكومة بهذه الطريقة فإن المنطقة المتنازَع عليها ستصل إلى كوستي، وقد ذكروها من قبل، ويجب أن نعلم أن السودان تنازل عن اتفاق مشاكوس لحدود «1» يناير «1956م»، و«أبيي» كانت أول تنازل لأنها شمال الخط وذلك بمجرد أن وضعنا لها برتكولاً فإن الحكومة تنازلت منها، بالتالي فلا شك أن الحكومة ضعيفة وقد يكون أدواتها أيضًا ويظهر ذلك في قصف كادوقلي لأيام. كيف تصف قصف كادوقلي؟ - أن يتجرأ المتمردون على قصف عاصمة ولاية جنوب كردفان وفيها مؤتمر للسلام وتأتي الحكومة بعد فترة لاستعراض القوة إنه أمر ليس لديه معنى، لأن الاستعراض القصد منه تخويف المتمردين حيث من المفترض أن تضربهم الحكومة. ما الحل لأزمة ولاية جنوب كردفان؟ - الحل يكمن في مفاوضة متمردي الولاية إذ كانت تطرح السلام واتفاق أديس أبابا لن ينجح إلا باتفاقية مع متمردي جنوب كردفان والنيل الأزرق، لكن نفس متمردي جنوب كردفان والنيل الأزرق اتفقت معهم الخرطوم من قبل على مشورة شعبية وتراجعوا عنها، فما هوالضمان لمفاوضتهم مرة أخرى وعدم تراجعهم عن الاتفاق وهذا هوالسؤال المهم، إذ كانت هناك جهة تعطي ضمانات لعدم تراجعهم فلم نجلس معهم، لكن ما هو الضمان ونحن ليس لدينا ثقة أصلاً في الحركة الشعبية، وعندما تفاوض الخرطوم قطاع الشمال يجب أن يكون حول اتفاق وقف إطلاق النار وسلام وتنمية وليس اتفاق سلطة، وهذا خطأ وقعت فيه الحكومة منذ البداية إذ أن اقتسام السلطة سيادة شعبية ليس من حق الرئيس عمر البشير ولا الحكومة وإنما سيادة شعبية في جنوب كردفان والنيل الأزرق وهي صاحبة السلطة وليس القيادات، والتفاوض على السلطة بعد أن تأتي المشورة الشعبية بمنتخبين من الولايتين. مدى صعوبة تقبل الناس لاتفاقية أديس أبابا خاصة وأن الجنوبيين رفضوها بالمظاهرات؟ - الرافضون لاتفاقية أديس أبابا ليس الشارع الجنوبي وحده، ومظاهرات جوبا التي جرت متزامنة مع انعقاد برلمان الجنوب لمناقشة الاتفاقية، فالمعارضة ليست محتكَرة في الشارع فقط وإنما في القيادات أولهم حاكم شمال بحر الغزال إضافة إلى أن «دينق ألور وإدوار لينو وأتيم قرنق» هم أصحاب النفوذ في الحركة الشعبية وهم أوائل المعارضين، فقط لم يظهر باقان أموم، رغم أنها في مصلحتهم أكثر من السودان والتظاهرات نفسها كان أولى بها الشارع الشمالي من الجنوبي لكن هناك حديث من المؤتمر الوطني بأن أي ناقد للاتفاقية سيحاسَب قانوناً دعك من الخروج إلى الشارع. كيف اتفقت القوى السياسية على اتفاق أديس أبابا؟ - جيمعهم «الشعبي والشيوعي والأمة والاتحادي» والأحزاب الأخرى كلهم موافقون عليها «100%» ويعتقدون أنها اتفاقية سلام، ولو أحسنت الظن فإني أعتقد أن الحكومة وافقت عليها كرسالة للمجتمع الدولي وليست للداخلى بمعنى «نحن يا أمريكان وأوربيين نحن وافقنا على السلام» لكن في الداخل غير ذلك، فهل تدري القوى السياسية أن الاتفاقية ليس لها علاقة بالسلام والكل يتحدث عن بنود الاتفاقية وهي بنود «اقتصادية واجتماعية وثقافية» ماعدا ذلك الترتيبات الأمنية الخرطوم نفذت ما يليها وحتى الآن حكومة الجنوب لم تقم بشيء في المقابل بدليل أن كادوقلي لا تزال