بدءاً أقول: (الجنوب) باعتبار ما كان الآن لم يعد جنوب السودان بعد أن تم فصله لا انفصاله بنسبة «98%». ومن حق السودان أن ينزع عنهم هذا الاسم العريق عراقة اسم دولة كوش في شمال السودان. كما هي الحال في إنجلترا أسماء الأسر العريقة مصانة بالقانون والقضاء إذا تعدّى عليها الدهماء نزعت بحكم قضائي نافذ. أقترح على أمثال باقان ودينق ألور أن يسموه بدولة (إفريقيا الجنوبية) لا جنوب إفريقيا.. قياساً على إفريقيا الوسطى الأشبه بمشاعرهم الكارهة لعروبة السودان رغم عاداتهم العربية وأنوفهم المستقيمة، ولسانهم العربي (عربي جوبا). هذا الموضوع قد أوفيته حقه في عدة مقالات بجريدة الرائد وغيرها يمكن الرجوع إليها لمن أراد مزيداً. كما أقول كانت العرب تسمي المواقع الحربية باسم المكان الذي دارت فيه. أو الحدث فيها منذ الجاهلية كيوم ذي قار بين العرب وفرس الأوس ويوم حليمة المضروب به المثل (ومايوم حليمة بسر) بين الغساسنة والمناذرة ويوم بدر وأحد والقادسية واليرموك في الإسلام. لذا قلت يوم (أبو كوك) وهو مكان يقع جنوب أنزارا حيث تسكن قبيلة الزاندي المشتركة المواطنة بين السودان ويوغندا. والكوك في اللهجة السودانية هو دوالي الخصيتين. ومنه جاء المثل المشهور (الكوك يبين في المخاضة) حيث يجب على الخائض أن يخلع سرواله لئلا يبتل بالماء يضرب لمن يماري (يغالط) في الحقائق التي ستنكشف حتماً وإن طال الزمن. يا عرمان ويا باقان.. وبعد في عام «1972م» كانت قوة من الجيش السوداني بقيادة العقيد محمد نور سعد. من أبناء الدبيبات بكردفان وبالتحديد شمال الأبيض. وأبو كوك موضوع هذا الحديث على الحدود السودانية المطلة على يوغندا بها معسكر للمتمردين لم يُضرب منذ بداية التمرد بتوريت «1955م». ترقى محمد نور سعد إلى رتبة عميد وهو بداخل الغابة. عملوا معه بتوريت وشارك في معركة يوم أبو كوك ومنه كانت هذه المعلومات وتوثيقها وزاد أنه كان محبوباً بين جنوده. وبعبارة أخرى (كان مكيث كيس) كما قال سيدنا عمر لمن رشح له آخر لحرب البحرين (هو شجاع إلا أن به عجلة والحرب لا يصلح لها إلا المكيث الكيس). كان نائبه بتوريت وأبو كوك المقدم حسن حسين. عندما قرر بتوريت القضاء على هذا المعسكر جمع الجنود وأعلمهم بالقرار ولمعرفته بهم سأل الجندي (درك كرتوكية) نوباوي من أبناء النمق. رقيب مدفعية سأله: أنت جاهز؟ قال: أنا أمي من يوم ولدتني جاهز. سأله أيضاً: هل تعرف ضرب المدفع الفوكرز؟ قال: نعم كأني جئت مستّف معه من ألمانيا. وهو في هذا أعني محمد نور سعد بالقريحة والفطرة والسجية كالنبي يوم بدر. فقد أعاد عبارة (أشيروا عليّ أيها الناس) بعد قول أبي بكر وعمر والمقداد بن عمر. وثلاثتهم من المهاجرين. لعلمه أن الأنصار هم مركز الثقل في هذه المعركة. فقال سعد بن معاذ رأس الأنصار: (والله لكأنك تريدنا يا رسول الله! . قال: أجل. قال بعد تمهيد: (امض يا رسول الله لما أردت فنحن معك. فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه ما تخلف منا رجل واحد) بهذه الروح والوضوح كان نصر يوم بدر رغم قلة عدد المسلمين «300» وكثرة عدد المشركين «1.000». أين الحلو وأمثاله بجبال النوبة من هذا؟! اسمه يذكِّر ب/ الحلو مر. إلا أن كلمة «مر» بالمشروب جزء من الاسم. وفي الآخر تماثل بدل الغلط في النحو في قول من قال الحلو للمر سبق لسان فتدارك الخطأ بذكر المر. بعدها اتجهوا سيراً على الأقدام (كداري) إلى معسكر أبو كوك خلف أنزارا كما أسلفت. ساروا بقوات مشتركة. المعنى