يفصل بينهما في العمر ثلاثة وعشرون عاماً. فعلي شبيكة من مواليد العام 1908 بينما أبو سليم من مواليد العام 1932م. ففي العام الذي ولد فيه أبو سليم »1932م« كان مكي شبيكة باحثاً في التاريخ مع عمله كمعلم لمادته. ظل الاثنان معلمين من معالم الوثائق التاريخية السودانية وتحديداً في فترات لم يكن العمل بالوثائق التاريخية معروفاً للعامة والخاصة على السواء. يشترك الاثنان في الانتماء لأرض الحضارات القديمة »أقصى شمال السودان« فمكي ينتمي الى دوحة الرباطاب أصحاب البديهة الأسطورية سرعة وملحة. بل تصل في مراحلها المتقدمة كما يقال في اللسان السوداني الشعبي »المساخة« وحيث يقال فلان »مسيخ» أي صريح صراحة متناهية والله أعلم. أما أبو سليم فهو ينتمي إلى أرض حضارة ما زالت واقفة وقوفاً خالداً.. فمنطقة المؤرخات هي من الثراء »الحكواتي« مما جعل الحكي ينساب عبر الورق.. وفي هذا فقد كانت كتاباتهما حول التاريخ تخرج بصورة كتابة المقال المبسط وليس حقائق التاريخ.. الى مدة كانت عبقرية المكان السبب في اهتمام أهلها بالعلم. واتفق الاثنان في رؤيتهما حول علم التاريخ حيث السعي لإبراز قيمته كعلم يمكِّن الناس من التبصير بالماضي ومن ثم السعي نحو وضع خطط وبرامج حياتية راسخة العماد ثابتة التفاصيل في حياة الناس. فمكي شبيكة حيث عمله كمعلم ببربر في العام 1929م ساءه فهم الإدارة البريطانية لقيمته كمعلم فعزم على إظهار ماضي أمته بكتابات ظلت هي المعين لكتابه الأشهر »السودان عبر القرون«. في جانب أبو سليم فقد وجد الطريق ممهداً عبر الأوائل ممن كتبوا حول تاريخ السودان فصادقهم بل وصار فيما بعد حجة من حجج التاريخ السوداني. ومنهم عباس قدح الدم، ومكي شبيكة وحسن نجيلة. غير أن الثابت هو استفادته القصوى من عمله بدار الوثائق التي دخلها في منتصف العام 1953م وحتى تقاعده في منتصف التسعينيات. تكمن قيمة الشخصين في كم الرهق والمعاناة التي وجداها بحثاً وتنقيباً حتى أهديا السودان مراجع لا يأتيها الشك ولا تدانيها قيمة وثائقية. زائداً ملكة تحليل الأحداث بالصورة التي جعلتهما يعيدان انتاج التاريخ بأسلوبهما دون حذف أو إضافة في أمانة علمية متناهية. استفاد الاثنان من كم الوثائق المتوفرة لديهما فمكي شبيكة ظل مضطراً لتخزين الوثائق التي يحصل عليها من شخصيات يقدمها أو قصاصات صحف وغيرها زائداً المراجع المحلية والأجنبية بداره حتى أصبحت هي الأخرى دار وثائق منزلية. يشابهه أبو سليم الذي كان حرصه على الوثائق يعادل مكانة أبنائه للدرجة التي جعلت معاونيه وموظفي دار الوثائق يشفقون عليه أيما إشفاق للرهق الذي كان يبدو عليه أثناء عمله المضني بحثاً وكتابة. حول العلاقة بينهما يقول البروفيسور أبو سليم عن أستاذه د. مكي شبيكة. »كان د. مكي ذا دقة ودأب وهو الأستاذ المشرف على الدراسات العليا بجامعة الخرطوم وذلك بعد عودته إليها في يناير 1962م. وكنت حينها أزمع تقديم بحثي النهائي لنيل الدرجة العلمية، لذا كان ينبغي أن أذهب إليه كطالب. فكان عكس ذلك يأتي اليّ حيث أعمل ليرى ما أقوم به، كان يشجعني وينظر فيما أعد ويراجع الأحداث والشخصيات والتواريخ بدقة تثير إعجابي«. وخلاصة الأمر أعجب الطالب بأستاذه فكان إعجاب الأستاذ بتلميذه سبباً في إهداء هذا الإعجاب للسودان عالماً مثله مثل أستاذه. يواصل أبو سليم قوله عن أستاذه شبيكة فيقول: «كان فخراً لا يعادله فخر أن أعمل معه كباحث وثائقي وهو الأمر الذي تطلب الدقة والسعي لتجويد ما يوكل إليّ من مهام«. الاثنان من معالم فخرنا لهما الرحمة في مرقدهما.