في الوقت الذي اتخذ فيه المؤتمر الوطني خطوة وصفت بأنها في الاتجاه الصحيح بإعلانه الحرص على الأمن والاستقرار في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، عبر تصريحات لمكتبه القيادي أمس الأول برئاسة الدكتور نافع علي نافع مساعد الرئيس ونائب رئيس الحزب، كانت سيناريوهات الألم يكتمل رسمها في قصف ثالث استهدف مواقع عسكرية ومدنية بجنوب كردفان، وقال الجيش بحسب وكالات عالمية إن طفلين قُتلا وأصيب ثمانية في قصف للمتمردين على كادوقلي عاصمة الولاية أمس في ثالث عملية قصف خلال الأسبوعين الماضيين، وأكد الناطق باسم القوات المسلحة إن متمردين قصفوا موقعاً تابعاً للجيش خارج كادوقلي، إلاّ أنّ بعض القذائف سقطت داخل المدينة، وأن الهجوم أدى الى مقتل طفلين وإصابة ثمانية مدنيين وان الجيش شَنّ عملية لتطهير المناطق التي يوجد بها متمردون خارج كادوقلي قبل بضعة أيام. واعتبر الناطق باسم الجيش أن قصف الحركة الشعبية لكادوقلى محاولة منها لزعزعة الأمن والاستقرار باستهداف محطات أم شعران والإحيمر والروصيرص وهي محطات تأمينية تقع خارج المدينة، وأضاف بحسب المركز السوداني للخدمات الصحفية أن الحركة استهدفت بالقصف المدفعي ومن مسافة أكثر من 12 كيلو متراً بعض الأحياء السكنية والمواطنين داخل مدينة كادوقلي. وأوضح أن القوات المسلحة قامت بالتصدي لهذا العمل العشوائي الذي استهدف المواطنين في محاولة من الحركة الشعبية بجنوب كردفان لإثبات نفسها ورفع الروح المعنوية لمنسوبيها، وجدد مَقدرة القوات المسلحة على حسم هذه التفلتات التي لن تؤثر على أمن واستقرار الولاية. وقال: (حيث ان المقدرة القتالية لمثل هذه المجموعات مرصودة ومقدور عليها بإذن الله تعالى وان الهلع والتوتر الذي أصاب المواطنين قد زالت حالته وعادت المدينة الى حالة الاطمئنان). شهود عيان نقلوا ل (الرأي العام) أن القصف جاء على مرحلتين الأولى كانت في الثامنة والنصف صباحاً واستمر لثلاث ساعات استهدف أحياء المصانع والموظفين، وتسبب فيما أعلنه الجيش، ومرحلة ثانية بدأت فى الرابعة والثلث مساءً، ونقلوا للصحيفة أن قذائف استهدفت مواقع مدنيين ما أدى لحالة ذعر كبيرة. من جانبه، أقر قطاع الشمال بمسؤوليته عن الهجوم ونقلت «رويترز» عن ارنو لودي المتحدث باسم الحركة قوله بأن الحكومة وقوات الحركة تتبادلان القصف منذ الصباح، وأضاف: (انهم يقصفون قواتنا المتمركزة خارج كادوقلي من داخل البلدة ونحن نرد النيران دفاعاً عن النفس). الإقرار الثالث للقطاع حول مسؤوليته عن العملية العسكرية أثار اندهاش الكثيرين واستياء الأغلبية، خصوصاً وأن (نفاج) أمل للتفاوض لاح في الأفق في أعقاب إعلان الحزب الحاكم نيته للعودة للتفاوض بأديس أبابا ليكون التساؤل بعد القصف عن مدى استمرار الخط الداعي للتفاوض مع القطاع. تقديرات الحزب الحاكم ذهبت الى اعتبار أن القطاع خاصة والحركات المسلحة عموماً بعد توقيع اتفاق التعاون المشترك مع جوبا كحاضن، أصابها جميعاً بالاحباط واليأس، وأن ما تقوم به محاولة للفت الأنظار من أجل إثارة قلق الرأي العام الدولي على ما تحقق من سلام واستقرار يمكن أن يتطور بين الجنوب والسودان، وبالتالي يدفع الوساطة للضغط على الخرطوم بهدف تنزيل سقوفها التفاوضية والموافقة على الجلوس مع القطاع في الحد الأدنى. ويذهب الناطق الرسمي باسم الحزب الحاكم بروفيسور بدر الدين، في حديثه ل (الرأي العام) أمس إلى أن المجتمع