بدأت الهجرة من السودان الي الخارج منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي حيث شكلت الهجرة ظاهرة لافتة للنظر في المجتمع السوداني واصبحت في معدلات متصاعدة وكانت الهجرة في السابق مرتبطة بشريحة معينة من الدارسين والمعارين والمنتدبين والدبلوماسيين حيث لم تمكنهم فترة الاغتراب المحدودة من تغيير اتجاهاتهم ولم تؤثر بيئة الاغتراب في توجهاتهم السياسية والاقليمية، ولكن الآن اضحت مفتوحة واصبحت المؤشرات الاقتصادية هي السبب الحقيقي وراء تصاعد اعداد المغتربين ودوافع رئيسية لإطالة امد اغترابهم مع امتداد الغربة.. هذا الوضع افرز نشوء جيل جديد من الشباب الذين تربوا خارج وطنهم وتشربوا بقيم الاغتراب، مما يطرح تساؤلاً عن مدى تأثير الغربة على التوجهات والانتماءات الوطنية للشباب؟ وهو ما اشار اليه كمال حسن مغترب في السعودية بقوله ان للغربة وبيئتها آثارها على النشء السوداني المغترب وعلى توجهاتهم القومية والوطنية موضحًا ان نمط دول الاغتراب يختلف عن نمط البلد الأم من حيث العادات والتقاليد حيث ان فئة الشباب من اكثر فئات المغتربين تأثرًا ببيئة الاغتراب وبالتالي تصبح لهم اتجاهاتهم وقيمهم التي تختلف عن اقرانهم من المقيمين داخل الوطن بجانب انهم لم يتأثروا بكثير من القِيم والعادات وانماط السلوك الاجتماعي والسياسي التي تأثر بها المقيمون داخل وطنهم واصبحت لهم كثوابت راسخة داخل المجتمع الوطني. بينما اوضح الفاضل ابراهيم «استاذ جامعي مغترب بالخليج» ان الاغتراب يؤثر في توجيه الانتماءات الوطنية لدى الشباب بالرغم من وجود عدة مؤسسات تساهم في كسر تلك الحواجز منها الاسرة التي تعمل دائمًا على زرع الروح الوطنية داخل ابنائها وايضًا لا نغفل عن دور المدارس السودانية الموجودة بدول الخليج والسفارات والجمعيات وايضًا لا ننسى دور الجاليات التي تساهم في ربطهم بالوطن وتنمية انتماءاتهم الوطنية من خلال الاحتفالات والمناسبات الوطنية مع عدم اغفال اهمية دور الإعلام السوداني في التنميه الوطنية، ولكن بالرغم من ذلك هنالك فجوة لبعدهم عن الوطن.. واكد البروفسير عبد الوهاب ابراهيم الزين في دراسة اجراها عن «التوجهات القومية للشباب السوداني المغترب» ان التصور للمحيط السياسي للفرد يبدأ منذ مرحلة الطفولة وان الارتباط بالدولة والرموز الوطنية تعتبر من ضمن التوجهات الوطنية التي يكتسبها الأطفال في هذه المرحلة لافتًا ان هذه التوجهات عاطفية في فحواها وتكون ذات علاقة بالمشاعر الدينية، ويحسون في هذه المرحلة بنوع من الانتماءات للجماعة بجانب الانتماءات العنصرية ويلاحظ ان الأطفال السودانيين المغتربين يقتربون من بعضهم اكثر من اقترابهم من اقرانهم من الجنسيات الأخرى، ويتميز المراهق المغترب بحالة كمون في المشاعر القومية ووهن في الحس الوطني تبدأ في التصاعد الايجابي مرة اخرى بوصولهم الى المجتمع الجامعي، كما ان في مرحلة المراهقة تنشأ علاقة صداقة بين المغتربين واقرانهم الوطنيين تؤدي الى انكماش في النظرة الدونية والعنصرية، واشار الى ان فترة المراهقة والطفولة لأبناء المغتربين تجعل اتجاهاتهم الاساسية المكتسبة ايجابية نحو الوطن ورموزه، واوضح وان التنشئة تؤثر في التشكيل والتوجيه الوطني للشباب السوداني المغترب وان الأسرة هي التي تنقل التوجُّهات الأساسية كالارتباط بالقبيلة او الاقليم او الامة وهي التي تنمي الولاءات نحو الرموز الوطنية والدينية والاتجاهات السائدة في اوساط الأسر السودانية المغتربة والمتسمة بالتآلف والانسجام تؤثر ايجابيًا على التوجهات القومية للشباب واشار الى ان السلطات الحاكمة تلجأ ضمن سياساتها التعليمية الى التلقين السياسي والايديولوجي من اجل خلق جيل موالٍ لنظام كما يجد الطفل السوداني في المدارس السودانية المغتربة امتدادًا لمجتمع الأسر مما يعزز توجهاته المكتسبة منها لافتًا الى ان بيئة النشاط غير الأكاديمي للطلاب السودانيين المغتربين تختلف كثيرًا عن تلك البيئة التي تسود في الجامعات السودانية ونبه الى دور الاعلام موضحًا ان معدل المشاهدات التلفزونية للقنوات السودانية في مجتمعات الاغتراب اعلى بكثير من معدلات المشاهدة لدى الموجودين داخل الوطن، واشار ايضًا الى ان الملحقيات الثقافية في الخارج تقوم بدور بارز في بث الثقافة السودانية من خلال المعارض الموسمية والاحتفالات القومية والكتب والمنشورات التعريفية، واما في المرحلة الجامعية فيميل السودانيون كغيرهم من الجنسيات الأخرى الى التضامن وتشكيل كتلة موحدة تمارس نشاطها المستقل.