أجراه: عبد الله عبد الرحيم الأستاذ تاج السر محمد صالح قيادي اتحادي مرموق وفوق ذلك خبير قانوني مدرك تماماً لكل الأبعاد، التقيناه في هذا الحوار وبحثنا معه الأوضاع القانونية التي تحيط باتفاق التعاون ووضعية المسيرية خلال سيناريوهات الحلول المطروحة على الساحة بجانب المخاوف من تأزيم وضعية الميل «14» ومناطق الحدود بجانب الأوضاع المختلفة بساحة الحزب الاتحادي ومشاركته في الدستور القادم، وغير ذلك الكثير من الجوانب التي تناولها الحوار: ما هي رؤيتكم لاتفاق التعاون مع دولة الجنوب؟ نحن سعداء به، وقد عبَّر السيد رئيس الحزب عن هذا في الكثير من المواقف والخطابات، ونعتبر أن هذا هو الوضع الطبيعي، وإن حدث الانفصال نحن في الاتحادي لا نعتبر هذا نهاية المطاف ولكن نعتبر الأمر تجربة، وندعو الناس ليتعلموا منها.. فالاتفاق إيجابي برأيي، والمستفيد الأول منه هم شعبا البلدين، وقد وضح تماماً أن تأزم العلاقات أدى إلى تأزيم الحالة الاقتصادية سواء أكان في الجنوب أم في السودان. فعلى الساسة أن يحرصوا على تجسير المواقف المتباينة حتى لا يعاني المواطن في الشمال أو الجنوب نتيجة لخلافات مزاجية. ولكن ما زالت الأجواء معتمة بغيوم عدم الثقة بين الطرفين وجاء الاتفاق حاويًا ما يُعرف بالحريات الأربع، برأيك إذا ما تم تنفيذه في هذه الأجواء المشحونة ألا يمكن أن تنطوي هذه الحريات على مخاطر؟؟ ما يحدث لا يُقاس بالأيام والدهور وإنما هو حركة أمم تحتاج إلى متابعة لكي يجني الناسُ ثمارها، وليس بالضرورة أن ما يحدث في اليوم نجني ثمره في الغد، لكن هذا لا يعفي الناس عن الحذر والحرص على أن تسير الأمور في المسار الإيجابي وأن يحاولوا بقدر الإمكان قراءة الساحة وأن يطوقوا السلبي منها، وفي تقديري المسألة على مستوى المواطن العادي ليس بها أية تعقيدات، ولقد شهدنا المواطنين في البلدين ولفترة طويلة يتعايشون مع بعض ويتعاملون تعامل أنداد، ولكن نحن لا نستبعد أن يكون هنالك من يعمل على إعادة الأحداث إلى المربع الأول، وهذا يلقي على عاتق السلطة في البلدين أن تحتاط لهذا سواء أن تحتاط لأي أزمة تنشب مستقبلاً، والحياة بطبيعتها فيها الإيجابي والسلبي، وليس مدهشاً إن حدثت بعض الأحداث لكن إذا توفرت الإرادة يمكن أن تعاد الأمور إلى نصابها بأسرع ما يمكن. سيما والآن لدينا تجربة عندما جلس الرئيسان ووفداهما استطاعوا أن يتفقوا، ولو قسنا هذه الجولة بالسابقة لحكمنا بأن الاتفاق مستحيل. فالإرادة السياسية والإحساس بالمصلحة المباشرة للإنسان سواء كان في الجنوب أو في الشمال يستطيعان أن يسورا هذه المصلحة ويصلا بها إلى نهايات سعيدة. بالرغم من هذا التفاؤل ما زالت هناك قضايا عالقة كترسيم الحدود وقضية أبيي.. ما هي رؤية حزبكم تجاهها؟ صحيح، هنالك بعض التباينات، وكما ذكرت لك أن هذه لن تنتهي بين ليلة وضحاها، وعلى القائمين بالأمر المتابعة وأن يحتاطوا لأي مفاجآت. وعلى الجميع إدراك أننا لا نعيش في العالم منعزلين، فالمصالح متداخلة والأمن والسلم في العالم صار متداخلاً للحد الذي يمكن أن يسبِّب العزلة في حالة ارتكاب الأخطاء الكبيرة. والمتابع للأحداث اليوم يجد أن توقيع اتفاق التعاون قد ترتبت عليه بعض الانفراجات مثل الخطوات الجارية لإعفاء ديون السودان وغيره الكثير، وعلى رافضي السياسة عليهم أن يبتعدوا عن العنتريات والاجتهاد في البحث عن معالجات تحقِّق مصلحة الطرفين. هناك عدة مقترحات رُفعت لمعالجة أزمة أبيي منها التقسيم أو الاستفتاء، فأيهما أصلح للمسيرية؟ من الواضح جداً أن هنالك مشكلة وهناك أكثر من خيار والوصول إلى الخيار السليم لا سبيل له إلا الحوار ثم الحوار.. ولن يكون في مقدور طرف من الأطراف أن يفرض إرادته على الطرف الآخر كما نشاهد الآن. صحيح أنني قرأت أن المسيرية يرفضون بعض الأشياء وقبائل دينكا نوك أيضاً يرفضون بعض الأشياء، لكن بهذا لن يستطيع الجالسون على طاولة المفاوضات إيجاد معادلات تراعي مصلحة الطرفين. في حالة الاستفتاء وصار هو الخيار الجاذب هل هناك تبرير قانوني واضح يمنع المسيرية من التصويت وما هي مآلات ذلك؟؟ المطروح هذا يُعتبر سقفًا بمطالب من هو مقبل على الحوار وليس بالضرورة إذا جلس الناس إلى طاولة المفاوضات أن يتمسك بهذا الموقف إلى النهاية وواضح جداً أن الطلب هذا لا يراعي طبيعة سكان المنطقة. في قضية الميل «14» وما تم فيها من اتفاق، برأيك ألا يمكن أن يكون مطية للوصايا الدولية بالمنطقة؟ لن تكون. ومن الواضح نحن في مرحلة يحاول كلا الطرفين أن يضع شروطًا يفاوض بها في مناطق أخرى لكن الحوار الجاد سيجد الحلول لهذه المشكلات بلا شك سيما وأن الرئيس الجنوبي من الواضح قد تجاوز أدب الحركة الشعبية القائم على take it or leave it «خذه أو اتركه». هناك تحركات للجبهة الثورية تمخضت عنها وثيقة تدعو إلى إعادة هيكلة الدولة السودانية ما هي رؤيتكم لهذه الوثيقة؟؟ «لكل امرئ فيما يحاول مذهب»، ونحن في الحزب الاتحادي الديمقراطي مرجعيتنا في التعامل مع الوضع الحالي هو اتفاق القاهرة الذي نص على إنهاء التدابر بين الحزب الاتحادي النظام الحاكم في السودان وبناءً عليه شاركنا في وضع الدستور 2005م وشاركنا في حكومة ما بعد الدستور، ونحن الآن منضبطون بما جاء في اتفاق القاهرة من نصوص ولا أريد أن أُعلق على ناس الجبهة الثورية. هل لكم اتصالات ببعض قادة الحزب الاتحادي المنضمين للجبهة الثورية؟؟ لا ليست لنا اتصالات بهم. حزب الأمة أصدر بيانًا تبرأ فيه من كل من وقّع في اتفاق الجبهة من أنصاره ماذا بشأنكم؟؟ نحن لا نحتاج لهذا، فنحن شركاء في الحكومة، فإذا كان بيان الجبهة الثورية موجهًا ضد الحكومة فنحن في هذه الحكومة، أما إذا كان موجهًا ضد المؤتمر الوطني فكان من الممكن أن يقول الناس شيئاً في هذا. ماذا بشأن دعوة رئيس الجمهورية للمشاركة في الدستور القادم؟؟ هذه الدعوة قد وُجِّهت لنا كحزب بخطاب موجَّه للسيد رئيس الحزب وتمت الاستجابة والمشاركة في الاجتماع التأسيسي للهيئة العامة لإعداد مشروع الدستور، وفي تقديرنا أن هذا التزام يرتبوا علينا كما ذكرت اتفاق القاهرة ومشاركتنا في وضع الدستور الحالي الآن نتيجة ذاك الاتفاق. وقد عبّرنا بل وطلبنا أن يكون الدستور للجميع ويُشرَك فيه الجميع وأن تكون له آلياته المستقلة التي تستطيع أن تصل إلى دستور يشابه السحنة السودانية والمسألة ما زالت تحت التكوين، وفي تقديري أنه يسير في هذا الاتجاه لقبول إدارة الاجتماع المقترحات المقدَّمة من المشاركين. برأيك ما هو مصير قطاع الشمال بعد اتفاق التعاون بين السودان والجنوب؟؟ أنا لا أعتقد أن النافذين في قطاع الشمال أنفسهم يظنون بأن الوضع الحالي يمكن أن يستمر، لكن أظن أن التعنت في المواقف مرده إلى محاولة تحقيق شروط أفضل عن طريق الضغط. هل يمكن أن تؤثر خروقات قطاع الشمال في جنوب كردفان على سير اتفاق التعاون بين السودان والجنوب خاصة وأن الحكومة انتقدت حكومة الجنوب لاستمرارها في التعامل مع القطاع؟؟ أنا أعتقد أن الاتفاق أعظم من أن تؤثر فيه مثل هذه الأحداث الطائشة وليس بغريب أن يكون في كيان ككيان الشمال بعضٌ من حتى لم تصله نتائج ما تم الاتفاق عليه، وقطعاً إذا كان الطرفان على مستوى الوعي الوطني والإنساني والاهتمام بالمصلحة العامة لن تؤثر فيهم هذه الأحداث العابرة وقطعًا لن تكون الأخيرة، وعلى الناس أن يسيروا للأمام وإن شاء الله ستعود الأمور إلى نصابها الطبيعي. حول الساحة الاتحادية هناك ململة الآن داخل الحزب حول عدم انعقاد مؤتمر الحزب؟ مؤتمر الحزب الخطوات نحو انعقاده تسير بصورة طيبة جداً ويجري الإعداد له بشكل طيب جداً، وقد تكونت عدة لجان وبدأت لجان الولايات في ممارسة مهامهم وأصلاً الحديث عن التململ غير مقبول فقد شرعت اللجان في أعمالها وانتقلت المهام من المركز إلى الولايات، وطبيعي جداً أن يبدأ الناس بعقد مؤتمراتهم القاعدية ثم المؤتمرات على مستوى الوحدات الإدارية ثم الانعقاد على المستوى العام.. وهذا الجانب لا يوجد ما يدعو للتململ فيه. هل حدد سقف زمني لانعقاد المؤتمر؟ نعم تم تحديد أول العام 2013م موعداً لانعقاد المؤتمر. إلى ماذا تعزو التشقُّق والتصدُّع الذي أصاب الاتحادي وجعله فرقاً وطوائف وأحزاباً؟ كل الساحة السياسية أصابها هذا التشقق حتى الحزب الحاكم نفسه لم يسلم منه فنحن لسنا استثناء عن القاعدة العامة. والوطني الاتحادي هو حصيلة لتوحد ستة أحزاب كانت تنادي بالاتحاد مع مصر ثم توحدت في العام 1953م وانقسمت بعد ذلك إلى حزبين وهذه دورة تصاحب كل أحزاب الوسط . ولكنه يعاني من التنظيم كما قال بذلك مرجعية الاتحاديين السيد علي الميرغني؟؟ السيد علي الميرغني لم يقل بذلك، فهو قد قال مقولته الشهيرة «الآن النظام في عدم النظام» وكان يرمز بذلك إلى شيء معين. إلى ماذا كان يرمز؟؟ كان يرمز إلى شيء يعرفه هو وغير مرئي للأعضاء، ففي لحظة معينة وفترة معينة انفرط النظام، وعندما فطن الناس لذلك قال مقولته الشهيرة هذه. وهذا من وجهة نظري يعني أنه من الأفضل للناس أن يكونوا في تلك المرحلة بذلك الشكل حتى لا يحدث ما لا تُحمد عاقبته أو حتى يبرز الجانب الإيجابي في المسألة. ماذا يلزم لتنظيم الحركة الاتحادية، وأما زلتم تنادون بالوحدة؟ وما الذي يعيق ذلك؟ الوحدة الاتحادية ضرورة، وكثيراً ما قلت إن الاتحاديين متوحدون عموماً لكن يحتاجون لحدث مفصلي حتى يتجاوزوا ظروفهم الطبيعية وإن شاء الله يحدث هذا الحدث ويتوحد الاتحاديون، وعلى أية حال توحدوا أم لم يتوحدوا هم الذين يخبرون الساحة السياسية ويقدمون التطبيق العملي للديمقراطية. وهل أنتم متفائلون بالتوحد؟؟ نعم، إن شاء الله، وحدث أخيراً في اجتماع الرئيس بالاتحاديين أن عبَّرت في خطابي بأننا كأبناء القبيلة الاتحادية فإننا مع كل ما يحدث وفاقاً في الساحة السياسية، وبعد أن انتهى الاجتماع قام الدكتور أحمد بلال وتحدث للرئيس قائلاً بأن تاج السر قال إنه يتحدث بالإنابة عن القبيلة الاتحادية، ونحن موافقون على ذلك، فهذا كان حديثًا عفويًا ولكنه يكشف عن مكنون الاتحاديين وقربهم من بعض. إذن كيف تقيِّم تجربة الاتحادي في شراكته مع الحكومة؟ أنا أعتقد أنه حتى الآن أن هذه التجربة ما زال الوقت باكراً على الحكم عليها وتقييمها ولكن يصدر الناس الأحكام فيعترض بعضهم على القسمة وأنها لا تتناسب وحجم الحزب، ولكن بعضهم يثني على التجربة على أساس أنها أخرجتهم من تحت الأرض ليمارسوا عملهم علناً. هناك من يشير إلى أن أزمة الاتحادي تكمن في الخلط بين الطائفة «الختمية» والعمل السياسي «الحزب». هل تتفق مع هؤلاء؟ هذا ظلم كبير للختمية فهم كتلة جماهيرية تدين سياسيًا للحزب الاتحادي الديمقراطي، وأنا لم أشهد طيلة الفترة التي تقارب الأربعين عامًا أن فضل الختمي على الآخرين في فرص المشاركة التنفيذية، ولكن على العكس الختمي يؤخر في كثير من الأحيان إذا لم تتوفر الفرص لأنه لن يترك الحزب. ولكن كثيرًا من القياديين من غير الختمية سيتركون الحزب إذا لم يجدوا الفرصة. هذه أنشوطة يستعملها البعض للضغط على قيادة الحزب لتحقيق بعض المآرب من غير الختمية، ويرددها البعض في الصحف ولا يخاف الله في ذلك. وأعتقد أن ما يدور بين الاتحاديين لا يخرج عن كونه عتاب الإخوان ولا نعاني من التعقيدات التي تعاني منها الأحزاب السياسية.