لا توجد دولة في العالم الحديث أعطت الحريات الأربع لمن كانت بينهم عقود مريرة من الدماء والحروب والشهداء والمقابر، الدولة الوحيدة التي شذت على القاعدة هي السودان، بكل فطاحلته من الساسة، وكل عباقرته من رجال الدبلوماسية والدولة، وهذا لعمري مشكل لو تعلمون عظيم، السيد سفير جمهورية جنوب السودان في الندوة التي عقدها الاتحاد العام للطلاب السودانيين في قاعة الشهيد الزبير قبل أيام خلت، قال إن توريت في العام 1955 ينبغي أن ننساها لأن هذا تاريخ مضى، وقال يجب أن ننظر إلى الأمام ثم توجه بالحديث للحضور قائلاً: «الذين ينتقدون الحريات الأربع يعيشون في الخرطوم ولا يعلمون شيئاً عن الحدود». حسنا ما قاله السفير، ضابط المخابرات الأسبق لا يعدو كونه كلاماً فارغاً وضحكاً على الدقون، فبعد أن ارتكب الاتحاد هذا الخطأ الغبي بأن أتى إلينا بسفير جمهورية جنوب السودان لينورنا نحن أبناء السودان باتفاقية أديس، أبى رئيس اتحاد الطلاب إلا أن يبشرنا بأنهم سيسيِّرون الرحلات تترى إلى أرض الجنوب ليبشروا بالسلام، وكأنهم لم يلدغوا من قبل.. ولم يبقَ له إلا أن يقول إنهم سيجمعون الطلاب في صلاة مليونية بساحة المولد ليؤدوا صلاة الشكر لإنعام الله عليهم بالحريات الأربع مع دولة الجنوب، حسناً يا سفير دولة الجنوب وضابط المخابرات.. إن كنت تعتقد أن «1955» في توريت مجرد تاريخ ينبغي أن ننساه!! فلماذا يصر سلفا كير ميارديت على أن لا ينساه؟ كيف لا، وقد ذكره في تلك الكنيسة قبل شهرين وهويقول بملء فيه إن ما حدث في توريت كان ثورة من أجل التحرر والانعتاق من العبودية، لماذا يصر سلفا كير على أن يذكرنا بأن أمهاتنا التي بغرت بطونهن وشيوخنا الذين ذبحوا كما النعاج وأطفالنا الذين كان الجنوبيون يرسلونهم نحوا السماء ليهبطوا على أسنة السونكي وقد بلغو ثلاثمائة إلا قليلا ، لماذا يصر على قوله أن هذه المجازر والمذابح أنها ثورة ضد التحرر؟!!، متى كانت الثورات تذبح الابرياء؟ ، متى كانت الثورات يقتل فيها المواطنون المواطنين ؟، هل قادت النساء الشماليات أو الشيوخ أو الأطفال، هل قادوا الجنوبيين نحو تلك العبودية؟ لماذا يصرّ سفير جمهورية السودان ويطلب منا أن ننسى ذلك التاريخ كما يريدنا أن ننسى الإثنين الأسود عندما هلك قرنق؟عندما استخدم أبناء الجنوب النار والسكاكين والسواطير في قطع ونهش أجساد أبنائنا في وسط الخرطوم، بل يريدنا أن ننسى تجارنا في الجنوب عندما أدخلوا أحياء في الأفران، قطعاً نحن لا نعيد ذكر تلك الأحداث إلا للتذكير بأن هؤلاء لا عهد لهم ولا ذمة ولا ميثاق، والتاريخ لا ينسى، كيف لا وقد طلبوا من الشماليين أن يدخلوا في باحة سجن في توريت حتى يحافظوا عليهم من إخوتهم المتوحشين الجنوبيين ثم قتلوهم بعد ذلك بدم بارد ودم ساخن، نحن والذي فطر السماء بلا عمد أيُّها المنبرشون مع السلام العادل والله عز وجل اسمه السلام، نحن مع اتفاقيات التعاون والاقتصاد والتجارة والنفط، ولكننا ضد الحريات الأربع..والأربعين الإدريسية، وضد المنطقة العازلة التي تنتهك السيادة السودانية وكفانا انتهاكاً نحن ضد أن نلدغ مرة أخرى، القراء الكرام، هل سمعتم يوماً ما في التاريخ أن أبناء الشمال قادوا مجازر ضد الجنوبيين؟ هل سمعتم أن هناك عصابات شمالية في الجنوب تسرق وتنهب؟هل سمعتم أن الشماليين أدخلوا الجنوبيين وتجارهم في أفران الخرطوم؟ هل سمعتم يوماً شمالياً قال أنا في الدرجة الأولى والجنوبيون في الدرجة الثانية؟ هل ذهبنا في المفاوضات على أساس أننا شعب شمال وأولئك شعب جنوب منذ أنانيا 1 وصولا إلى اتفاق أديس؟ كل هذا لم يحدث.. لماذا؟ لأن لدينا عقائد تحكمنا ولدينا ثقافة متجذرة توجه تعاملنا ولدينا شريعة سمحة، نحن أيُّها السادة، لا نعتدي على أحد، ولا نحقر أحداً، ولا نشتم أحدًا، فليس المؤمن بطعّان ولا لعّان ونحن رحماء بيننا أشداء على الكافرين.. نحن مع السلام الذي يحقن الدماء ويحفظ البلاد والعباد ولكننا ضد التخاذل والهوان، ونحن الأعلَون ورب الكعبة ما أقمنا بيننا هذا الإسلام، ولا أظن أهل السودان قاطبة من راعي الإبل في أقصي كردفان إلى السيد رئيس الجمهورية، ما أظنهم يغفلون عن المشروع البغيض لقرنق وأولاده المتمثل في السودان الجديد، أما عن مناطق التماس فنحن يا سفير السودان نعلمها جيدا، وهناك عدد كبير من أبناء تلك المناطق ينتمون لمنبر السلام العادل، كنت أتمنى وغيري كثيرون بأن يستمر والي النيل الأزرق في مشروعه الذي صرّح به أمام مجلس الوزراء عن توطين الرعاة وبعد أن جاءت اتفاقية أديس ارتاح منها كما قال، لا يا سيدي الوالي ينبغي أن تتحرك الان قبل غد وأرجو أن لا «تتخدر» بهذه الاتفاقية فهي ستنهار غدًا لأن هؤلاء لا عهد لهم، ينبغي على هارون أن يسعى لتوطين هؤلاء لا أن يعطينا دروساً عن المكارثيين الجدد، أذكر أنني كنت في باصات الوالي ذات يوم وعندما توقف الباص لينزل راكبًا همت مجموعة من الأطفال الجنوبيين بالركوب في الباص فأغلق السائق الباب لأن المقاعد مليئة والناس واقفون وهؤلاء أطفال ما بين السابعة والعاشرة، فصاح أحدهم ولم يبلغ السادسة بعد «أرب أفنين» هؤلاء هم أطفال الجنوب الذين رضعوا العنصرية والحقد مع اللبن ، هؤلاء هم أحفاد قرنق وجوزيف لاقو وباقان وألور وجيمس قاي وفرنسيس دينق الذي قال إن الاختلاف بين الشمال والجنوب هو في المسكوت عنه، أما نحن فسسناهض هذه الأربع المشئومة حتى آخر رمق فينا وحسبنا الله وإننا لله وإنا اليه راجعون ..