قطع ابن بطوطة «75» ألف ميل في رحلاته، وذلك يغطي أربعين قطراً في خريطة اليوم. ولأنَّ ابن بطوطة نصفه رحَّالة ونصفه ناسك، فقد استخدم في السَّفر الخيول والحمير والبغال والمشي على الأقدام. أما الوزير (المُزمِن) ونصفه وزير ونصفه سائح، فلم يتمّ بعد إحصاء الأميال التي قطعها. لكنها بالتأكيد تتجاوز المسافات التي قطعها ابن بطوطة. كما تجاوز الوزير الرحّالة ابن بطولة في عدد الأقطار التي زارها. ابن بطولة زار أربعين قطراً فقط، راكباً الحمير والبغال و(الكدَّاري) أحياناً، غير أن الوزير في رحلاته يركب مقاعد الدرجة الأولى، ممتطياً طائرات (البوينج) و(الإيربص). حيث يدفع قيمة التذاكر الشعب السوداني، وبعد الوصول يترجّل الوزير من الطائرة الفارهة ويذهب إلى الفندق (5) نجوم. مَن هو أكثر وزير كلَّف الدولة نثريات وفواتير فنادق وتذاكر سفر بالطائرات؟. الإجابة هي (الوزير ابن بطوطة مِفَنْدِق دِيمة)!. وعلى ذكر الفنادق يوجد في (أبوظبي) ثلاثمائة وستين فندق (5) نجوم، بينما يوجد في الخرطوم ما لا يزيد عن (5) فنادق تصنيف خمسة نجوم، مثل فندق السلام روتانا وقصر الصداقة وقراند هوليداي ڤيلا، وغيرها. الله يخرب بيتك يا شيخ عليش!. أي الله يجازي الذي كان السبب في هذا التخلُّف الفندقي في السودان!. في اللغة الفصحى الفندق هو (الخان)، وهي كلمة فارسيَّة حكاها سيبويه. الفندق بلغة أهل الشَّام من هذه الخانات التي ينزلها الناس مما يكون في الطرق أو المدائن. قال الأصمعي أحسبُهُ معرَّباً أي (الفندق). للفنادق علاقة كبيرة بالسياسة السودانية. في فندق (سميرا ميس) قرب ميدان التحرير في القاهرة، كان اتحاد الأحزاب السودانية الإتحادية في حزب واحد (الحزب الوطني الإتحادي). وأحد كبار المعارضين في العشرين عاماً الأخيرة، ظلّ يتقلَّب في فنادق الخمسة نجوم من عاصمة إلى عاصمة حتى صار اسمه (مِفَنْدِق دِيمة)، مثله مثل الوزير ابن بطوطة. ولكن الفرق بينه وبين الوزير، أن الزعيم المعارض لأمرٍ يعلمُه الله قد أصبح (مِفَنْدِق دِيمة)، بينما كان من المفترض أن يكون (صايم ديمة)!. وهذا يوضِّح أن الأسفار الدائمة عالية التكلفة كما تنطبق على الحكومة السودانية، تنطبق على المعارضة. كم كلَّف ذلك الوزير الخزينة العامة منذ تعيينه وزيراً قبل بضعة عشر عاماً، وحتى تاريخ اليوم، كم كلَّف الدولة من تذاكر سفر بالطائرات ونثريات وفنادق. فاتورة الحسابات الفندقية لم تحصرها الجهات المعنية بعد. ولم يستدعِ البرلمان بعد ذلك الوزير (الفُندقي) ليسأله عما يفعل، كما لم يستدعِ البرلمان الجهة المعنية لتقدِّم جملة منصرفات سفريات ذلك الوزير. وذلك حتى يصبح بالمقدور تحديد الوزير صاحب المرتبة الأولى في تكلفة الأسفار الخارجية. لكن البرلمان لا يسأل ولم يقرِّر أن يتدخَّل بعد في هذه المسألة. كذلك المراجع العام لم يقدِّم تقريراً خاصاً بهذا الشأن. ذلك بينما هناك جهات في يدها زردِيَّات(جمع زرديَّة) تضغط على جيب الشعب، تلك هي (زرديَّات) الضرائب والجبايات والعوائد والجمارك التي تعصر جيب المواطن، عصر السمسم!. تلك الجهات من الواجب عليها أن تُخبر ذلك الشعب (المَزْرُود) كم صرفت من تلك الأموال على الوزير (مِفَنْدِق دِيمة). السؤال الذي ينتظر الإجابة... كم أنفقت حكومة السودان على وزيرها (مِفَنْدِق دِيمة)، كم دفعت له من (الأخضر الإبراهيمي) أي الدولار، ثم اليورو، وكم بلغت تلك النثريات التي قبضها. ويجب مقارنة تلك الأموال في اتجاهات متعددة مع احتياجات المواطنين في التعليم والصحة، و غيرها. قال ابن منظور في (لسان العرب): الفُنداق صحيفة حساب. أي فاتورة الحساب. يجب نشر (الفُنداق). يجب نشر كشوفات نفقات سفريات الوزراء في السودان خلال عشرين عاماً. السؤال هنا أين الرَّقابة الحزبيَّة والفحص الحزبي. هذا وعلى كثرة الإستعاذات لم نسمع بأحد يستعيذ بالله من (الفَنَادِقَة). الفَنَادِقَة على وزن (الزَّنَادِقَة)، أي الزَّنَادِقَة الماليِّين، وليس على وزن (الخَنَادِقَة). ( الفَنَادِقة) هم الوزراء الذين يسرفون في الأسفار على حساب مال الشعب، والمعارضون الذين يسافرون على حساب بيع الوطن. (الفَنَادِقة) هم الوزراء والمعارضون الذين يقضون إجازاتهم السنويَّة في السودان!.