تتعدد دوافع الهجرة وأسبابها كما تتعدد أشكالها ومقارباتها وأصبح الشباب هم الفئة الاجتماعية العمرية التي يستهويها التغيير ويدفعها الطموح إلى التحرك في اتجاه المستقبل غير أن التغيير أو الطموح لا يشكلان وحدهما الدافع الأساس لرحلة البحث عن الحياة الأفضل وأن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنفسية تتداخل وتترابط فيما بينها وتؤثر على بعضها البعض ولها آثار في غاية الخطورة تطل الفرد والأسرة والمجتمع على حد سواء نتاجًا لظروف عديدة كالوصول للدخل والقدرة على امتلاك منزل وتكوين أسرة تؤمن الأمن والاطمئنان النفسي، إذن كيف تتشكل هذه المشكلات وكيف تبرز النواقص التي يشكو منها المهاجر السوداني في داخل الوطن عند مقدمه وفي بلد المهجر عندما تبتلعه الغربة؟ وهل دافع المجتمع السوداني في شكله الحالي يساعد على تحفيز المهاجر للاستمرارية أم أن العودة القسرية الاضطرارية هي المصير الذي ينتظر كل مغترب حينما تتعقد الحسابات وتصبح الغربة مجرد عذاب وحرمان؟ في هذه الزاوية يقول نائب مدير مركز السودان لدراسات الهجرة والتنمية والسكان د. خالد علي لورد في حديثه ل«الإنتباهة» إن مفهوم الهجرة بمختلف أنماطها أصبحت ظاهرة عالمية تكاد لا تنجو أي دولة منها في العالم وأن هنالك أسبابًا دافعة طاردة تدفع في هذا الاتجاه تتعلق بالوضع الاقتصادي الداخلي المتردي للمهاجر في بلده كنتاج طبيعي للظروف الإنسانية والاجتماعية بل والسياسية، ومن العوامل الجاذبة أيضًا الحصول على وضع اقتصادي أفضل بأجر مجزٍ بجانب ظروف الطقس والأمل في إيجاد مأمن في البلد المستضيف نظرًا للوضع الاقتصادي الذي ازداد سوءًا فضلاً عن وجود فوارق وحواجز كبيرة بين شمال الكرة الأرضية وجنوبها بحيث تتمتع الدول الغربية في شمال الكرة بوضع اقتصادي أفضل ومتقدم في حين يعاني سكان جنوب الكرة الأرضية من فقر مدقع وأن أعدادًا كبيرة من المواطنين تعيش تحت خط الفقر وأن تقارير الأممالمتحدة تؤكد أن مئات الملايين من البشر خاصة في إفريقيا جنوب الصحراء يعيشون دون هذا الخط مما يدفع الكثير من الشباب للبحث عن أوضاع وحياة أفضل لحفظ كرامتهم وانسانيتهم. ويضيف الدكتور خالد أن كل الخيارات المطروحة يبدو كل خيار منها أصعب من الثاني بالنسبة للطموح والرفاهية فهي في الحقيقية ليست طموحات ورفاهيات وإنما «مسؤوليات وتحديات» ولكن لا نعرف لمن الأولوية وليس كل مغترب طموح بالرفاهية إنما أغلب المهاجرين يبحثون عن ستر الحال وحياة أفضل، فلا يخفى على الجميع الوضع من دولة إلى أخرى من حيث فرص العمل والتوظيف إن وجدت بالمقارنة مع الرواتب حتى إن كنت مقتنعًا بهذا الراتب ويكفي لمصروفك فإنك لن تستطيع أن تمتلك منزلاً خاصًا من هذا الراتب ولا سيارة ولا حتى تستطيع أن توفر منه شيئًا هذا لتبرير الهجرة والتقصير في الواجبات الأسرية إن وُجد تقصير. ولكن الدكتور محمد عبد الله أستاذ علم الاجتماع يقول إن مظاهر العجز والعزلة وفقدان المعايير وعدم وضوح المستقبل، وافتقاد الانتماء والضياع أصبحت من أبرز السمات السائدة في الحياة الإنسانية في عالم اليوم، ولعل في مقدمة العوامل التي كانت وما تزال وراء بروز هذه المشاعر التي تولد عنها الإحساس بالاغتراب تفاقم الأزمة المصاحبة للتحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتسارعة التي كان لها الأثر الكبير في تزايد المشكلات الحياتية وتنامي الضغوط التي قيدت حرية الإنسان وأضعفت إرادته وروابطه الإنسانية. والشباب هم أكثر فئات المجتمع تعرضًا لهذه الظاهرة كونهم يمثلون الفئة العريضة والأشد إحساسًا بالفجوة الفكرية والانخلاع القيمي الذي بات يفصلهم عن مجتمعاتهم، كما أنهم يمثلون الشريحة العريضة التي تعرضت للاستلاب الروحي والفكري ويصابون بالقلق النفسي وافتقاد الحس الزماني والمكاني وعدم الرضا عن أهداف الحياة أمام تعاظم تيار المنافسة والتغالب تحت مغريات العصر التي تعكس الاهتمام بالربحية والتقدم المادي والتوجه نحو الاستهلاكية والانغماس في المظهرية والسعي وراء الغنى والرفاهية وتعزيز ضمانات الحاضر واستشراف المستقبل على حساب الغير.