مكونة من المهندسين، وسلاح الإشارة، والمشاة (بيادة) كانت الأوامر ألا تُطلق النار على أي شخص بالطريق. ورغم الأوامر أطلق أحد الجنود على المتمردين بعد «5» أيام من المسيرة. الأكثرية رأت إعدامه فوراً رمياً بالرصاص لمخالفته صريح الأوامر. عارض (حسن حسين) نائبه هذا الرأي. بقوله هذا الجندي له أقرباء إعدامه سيعكر صفاء نفوسهم. ونحن أمامنا معركة فاصلة فيحاكم بالخرطوم وأخذ برأيه لوجاهته. أين قادة بشار الأسد النصيري في سوريا لا الشيعي ولا العلوي كما يشيعون. وأين بشار من نصر الله بلبنان ونجاد بإيران اليوم. والحاكم بأمر الله بمصر بالأمس؟! أين؟!. في اليوم التاسع من المسيرة وصلت إشارة من الخرطوم ل/محمد نور بالانسحاب بناء على طلب الحكومة اليوغندية لدخولهم الأراضي اليوغندية لمهاجمة المتمردين من الخلف لا من الأمام كما ألغوا وبعبارة أخرى من الشمال الجغرافي لا الجنوب اليوغندي عند هذا صارح محمد نور جنوده بأمر الانسحاب ليأخذ رأيهم. بعد مسيرة «9» أيام لتطويق المتمردين بقيادة خبير الطريق (علي كويس) من أبناء الزاندي. وبعد خوض الأوحال والمستنقعات، والألغام والأفاعي والوحوش والبعوض ليل نهار. وقادة القيادة بالخرطوم يخوضون بالمراوح والثلج الهواء البارد والماء المثلج ولا يدرون بحالنا. وفي هذا المعنى (وهذه لي لا له) يقول إسحق أحمد فضل الله: الذين بيدهم الأمر بالفنادق بأديس أبابا. والذين يعلمون حقيقة الأمر بأبيي وهجليج. فما رأيكم؟!. قالوا بلسان واحد: نحن مستعدون لاحتلال يوغندا دعك من تطويق أبو كوك فأدرك علو همتهم وارتفاع روحهم المعنوية. كيوم بدر وزاد أن شق قميصه ليكشف صدره لهم رد تحية وبيان بالعمل يغني عن اللغلغة وكثرة الكلام. وقديماً قيل إذا زاد العمل نقص الكلام والعكس صحيح في تناسب طردي امتدادًا طبيعياً لقول الشاعر في التراث: نحن فرحنا يوم الكتلة والمكية يوم حر النهار ويبقى الكتال بركية الموت هولنا قبال تظهر التركية والعادانا كله خلفنا ليه الكية أعطى محمد نور سعد أوامره عن طريق سلاح الإشارة للمدفعية أن تضرب من الشمال. والمشاة من الجنوب. مما أدخل المتمردين في ربكة. استمرت المعركة ليومين. والنتيجة نصر حاسم للقوات السودانية. لم يبق فيهم نفاخ النار كما قال الراوي لي، عليه وعلى جنوده جزيل الثواب وواسع الرحمة الحي منهم والميت على السواء. الحي كراوي هذا اليوم لي يوم الأربعاء 18/7/2012م الموافق 28 شعبان 1433ه. والميت الحي كقائدهم الشهيد بحق محمد نور سعد.. آمين. ومال يزال السودان بخير برجاله. المشكلة في القدوة الحسنة التي باعت الأرض والعرض والدين مقابل شهرة بطن نتنة يتخلص منها آكلها مستتراً. وشهوة فرج بول في بول منذ الاستقلال إلا ما رحم ربك كعهد الرئيس عبود. وأبو حريرة البطحاني. بعهد السيد الصادق والميرغني. ودكتور سيد علي زكي والدكتور عبد الوهاب عثمان وزراء المالية وأمثالهما بكل العهود. والأمر في هذا أشبه ما يكون بالعصا الساق على طويله عديل إلا أن الاعوجاج بالرأس. وفي هذا المعنى يقول أصدق القائلين: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) سورة الإسراء الآية «16». لاحظ كلمة مترفيها وكلمة تدميرا مصدر مؤكد للفعل. ختاماً شكراً لراوي أحداث هذا اليوم الذي لولاه لاندثر توثيق هذا اليوم وسيرة قائده. وكنت أود أن أذكر اسم الراوي إلا أنه آثر عدم الذكر. وقد رأيت أن أذكره رمزاً بالحروف لأجمع بين تحقيق رغبته وإنصافه. اسمه كاملاً بالحروف (ج. أ. ن. ق. ي).