الدولى ومجلس الامن والوساطة لا يمكن لهم اجبار الخرطوم أو التدخل فى شؤونها باعتبار أن الامر اصبح قضية داخلية منذ تم التوقيع على فك الارتباط، ويمس السيادة الداخلية. رحلة فواجع كادوقلي التي تجددت امس لم تكن المرة الاولى، وسبق أن تم قصفها ليزيد من حدادها، ويضاعف من أحزانها التى لم تغادرها منذ حادث تلودي ذاك، لتكون الحصيلة الأولية مقتل «5» نساء وطفل، وجرح «10» اطفال و»7» نساء و»3» رجال بحسب ما أعلنه والي الولاية مولانا هارون في مؤتمر صحفي عُقد بكادوقلى يومها. ترجيحات المراقبين والمحللين وشهود العيان يومها اتجهت الى أن توقيت القصف جاء متزامناً مع بدايات مؤتمر كادوقلي للسلام بهدف إفشاله وقطع الطريق على الفعالية السياسية التي شاءت الأقدار أن يخرج مُشَدّداً على أهمية التفاوض مع القطاع في مفارقة اختلاف النوايا فتزايدت قهقهات الشيطان. مراقبون اعتبروا أن المفارقة الحقيقية لا تكمن في أن القصف استهدف مدينة مأهولة بالسكان فقط مع ما يضعه ذلك من محاذير حول المدنيين، وإنما تكمن فى أن القصف يتزامن مع جملة من الخطوات الإيجابية التي أقدمت عليها الخرطوم تأكيداً لحُسن النوايا والإصرار على تنفيذ اتفاقاتها مع جوبا. ويرى مستشار والي جنوب كردفان الشفيع الفكي في حديث سابق ل (الرأي العام) ان الهدف من القصف هو تعطيل ما يتم إنجازه كسلام اجتماعي وسياسي بالولاية. وأضاف: (نجاح مظاهر السلم في غير صالح الحركات المسلحة باي حال من الأحوال). كثيرون يرون أن تجدد القصف يتسق مع الحكمة القائلة (رب ضارة نافعة). ويذهب محمد هارون كافي رئيس اللجنة المركزية للحركة الشعبية قطاع جبال النوبة المتحد، في حديثه ل (الرأي العام) ان تجدد القصف والهجوم على جنوب كردفان يأتي بعد خطوات الخرطوم فى فتح الحدود وتصدير الذرة وتجفيف فصيل جيمس قاي، ما يعنى التأكيد على انفاذ الاتفاقات الموقعة، بالتالي فإن الهجوم من شأنه أن يدفع الحكومة للمطالبة بخطوات مماثلة من الجنوب. وبرر كافي لحديثه بأن الهجوم خلق نوعاً من الشكوك فيما أعلنته جوبا بفك الارتباط، بالتالي فهي مطالبة بتأكيد ذلك بسرعة لإثبات عدم ضلوعها في القصف أو علاقتها بمن قام به، وأضاف: (جوبا إذا لم تسارع لإثبات فك ارتباطها عملياً بالحركات، فإنّ المشهد سيبدو كمن لا تستطيع أن تتحكم في مكوناتها، خصوصاً بعد ارتفاع أصوات ترفض فك الارتباط). الحزب الحاكم وعبر قطاعه السياسي يعتبر الهجوم تعبيراً عن وجود تمرد في مناطق جنوب كردفان لا يعتد أو يعترف بما تم من اتفاقيات بين الخرطوموجوبا. وقال د. ربيع عبد العاطى الناطق باسم القطاع السياسي ل (الرأي العام) في وقت سابق، إن ما تم يشير لتلقي الحركة الشعبية دعماً من الجيش الشعبي حتى ولو كان ذلك قبل توقيع الاتفاقيات. وأضاف أن الهجوم يكشف أن ما يسمى بقطاع الشمال عند موقفه الرافض لأي اتفاق سلام بين الدولتين، ويريد القول بأنه لا يزال موجوداً في أرض المعركة، وهو ما يفرض موقفاً واضحاً وحاسماً على الخرطوم. وتابع: (كل ذلك يفرض أولوية فك الارتباط لأن له علاقة كبيرة بما يحدث ولارتباطه بالأمن والاستقرار وبدونه لا معنى لبقية الاتفاقات). فيما يذهب خبير -قرب من دوائر الحركة الشعبية- الى ان القصف يتزامن مع وجود جبريل ابراهيم ببانتيو التي تبعد عن كادوقلي حوالي (95) كيلومتر غرباً، وإعداده لتحرك كبير غرب كادوقلي، ويهدف القصف شرق كادوقلي لتشتيت انتباه القوات ليس إلاّ.