تُقصف رغم الاتفاقية، بالتالي فإنه لو كان هناك أصلاً اتفاق بين السودان ودولة جنوب السودان لصدرت أوامر من دولة الجنوب بالانسحاب وعدم قصف كادوقلى، والقصف الأخير لعاصمة جنوب كردفان كادوقلي قصف لاتفاقية أديس أبابا ومعناه أيضًا أما دولة جنوب السودان فهي غير جادة في فك ارتباطها بقطاع الشمال أو أن الجنوب ليس لديه سلطة عليهم وهذا تكذبه الوقائع أساساً بالتالي فإنه ليس هناك جدية من دولة الجنوب والجيش الشعبي بفك ارتباطهم بقطاع الشمال، بالتالي فإن الحكومة وافقت على الاتفاقية والأحزاب وافقت والبرلمان سيوافق أيضًا بالأغلبية رغم المعارضة والمجتمع الدولي لكنهم جميعهم لا يعلمون بأن الاتفاقية مرتبطة بمناطق النزاع وهذا إما حدث «جهلاً أوعمداً» ولا أتوقع أنهم يجهلون ذلك، لأن الاتفاق كما ذكرت اتفاق «ثقافي اجتماعي» وليس اتفاق سلام لأن القضايا المرتبطة به تُركت. ما هي احتمالات تجدد الحرب بين السودان وجنوب السودان؟ - هناك صراع في الجنوب من أصحاب النفوذ وليس هناك خوف من أن السودان سيلجأ للحرب، لكن الخوف من تحرك الجنوب، وهذا يظهر بمحاولة اغتيال سلفا كير ميادريت ومحاولة بانقلاب أيضًا حتى يستولي الصقور على السلطة، وإذا استولت فإن إستراتيجتهم الثابتة هي أن النظام داخل الخرطوم يجب أن يسقط وهذه الإستراتيجية لن تتغير وحديث باقان بأنه عند سقوط الخرطوم «سنتقاسم النفط مع الشمال برميل لهم وبرميل لنا» بالتالي باستيلاء تلك المجموعة على السلطة فإن الحرب قادمة لا محالة لأنهم سيواصلون دعم الجبهة الثورية، والآن الأجهزة الأمنية تعلن يوميًا ضبط شحنات من الأسلحة تحاول الدخول للخرطوم، بمعنى أن الجبهة الثورية أعلنت أنها ستسقط الخرطوم وهي الآن ترسل السلاح إلى العاصمة، ولا يمكن أن تفعل ذلك بدون دعم خارجي بالتالي فإن احتمالات الحرب واردة واحتمالات تفجير الخرطوم من الداخل واردة أيضًا سواء برضاء الحكومة أو بدون رضاها. في محور آخر كيف ترى سكوت الخرطوم على قرار مجلس الأمن بمطاردة القوة الأممية «يوناميد» من دارفور لمتمردي دولة أوغندا «جيش الرب»؟ - جيش الرب قضية سجال قديم بين السودان وأوغندا بعد اتفاق نيفاشا في «2005م» السودان أعطى الإذن للجيش اليوغندي أن يدخل أراضيه لمطارة جيش الرب بمعاونة جيش دولة الجنوب، لكنهم لم يستطيعوا، وانتقل متمردو جيش الرب إلى حدود إفريقيا الوسطى وأصبح الجيش الشعبي حدوده هناك، لكن مع دخول قوات الأممالمتحدة المعركة ووجود قوات «يوناميد» انتقاص من سيادة البلاد لأنهم الآن لا يستطيعون حماية أنفسهم من متمردي دارفور، بالتالي فإن إعطاء صلاحيات لقوة الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي «يوناميد» بمطارة جيش الرب، كان أولى بها مطاردة متمردي دارفور، لأن الأولى تعنى إعطاء خدمة ل«يوغندا» إذًا فإن غباء الدولة وراء ذلك وأنها لا تعرف سياسة، وهنا ليس السودان مقصرًا لكن غباء الدولة الذي أعطى خدمة لدولة تصنف عدوًا للبلاد، فإذًا القضية كبيرة ويجب أن تتحرك فيها القوى السياسية، لأن المصالح العليا للبلاد يجب أن يكون فيها تنسيق بين الحكومة والمعارضة.